لا حدود لانهيار الليرة اللبنانية مع تجاوز الدولار 15 ألف ليرة

14 يونيو 2021
طوابير إذلال الناس مستمرة في لبنان مع شح الوقود وسيادة الاحتكار (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

يستمرّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية بالتحليق متجاوزاً للمرة الأولى منذ بدء الأزمة أواخر عام 2019 عتبة الـ15 ألف ليرة لبنانية في مشهدية خطيرة جداً بانعكاساتها المعيشية ويتوقع أن تشتدّ حدّتها في المرحلة المقبلة التي يُمكن عنونتها بـ "الانفجار الاجتماعي والشعبي" خصوصاً في ظلّ الصورة القاتمة حكومياً بحسب تقديرات المراقبين.

وافتتح سعر صرف الدولار صباح يوم الاثنين في السوق السوداء بـ15400 ليرة، ما يقفد الليرة اللبنانية 92% من قيمتها ويحمل انعكاسات خطيرة جداً على مختلف المستويات وأكبر المتضررين منها القوى العاملة التي تتقاضى رواتبها بالليرة ونسبتها تصل إلى 95%، حسبما يؤكد لـ"العربي الجديد" الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين.

من جهته، يلفت الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ"العربي الجديد" إلى أن "معظم اللبنانيين من القوى العاملة يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية، وهذه الفئة الأكبر هي الأكثر تضرراً ما ينسحب على قدرتها الشرائية بالنسبة ذاتها والتي ستصبح شبه معدومة مع انخفاضها 92%، كما ينعكس زيادة إضافية في البضائع والسلع على اختلافها من دون أن ننسى ارتفاع معدّل البطالة حيث إنه من أصل حوالي مليون و300 ألف شخص من المنتجين والقوى العاملة فقد ما لا يقلّ عن 500 إلى 600 شخص عمله".

ويخشى أبو سليمان من أنه في "ظلّ الفوضى الشاملة، وغياب أي تطوّر إيجابي على المستوى الحكومي أن نشهد ارتفاعاً اضافياً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وربما لن يكون هناك سقف لمساره التصاعدي، ولا سيّما أيضاً في وقتٍ يتآكل فيه الاحتياطي الإلزامي".

ويكتفي بوصف إجراءات مصرف لبنان الأخيرة بـ"الترقيعات" ولن تؤدي دورها في لجم ارتفاع سعر الصرف، خصوصاً أن منصة صيرفة معدّة للطلب فقط من دون العرض وبالتالي فإن من يستحصل على الدولار هو التاجر بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أننا "لا نرى في أي دولة بالعالم أي بنك مركزي يخلق أكثر من سعر صرف، فهناك الرسمي، 1515 ليرة و3900 ليرة وسعر منصة الصيرفة 12 ألف ليرة للدولار الواحد على أن تبيعه المصارف بسعر 12.120 ليرة للدولار".

ويشدد أبو سليمان على أن "الارتفاع ناتج أيضاً عن التخبط السياسي والتجاذبات الحادّة، ويبدو كذلك أن المصارف تشتري الدولار من السوق بهدف تسديد مبلغ 400 دولار نقداً عملاً بتعميم مصرف لبنان رقم 158، كما حدث مع التعميم رقم 154 الذي ألزم المصارف اللبنانية بزيادة رأسمالها بالدولار بنسبة عشرين في المائة علاوة على تأمين نسبة 3% من ودائعها مع المصارف المراسلة في الخارج".

هذا وشهدت محطات الوقود الاثنين، كما هي الحال منذ مدة، زحمة طوابير سيارات بعدما كان العدد الأكبر من المحطات مقفلا السبت والأحد رغم تطمينات بثها المعنيون حول توزيع الشركات المستوردة مادة البنزين إلى السوق المحلي بكميات كافية مطلع الأسبوع تنفيذاً للموافقة على الاعتمادات التي أعطاها مصرف لبنان لبواخر استيراد المحروقات.

وناشد عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس في بيانٍ وزارة الاقتصاد بمعاونة الأجهزة الأمنية العمل على التأكد من أن الكميات المسلمة من قبل الشركات المستوردة وصلت وافرغت بكاملها في خزانات المحطات، مطالباً أيضاً بـ"تأمين وصول هذه المادة إلى محطات الوقود الموجودة في الأطراف ولا سيما في الجنوب وعكار شمالاً والبقاع المحرومون منها".

شهدت محطات الوقود الاثنين، كما هي الحال منذ مدة، زحمة طوابير سيارات بعدما كان العدد الأكبر من المحطات مقفلا السبت والأحد رغم تطمينات بثها المعنيون حول توزيع الشركات المستوردة مادة البنزين إلى السوق المحلي بكميات كافية

وكثفت وزارة الاقتصاد عبر مديرها العام محمد أبو حيدر يوم الاثنين من مداهماتها لمحطات الوقود والشركات المستوردة للنفط في مختلف الأراضي اللبنانية.
وأكد مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد" إن "المداهمات ستكون يومية، ولن تستثني أي منطقة لبنانية ولا سيما إن أحد أهم أسباب أزمة البنزين متصل بالتخزين داخل المستودعات، كذلك سيصار إلى الكشف على المحطات وبمواكبة أمنية للتأكد من مدى التزام أصحاب المحطات بتعبئة الوقود للسيارات بكميات كافية ومن دون غشٍّ أو تلاعب".

وكشف المصدر عن بعض نتائج المداهمات والجولات، إذ "تبيّن إن بعض المحطات لم تستلم بعد مشتقات نفطية من فيول وبنزين، لذلك ستعتمد وزارة الاقتصاد سياسة التتبع لمعرفة الكمية التي تصل إلى المستورد فالموزّع ومن ثمّ إلى المحطات بهدف لجم الاحتكار أو التهريب".

في موازاة ذلك، خرجت دعوات يوم الاثنين إلى تنظيم مسيرات شعبية في عددٍ من المناطق اللبنانية الثلاثاء احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد وارتفاع سعر صرف الدولار، وللمطالبة بسقوط الطبقة السياسية الفاسدة.

بدوره، أصدر مرصد الازمة في الجامعة الاميركية في بيروت تقريراً الأثنين حذر فيه من إن "سقوط لبنان في مرتبة الدول الفاشلة بات أمراً واقعاً بعد تراجعه 36 مركزاً على مدى خمس سنوات ليصبح ترتيبه في عام 2021 بين الدول الـ 34 الأكثر فشلاً من أصل 179 دولة".

لبنان يتعثَّر لبنان أكثر فأكثر في انهياراته بعد عامٍ ونيفٍ من التقهقر في القطاعات كافَّةً وفي معظم نواحي حياة الناس، أما حكومة تصريف الأعمال فتتعاطى مع الأوضاع بطريقة الهواة في المفاوضات مع الهيئات الدولية والصناديق المانحة

وقال التقرير، إن "لبنان يتعثَّر لبنان أكثر فأكثر في انهياراته بعد عامٍ ونيفٍ من التقهقر في القطاعات كافَّةً وفي معظم نواحي حياة الناس. وما تقوله المؤشرات في ما يعني الانكماش الاقتصادي الكبير والكساد العظيم ويختبره اللبنانيون في يومياتهم من صعوبة الحصول على السلع الأساسية، كالوقود والدواء، وكذلك من مشقة الوصول إلى الخدمات المُلحَّة كالصحة والطبابة، وتفاقم كل ذلك مع خسارة قيمة مدخراتهم، ولبنان وان كان في قلب الأزمة، إلَّا أنَّه لم يصل بعد إلى عصفها الأقصى".

ويضيف، "يضطلع التأزُّم السياسي بالدور الاكبر في استمرار الانهيارات بعد مرور أكثر من عام ونصف على حدوث الانهيار الكبير، فالطبقة السياسية ما زالت تتعاطى في جميع الملفَّات المعيشية والحياتية من منظار حساباتها ومصالحها الضيقة.

أما حكومة تصريف الأعمال فهي تتعاطى مع الأوضاع بطريقة الهواة في المفاوضات مع الهيئات الدولية والصناديق المانحة".

وأسف التقرير إلى إن "طريقة تعاطي الحكومة مع الأزمات المتعدِّدة اصبحت تشكِّل خطراً على حياة المواطنين في لبنان، فهي تفضِّل انقطاع الأدوية والوقود والمستلزمات الطبية على اتخاذ قرارات جريئة لجهة رفع دعم السلع الأساسية بصورة تدريجية او محاربة الاحتكار والتهريب".

المساهمون