لوّح رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي بوجود إيعاز ما بتحريك الشارع اللبناني ربطاً بالأحداث الأمنية التي سجّلت في اليوميْن الماضييْن، أبرزها هجمة المودعين أمس الخميس، على عددٍ من فروع البنوك في بيروت، ومنزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير.
وقال ميقاتي في مستهل الاجتماع الطارئ الذي عقد اليوم الجمعة، لمجلس الأمن المركزي في السرايا الحكومية إن "الأحداث الأمنية التي حصلت في اليوميْن الفائتَيْن أوحت وكأن هناك فقسة زر في مكانٍ ما، ومن خلال متابعتي ما حصل من أعمال حرق أمام المصارف، سألت نفسي، هل فعلاً هؤلاء هم من المودعين؟ أم أنّ هناك إيعازاً ما من مكانٍ ما للقيام بما حصل؟".
وأشار إلى أن "هذا الاجتماع الأمني اليوم، سبقه بالأمس اجتماع مالي ضمن سلسلة اجتماعات ستعقد وستستكمل الأسبوع المقبل في سبيل اتخاذ الإجراءات المطلوبة من مصرف لبنان".
ولم تصدر أي إجراءات أو قرارات اقتصادية مالية مصرفية حتى الساعة لمحاولة الحدّ من الانهيار أو ضبطه في ظل التفلت الحاصل، وتحليق سعر صرف الدولار، وانعكاسه الكبير بالدرجة الأولى على أسعار المحروقات التي تواصل ارتفاعها، في حين تقرر الإبقاء على الاجتماعات مفتوحة، وضبط الشارع أمنياً.
من جهته، قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إن "الحل ليس لدى القوى الأمنية والعسكرية، بل في مكان آخر يبدأ بالسياسة وينتقل إلى الاقتصاد، وهذا الموضوع يؤسس لحل أمني مستدام"، لافتاً إلى أننا نعيش ظروفاً صعبة، والقوى الأمنية والعسكرية تتعامل مع النتيجة وتنجح في التعامل معها.
ولفت مولوي إلى أن "التحركات التي حصلت منذ بداية هذا الشهر وحتى اليوم بلغت تحديداً تسعين تحركاً، 59 منها سببها الأوضاع المعيشية"، مضيفاً "نحن نتفهم أن الأوضاع المعيشية صعبة إنما نقول للمواطن إن أعمال الشغب والاعتداء على الأملاك العامة ليست هي الحل، بل ربما تفاقم الأزمة وحجم المشكلات وتخرب البنى التحتية للبلد وتضر بالمواطنين وبلبنان".
وقال "قرر المجلس التأكيد على الطلب من الأجهزة الأمنية والعسكرية كافة المحافظة والاستمرار بالمحافظة على الأمن والنظام، وعدم التساهل بتهديد السلم الأهلي، وبالتالي متابعة أي عمل قد يضر بالأمن ويؤدي إلى التعدي على الأملاك العامة والخاصة".
وأردف "أما بالنسبة لحق المواطنين بالتجمع والتظاهر، فهذا الموضوع ضمن إطار القوانين والأنظمة مرعية الإجراء والمواثيق الدولية، ويهم الجميع تأكيد تأمين حرية تنقل المواطنين ويجب التشدد وسنتشدد بقمع ومنع إطلاق النار واستعمال السلاح، لأن هذا الموضوع لا يحل الأزمة بل يفاقمها".
وأشار إلى أن "حل أزمة المودعين لا يكون بهذه الطريقة وبأعمال شغب أو إحراق، وفي الوقت ذاته نريد الحفاظ على أمن المواطنين وعلى القطاع المصرفي كنظام وكقطاع، وليس عملنا حماية المصارف والوقوف في وجه الناس، بل واجبنا حفظ الأمن والنظام وتطبيق القوانين في كل البلد مع تحسسنا بما تقوم بها القوى الأمنية وما يعاني منه المواطنون في هذه الظروف الصعبة".
وعاد الهدوء نسبياً إلى الشارع اليوم الجمعة بعدما عمد عددٌ من المودعين أمس الخميس إلى تحطيم واجهات بعض فروع المصارف التجارية في منطقة بدارو – بيروت وتكسير أجهزة الصراف الآلي وإشعال الإطارات في محيطها، قبل أن يتوجهوا إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير، محاولين اقتحامه، وإضرام النيران أمام بواباته الرئيسية.
وجاء التحرك أمس بالدرجة الأولى بدعوة من "تحالف متحدون" الذي يرفع مع مجموعات أخرى، دعاوى قضائية بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والبنوك اللبنانية وأصحابها وشخصيات مالية ومصرفية واقتصادية، وذلك اعتراضاً على تمرّد البنوك على القضاء والأحكام القضائية الصادرة لصالح المودعين، واتخاذهم قرار الإقفال الجزئي والتلويح بالإقفال الشامل، للتهرّب من المساءلة والعقاب، والضغط على البرلمان لتسريع تشريع حمايتهم عبر إقرار قانون كابيتال كونترول يؤمن لهم عفوا عن الجرائم المالية المصرفية المرتكبة.
كذلك، شهد الشارع اللبناني في اليومَيْن الماضيَيْن، قطعاً للطرقات في بعض المناطق اللبنانية ولا سيما في بيروت وطرابلس شمال لبنان، اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز اليوم عتبة الـ82 ألف ليرة لبنانية، والغلاء المعيشي، في ظلّ عدم قيام السلطات بأي إجراء للحدّ من الانهيار، لا بل تمعن في اتخاذ قرارات تزيد من معاناة الناس، وتصب في دائرة الدولرة الشاملة، في حين أن أكثرية اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالليرة، كما تواصل صراعها على موقع الرئاسة الأولى في ظل شغور رئاسي مستمرّ منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعلى الرغم من حملة التوقيفات التي شملت عدداً من الصرافين، وضمنهم أسماء بارزة في عالم الصرافة غير الشرعية، بيد أن ذلك لم يؤدِّ إلى تهدئة السوق، أو تراجع سعر صرف الدولار، لا بل زاد الأزمة تفاقماً، وقد لوحِظت عودة لافتة للصرافين غير الشرعيين إلى الطرقات والجوّالين.
في السياق، يقول منسّق الدائرة القانونية لـ"روّاد العدالة" المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد"، إننا "نرفض التخوين ونظرية المؤامرة الخارجية أو الداخلية، ونفيد بأنّ من يحرّك شارع المودعين هم المودعون المنهوبون عبر الروابط والجمعيات المنضوين تحتها، ومن المستغرب اتهام المودعين بتحريكهم بأيدي خفية إذا ما تظاهروا وتحرّكوا للمطالبة بودائعهم جنى عمرهم، خصوصاً أن أكثر من 3 سنوات مرّت على الأزمة من دون أن تعمد الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الميقاتي على إيجاد حلّ لها".
ويضيف عزو "نحن من نتهم ميقاتي بالتحرك بأياد مصرفية، خصوصاً أنه على علاقة بكثير من المصرفيين وقد استفاد من قروض مصرفية ويسعى مع آخرين في السلطة إلى إقرار قانون تشريع سرقة الودائع أي الكابيتال كونترول الذي لم يعد يفيد عملياً بشي حالياً".
ويعتبر أن الهدف اليوم من الضغط لإقراره، يأتي لتوفير مظلة حماية قانونية للمصارف من الملاحقات القضائية المرفوعة بحقها، وهو الهدف المباشر لهذا الاقتراح التشريعي والثابت في المادة ما قبل الأخيرة منه والتي فيها يتبين الخيط الأبيض من ذاك الأسود ويذوب الثلج ويبان المرج، حيث تنص على تعليق تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد المصارف التي استولت على الودائع وذلك لطمس القضية وجعلها بغياهب النسيان".
ويرى عزو أنه "يقتضي إقرار بدل قانون الكابيتال قانون استعادة الكابيتال المهرب إلى الخارج طيلة السنوات الثلاث المنصرمة، وإقرار قانون هيكلة القطاع المصرفي واستقطاب مصارف جديدة خارجية لإعادة الثقة المفقودة بهذا القطاع مع إقرار أيضاً قانون جدولة تقسيط على أجل بسيط الودائع لأصحابها. والأهم، تحويل الودائع من لولار إلى دولار وليس تصنيفها تحت مسمى مؤهلة أو غير مؤهلة على أساس التحويل الصرفي لها الحاصل خلال الأزمة. والأهم أيضاً بهذا الصدد، أن التصنيف بين مؤهلة وغير مؤهلة يقتضي أن يكون على أساس قانوني موضوعي عادل بحيث تكون الودائع غير المؤهلة هي تلك فقط الناتجة من صفقات الفساد في الدولة أو عن الهندسات المالية المبتورة وهنا بيت القصيد".
من جهة ثانية، يقول عزو "إننا وإن كنا لا نستطيع ضبط الشارع نتيجة جراح المودعين النازفة، إلا أننا ندعوهم إلى عدم تكسير المصارف وآلياتها لكون ذلك لا يخدمهم بشيء بل يوفر الذريعة للمصارف لتبرر إغلاقها والأنجع والأفضل من محاربة طواحين الهواء الدونكيشوتية بالصراع مع مبنى المصرف، التظاهر بقوة وكثافة أمام منازل أرباب المصارف وإغراقهم القضاء بدعاوى رد الودائع بعملة الإيداع. مع بدل عطل وضرر. هذا ما يفيد منطقيا وعملياً وقانونياً".
بدوره، يقول رئيس "جمعية المودعين" حسن مغنية لـ"العربي الجديد"، "هناك من يحرك نجيب ميقاتي، وليس هناك من يحرّك المودعين، في حال قصد بكلامه هؤلاء، فإننا ولو كنا لا نحبذ عمليات العنف والحرق والتكسير، ونفضل الذهاب إلى حلول سلمية ترضي جميع الأطراف، إلا أنه لا يمكن لوم المودع على تصرفاته التي تأتي كردة فعل على ممارسات ظالمة بحقه".
ويلفت مغنية إلى أن "السلطات اللبنانية تتجاهل منذ أكثر من 3 سنوات قضايا المودعين، ولا أحد يلتفت إليهم وإلى أوضاعهم، وكيفية ردّ حقوقهم، من هنا لا نلوم الناس بل المسبب الحقيقي للأزمة وهي السلطة السياسية ومعها المالية والمصرفية في البلاد".
ويكرر مغنية قوله "قد يكون هناك من يحرك الشارع على صعيد قطع الطرقات وحرق الإطارات وذلك لغايات سياسية، ولكن لا أحد يحرك المودعين".