لاءات قيس سعيد في وجه صندوق النقد

15 يونيو 2023
قلق من تأثيرات برنامج صندوق النقد على مستويات المعيشة (Getty)
+ الخط -

رفع الرئيس التونسي قيس سعيد، 3 لاءات في وجه صندوق النقد الدولي، الذي تحاول حكومته منذ شهور إقناعه بضرورة منحها قرضاً بقيمة 4 مليارات دولار، تم خفضه لاحقا إلى 1.9 مليار دولار، وذلك لتفادي أزمة مالية حادة، خاصة عقب خفض وكالة فيتش تصنيف تونس الائتماني إلى سالب CCC .

"اللاء" الأولى هي رفضه القاطع، كما يقول، لفكرة خفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية التي يطرحها الصندوق مقابل منح القرض، لأن ذلك قد يسبب توترات اجتماعية كبرى ويمس بالسلم الأهلي في الدولة.

كما أن خفض دعم السلع الغذائية والمحروقات سيضر بالفئات المهمشة والفقيرة ويزيد معاناتها. علما أن خفض الدعم، خاصة المقدم لسلع رئيسية كالوقود والكهرباء ورغيف الخبز، يعد مطلبا رئيسيا لصندوق النقد يفرضه على الدول التي تلجأ إليه للحصول على قروضه ومساعداته المالية.

رفض قيس سعيد سياسة فرض الإملاءات الخارجية من قبل الدائنين الدوليين وصندوق النقد، فهل يواصل تمسكه حتى النهاية؟

"اللاء" الثانية هي معارضة سعيد بيع الشركات والبنوك المملوكة للدولة، حيث يفرض الصندوق على الدولة بيع عدد من الأصول التابعة لها بهدف توفير سيولة دولارية، وإعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص والاستثمار العربي والأجنبي على حساب الدولة.

أما "اللاء" الثالثة فهي رفض الرئيس التونسي سياسة فرض الإملاءات الخارجية من قبل الدائنين الدوليين وصندوق النقد، باعتبار أنها تمسّ السيادة الوطنية، وأن قرارات الدولة سيادية ولا يجوز لأحد في الخارج التدخل فيها.

لاءات ثلاث مطلوبة من أي حكومة وطنية، خاصة أن مهمة صندوق النقد خبيثة، وسياساته فتاكة، فهو يستهدف بالدرجة الأولى إفقار المواطن وإذلاله.

ويستهدف ثانيا إدخال الدولة المدينة في نفق الاستدانة المظلم الذي قلما تخرج منه بسهولة، والأمثلة كثيرة الأرجنتين آخرها، وقبلها إدخال الدولة في فوضى اجتماعية واضطرابات لا تنتهي.

لكن، لم يقل لنا الرئيس التونسي هل سيثبت على لاءاته الثلاث أم لا، وهل يطلقها ليرضي ناخبيه أم هو مقتنع بها، ولماذا استنجد بأطراف خارجية للضغط على صندوق النقد الدولي لتمرير القرض المطلوب، وما هي بدائله لتجنيب البلاد الانهيار المالي والتعثر وعدم القدرة على سداد أعباء الديون الخارجية؟ وهل سيرفض مطلب الصندوق المتعلق بخفض قيمة الدينار التونسي، وفي حال الرفض، ما حلوله لوقف تراجع العملة؟

لم يقل لنا الرئيس التونسي هل سيثبت على لاءاته الثلاث أم لا، ولماذا استنجد بأطراف خارجية للضغط على صندوق النقد لتمرير القرض المطلوب

ولماذا أقحم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها في الأزمة المالية التونسية وهي شأن داخلي، ولم سمح لهذه الأطراف بالدخول على خط استجداء الصندوق والضغط عليه للإفراج عن القرض المطلوب تمريره بشكل عاجل خشية انهيار البلاد.

ولماذا تحمست تلك الأطراف لتونس، هل خوفا من حدوث موجة هجرة جماعية غير مشروعة ضخمة عبر البحر المتوسط لأوروبا، خاصة إيطاليا التي استقبلت وحدها أكثر من 14 ألف مهاجر منذ بداية العام الجاري وفق وزارة الداخلية الإيطالية، مقابل أكثر من 5300 خلال الفترة نفسها من العام الماضي، و4300 في عام 2021؟

تونس بحاجة ملحّة إلى قرض صندوق النقد ومزيد من المساعدات الخارجية إذا كانت تريد تجنب انهيار اقتصادي، كما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الاثنين.

وقيس سعيد سيوافق في النهاية على شروط صندوق النقد، ربما بتعديلات طفيفة، لأنه ليس فقط بسبب الحاجة القصوى لأموال وشهادة الصندوق، ولكن لأن القرض سيفتح له الباب على مصراعيه لإغراق البلاد في فوضى مالية واستدانة.

على قيس سعيد أن يوفر تصريحاته النارية، فربما يحتاجها في وقت لاحق عند مهاجمة خصومه السياسيين ومحاولة تبرير الزج بهم في السجون

فقد أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الأحد أنه قد يقرض تونس ما يزيد على مليار يورو (1.07 مليار دولار) لمساعدة اقتصادها المتعثر على النمو وإنقاذ ماليتها العامة وتمكينها من مواجهة أزمة الهجرة، وأعلنت دول أخرى عن منح تونس مساعدات مالية ضخمة.

لكن وصول تلك الأموال مرهون بالموافقة على دخول تونس في برنامج وإصلاحات اقتصادية مع الصندوق، وقيس بحاجة ملحة أيضا لأموال دول الخليج التي لن تضخها قبل إبرام هذا الاتفاق، وبالتالي على قيس سعيد أن يوفر تصريحاته النارية، فربما يحتاجها في وقت لاحق عند مهاجمة خصومه السياسيين ومحاولة تبرير الزج بهم في السجون.

المساهمون