يظهر الاقتصاد أولويةً ومطلباً ملحّاً، رسمياً وشعبياً، في تشكيل الحكومة التركية الجديدة، التي كشف عن أسماء أعضائها الرئيس رجب طيب أردوغان، مساء أمس السبت.
في هذا السياق، يأتي تعيين جودت يلماظ نائباً للرئيس، لإدارة الفريق الاقتصادي أو ضبط أدائه، من دون الاصطدام ببقية الفريق، ليؤكد ذلك التوجه، لما له من خبرات وباع طويل في هذا المضمار، فضلاً عن بقية أسماء الفريق التي يتوقع أن تؤدي إلى تغيرات في السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة حالياً.
شغل يلماظ منصب وزير التنمية، في ثلاث حكومات سابقة، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء بحكومة أحمد داود أغلو المؤقتة عام 2015، كما ترأس لجنة التخطيط والميزانية في لبرلمان.
ويلماظ يملك اطلاعاً كاملاً على الوضع الاقتصادي التركي والتحديات التي تواجهه، وسبق أن عمل على سيناريوهات عدة للنهوض بالاقتصاد، بما فيها العلاقات مع أوروبا، حينما شغل موقع وكيل وزارة التخطيط للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
كذلك تكتمل ملامح أولوية الاقتصاد على الحكومة التركية الجديدة، بعودة الخبير، محمد شيمشك وزيراً للخزانة والمالية، بعد أن شغل المنصب لمرتين، بين عامي 2009 و2018.
ويتوقع أن يعيد شيمشك التوازن للسياسات المالية والاقتصادية التركية، وربما التخلي عن السياسة غير التقليدية التي انتهجتها تركيا خلال السنوات الأخيرة، وما يتعلق تحديداً، بتخفيض سعر الفائدة، رغم ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 85% العام الماضي، على خلاف الدول العالمية.
والوزير شيمشك القادم من مؤسسات مالية غربية، يوصف بأنه عتبة الأمان للمستثمرين وعامل ثقة لأصحاب الأموال في الداخل، فجذب الاستثمارات وتوازن المعروض النقدي، هما قارب النجاة ونقطة الفصل، سواء لتخفيض التضخم أو امتصاص فائض البطالة، أو حتى التسريع بأحلام أنقرة للوصول إلى نادي العشرة الكبار.
وهكذا تتوالى أسماء أعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي، الذي عليه تحقيق تطلعات تركيا ومواجهة تحدياتها المقبلة، من عمر بولات الذي عهدت إليه حقيبة التجارة والمعقود عليه الأمل في رفع الصادرات إلى 300 مليار دولار، إلى ألب أرسلان بيرقدار للطاقة والموارد الطبيعية، بعد دخول تركيا نادي منتجي الغاز وآمالها بتخفيض فاتورة استيراد الطاقة التي تنوف على 50 مليار دولار، وآثارها على الميزان التجاري.
وصولاً إلى وزير الصناعة والتكنولوجيا، محمد فاتح قجر، والذي يعوّل عليه في زيادة توطين التكنولوجيا وزيادة صادرات الصناعة التركية، والعسكرية على نحو خاص، بعد أن تعدت 4 مليارات دولار العام الماضي.
وبعيداً عن الآمال الكبيرة المعقودة، ثمة ملاحظات عدة جديرة بالذكر، من الاطلاع الأولي على تشكيلة الفريق الحكومي، فعودة شيمشك، ربما جاءت لإرضاء الغرب، وهو ما يعني التخلي، ولو جزئياً، عن كثير من الملامح التي كست السياسة الاقتصادية التركية خلال العقد الأخير.
ويتوقع أن يكون سعر الفائدة على حسب السوق والظروف وليس من إملاء بالتخفيض، كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة وعزل كل محافظ يشذ عن تلك السياسة.
كذلك إن فصل الاقتصاد عن السياسة، قد يكون الملمح الأبرز خلال الفترة المقبلة، حيث ستغيب التصريحات الاقتصادية عن الرئيس، كما عهدناها، ليكون لوزير المال الجديد القرار والتصريح، حتى بما نهت عنه أنقرة، لجهة استقدام الأموال الساخنة والشراكات المالية.
ويعني ذلك إن حصل تبدلاً في بنية الاقتصاد التركي، من دون مد اليد طلباً للاقتراض الخارجي، وفي الوقت نفسه، على الأرجح لن يكون في السياسة الاقتصادية الجديدة مكان لمحافظ مصرف تركيا المركزي الحالي، شهاب قافجي أوغلو، أو اتباع سياسات تزيد الفجوة بين تركيا والغرب عموماً.
من جهة أخرى، إن وجود يلماظ نائباً للرئيس، يعني على الأرجح، كبح جماح شيمشك تجاه الغرب، أو إبطاء الاستدارة التركية على الأقل، لأن التغيير بالصدمة قد يزيد من خسائر تركيا المرتبطة بالشرق، وفي مقدمته روسيا.
والعلاقة مع موسكو تظل لها أهميتها للاقتصاد التركي، فالسياح الروس رافد رئيس للقطاع، واتفاقية المفاعل النووي معها ضرورية في تحولات الطاقة التركية، وحجم التجارة المستهدف وصوله إلى 100 مليار دولار سنوياً، كلها تدفع باتجاه ذلك.
إذاً، يبدو أن تحقيق الانسجام داخل الحكومة هو الاختبار الأبرز بعملها وديمومتها، في ظل التناقضات الحالية في تشكيلتها.