تسلّم لبنان مذكرة من الشرطة الدولية "الإنتربول" بتوقيف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بعد ادعاء القضاء الفرنسي عليه بتهم الاختلاس وتبييض الأموال، وفقاً لتأكيد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، في أكثر من تصريح صحافي، اليوم الجمعة.
وتتجه الأنظار إلى كيفية تعاطي لبنان مع مذكرة توقيف سلامة، في ظلّ عدم دعوة مجلس الوزراء حتى اللحظة للانعقاد لبحث القضية وإمكانية اتخاذ القرار بإقالته، علماً أنّ هناك حركة مشاورات سياسية تحصل بهذا الخصوص، ولا سيما بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، في حين لا يزال الحاكم متمسّك برفض تقديم استقالته.
وأعلن سلامة، في تصريحات لقناة "الحدث" السعودية، أمس الخميس، أنه إذا صدر أي حكم بحقه فسيتنحى، وأنه لن يبقى في منصبه بعد انتهاء ولايته في يوليو/ تموز المقبل، مؤكداً أنّ نائبه الأول (وسيم منصوري) سيستلم منصبه بعد انتهاء ولايته. ويشار إلى أنّ للحاكم 4 نواب، ويفترض أن يستلم نائبه الأول مكانه مؤقتاً، حتى انتخاب رئيس جمهورية للبلاد وتعيين حاكم جديد.
ونصح سلامة القضاء بـ"البدء بالسياسيين"، وليس بحاكم المصرف المركزي.
وخرجت دعوات لإقالة أو استقالة الحاكم، نظراً لخطورة بقائه في منصبة بعد الاتهام الدولي الرسمي له على النقد الوطني والنظام المالي، وفي تعاملات لبنان مع المصارف الأجنبية والجهات الدولية المانحة.
وأصدرت القاضية الفرنسية أود بوروسي، الثلاثاء، مذكرة توقيف دولية بحق سلامة بعد تخلفه عن المثول أمامها، فكان ردّه عليها سريعاً بإعلان طعنه في القرار، باعتبار أنه يشكل خرقاً لأبسط القوانين، متوقفاً عند تجاوزات ارتكبتها القاضية الفرنسية على صعيد المهل القانونية وسرية التحقيقات وغيرها من الاتهامات التي ألقاها عليها.
ودعا نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، في تصريح لوكالة رويترز، سلامة إلى الاستقالة بعدما أصدرت فرنسا مذكرة اعتقال بحقه. وقال: "عندما يُتهم شخص في أي دولة بمثل هذه الجرائم، ينبغي ألا يظل في موقع مسؤولية ويجب أن يتنحى فوراً".
كذلك، طالب عددٌ من النواب، في بيان مشترك أمس الخميس، بعزل حاكم المصرف المركزي، وقالوا إنّ "مذكرة التوقيف الفرنسية التي صدرت بحق سلامة توّجت مساراً طويلاً من الملاحقات القضائيّة، التي كشفت الطريقة التي كان يُدار بها المصرف المركزي طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي أفضت إلى أحد أكبر الانهيارات المصرفيّة التي شهدها التاريخ الحديث".
وسألوا: "هل من المقبول أن يبقى الملاحق بهذه الجرائم الشائنة والخطرة متربّعاً على رأس الحاكميّة، بما يعطيه هذا الموقع من صلاحيّات يؤتمن من خلالها على سلامة النقد الوطني والنظام المالي؟ وهل المقبول أن ينخرط القضاء اللبناني في مغامرات غير محسوبة، تستهدف تغطية تقاعس الحاكم عن التوجّه لجلسات التحقيق في فرنسا؟ بل وهل المنطقي أن نشهد كل هذه المراوحة في ملف الحاكم الجنائي في لبنان، في حين أنّ الأموال المشتبه باختلاسها هي أموال عامّة لبنانيّة؟".
وأضافوا: "هل من الطبيعي أن تستمر العراقيل التي تحول دون اتخاذ الدولة اللبنانيّة صفة الادعاء على الحاكم، لضمان حقّها في الأموال المشتبه باختلاسها، وباستخدام ذرائع واهية يتحمّل وزير الماليّة المسؤوليّة الأكبر عنها؟".
وسألوا أيضاً: "كيف يستمر رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب بالتواطؤ في حماية الحاكم حتّى هذه اللحظة، عبر الحؤول دون استبداله، رغم خطورة بقاء الحاكم في منصبه؟".
واعتبر النواب أنّ "ما يجري بات معيباً بحق اللبنانيين واللبنانيات على جميع المستويات، وهو ما يدفعنا اليوم إلى رفع الصوت عالياً مطالبين بعزل المدّعى عليه رياض سلامة من موقعه بالسرعة القصوى، وتطبيق مندرجات قانون النقد والتسليف في ما يخص مآل الحاكميّة، حرصاً على أداء مصرف لبنان في ظل الانهيار الراهن. كما نرفع الصوت مطالبين السلطة التنفيذيّة بإزالة جميع العراقيل القائمة، التي تؤخّر ادعاء الدولة رسمياً على الحاكم، وخصوصاً تلك التي يتفنّن في وضعها وزير الماليّة و(مرجعيّته السياسيّة) ورئيس الحكومة".
كما طالب النواب "القضاء اللبناني بلعب دور فاعل على مستوى الملاحقات الجارية محلياً، حرصاً على عدم تكريس سياسة الإفلات من العقاب، وحفاظاً على هيبة النظام القضائي".
وختم النواب بالتأكيد: "سوف نلاحق أي محاولة من قبل السلطات اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة ووزير الداخلية ومدعي عام التمييز، للتقاعس عن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما سنعمل على تشكيل لجنة تحقيق برلمانيّة لتحديد المسؤوليات القانونية المترتبة عن ارتكابات سلامة، وتحديد المسؤوليات القانونية لكل من يغطّي عنه ويدعمه من المسؤولين الرسميين".