كيف يوجع الإضراب العام الفلسطيني اقتصاد الاحتلال؟

18 مايو 2021
التزام بالإضراب العام في القدس (Getty)
+ الخط -

 الإضراب الشامل يعم كل مناطق فلسطين التاريخية اليوم الثلاثاء. الأسواق أغلقت، والعديد من العمال الفلسطينيين توقفوا عن العمل، من غزة التي ترزح تحت القصف الهمجي الإسرائيلي، إلى الضفة التي يواجه شبانها عسكر الاحتلال بالحجر، إلى أراضي الـ48 التي لم يهدأ غضبها لليوم التاسع على التوالي، وصولاً إلى سكان مرتفعات الجولان السورية المحتلة. 

 أهداف الإضراب الأساسية رفض العدوان على غزة والقدس والمسجد الأقصى بموقف موحد يجمع كل الفلسطينيين تحت شعاراته. إلا أن لهذا التحرك أبعاداً اقتصادية، تذكر بما حصل في الانتفاضة الأولى التي انطلقت في العام 1987، حينها شل الفلسطينيون الاقتصاد الإسرائيلي، في إضراب شامل أوجع الاحتلال وأوصل ناتجه المحلي إلى الانكماش.

فقد أسس الاحتلال لـ"اقتصاد التبعية"، حيث ربط كل مفاصل الإنتاج الفلسطيني بيد الإسرائيليين، إلا أن هذا الربط، الذي خرب الاقتصاد الفلسطيني، خلق أيضاً أداة للفلسطينيين يستطيعون استخدامها لحرمان الاحتلال من مليارات الدولارات. آخر مثال فاعل كان في العام 2019، حين قرر الفلسطينيون، في سبتمبر/ أيلول، حظر العجول الإسرائيلية، ما كبد المزارعين الإسرائيليين خسائر ضخمة.

تأثيرات تجارية

يورد الموقع الإلكتروني للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في أرقام التجارة الخارجية التي نشرها في 2020، أن حجم الواردات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية من الاحتلال في العام 2019 وصل إلى 3،636 مليارات دولار، في مقارنة مع 58 مليار دولار الصادرات الإجمالية الإسرائيلية في العام ذاته. فيما بلغت الصادرات من الضفة وغزة إلى المناطق المحتلة 898 مليون دولار. رقم ضخم يؤكد تجيير الأسواق الفلسطينية لصالح الاحتلال، ولكنه يشير أيضاً إلى الخسائر التي يمكن أن يتكبدها الاحتلال في حال استمرار الإضراب الشامل.  

ويقول تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) المنشور في العام 2019 إن الاحتلال يعزل الشعب الفلسطيني عن الأسواق الدولية، وبالتالي يضطره إلى الاعتماد التجاري والاقتصادي الساحق على إسرائيل، التي تزوده بـ58 في المائة من وارداته. وتحتل السوق الفلسطينية الصغيرة، وفق التقرير ذاته، المرتبة الرابعة من بين أكبر أسواق التصدير لدى إسرائيل، بعد الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة مباشرة.

وتوضح دراسة "تحليل تأثير السياسة الأمنية الإسرائيلية على إنتاجية التصنيع الفلسطينية"، المنشورة عام 2021، أنه بينما تجمع إسرائيل ضرائب الاستيراد الفلسطينية، تقرر أيضًا ما يمكن استيراده من الفلسطينيين إلى الأراضي الفلسطينية، عبر تقييد العديد من السلع. 

إذ إن الاتحاد الجمركي الذي أنشأه بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية عزز ترتيبًا غير متكافئ يعود بالنفع على الاقتصاد الإسرائيلي على حساب الاقتصاد الفلسطيني، حيث أغرق الأسواق الفلسطينية بمنتجات إسرائيلية رخيصة الصنع، ما حد من القدرة التنافسية لقطاع التصنيع الفلسطيني. كذا احتفظت إسرائيل بالسيطرة على تحصيل ضرائب القيمة المضافة وضرائب الاستيراد. وبالتالي، تفيد هذه القيود  الإسرائيلية المفروضة على الفلسطينيين المصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية. وهذه ثغرة إضافية قد يصيبها الإضراب.

تدوير قوى العمل

كذا، تشير دراسة منشورة على موقع شبكة السياسات الفلسطينية، للباحث إبراهيم الشقاقي، إلى أن الواردات الفلسطينية من إسرائيل كانت تُنتج محليًا في السابق، بما في ذلك الملابس والأحذية والمشروبات الغازية والأثاث وحتى منتجات البناء والأدوية. لكن مع تعطيل الصناعة الفلسطينية "بدأ الإسرائيليون يرسلون المنسوجات الخام إلى أصحاب العمل الفلسطينيين المتعاقدين من الباطن، ثم تُعاد المنتجات النهائية بعد ذلك إلى رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يبيعونها غالبًا في الأسواق الفلسطينية.

ونتيجة لذلك، فإن العديد من الأصناف التي اعتبرت صادرات فلسطينية إلى إسرائيل كانت في الواقع عبارة عن منتجات وسيطة. وأيضاً، لا تزال جميع الواردات الفلسطينية تقريبًا من الأسواق غير الإسرائيلية تأتي عبر إسرائيل ، وجزء كبير منها عبر المستوردين الإسرائيليين.

يعمل نحو 150 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وعدد قليل من غزة، في السوق الإسرائيلية، فيما يصل عدد العرب في أراضي 48 ما نسبته 21.1% (1.956 مليون نسمة) من سكان هذه الأراضي المحتلة

في الوقت ذاته، يعمل نحو 150 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وعدد قليل من غزة في السوق الإسرائيلية، فيما يصل عدد العرب في أراضي 48 إلى ما نسبته 21.1% (1.956 مليون نسمة) من سكان هذه الأراضي المحتلة، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية، وهؤلاء ينخرطون بشكل أو بآخر في الاقتصاد الإسرائيلي.

وتوقّف نسبة من هؤلاء عن العمل في الاقتصاد الإسرائيلي يعرضه لخلل حقيقي. وتقول دراسة أونكتاد في العام 2015 إن نقص فرص العمل في الاقتصاد المحلي يجبر آلاف الفلسطينيين العاطلين عن العمل على البحث عن عمل في إسرائيل وفي المستوطنات، في أنشطة يدوية منخفضة المهارات والأجور. في عام 2015، كان ما يقرب من 12 في المائة من الفلسطينيين العاملين يعملون في إسرائيل والمستوطنات. حيث شكلت، مثلاً، العمالة في إسرائيل والمستوطنات 16 في المائة من السكان العاملين في الضفة الغربية.

تأثيرات الانتفاضة الاولى

الاقتصاد الإسرائيلي، الذي ربط نفسه بالفلسطيني عنوة، يتأثر طبعاً بالإضرابات. يشير بحث لسمير جبور في "مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العام 1990، عن "تأثيرات الانتفاضة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي"، إلى أن الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987 ضربت الاقتصاد الإسرائيلي في مفاصله التي تعتمد على موارد المناطق المحتلة. ولم يكن هذا الاقتصاد مهيأ لامتصاص أضرار الانتفاضة وتأثيراتها في بعض القطاعات التي تضررت مباشرة. في حين أن بعض القطاعات الأخرى تعرض، بصورة غير مباشرة، لأضرار أقل.

فالانتفاضة الأولى، إضافة إلى تكبيدها الاحتلال خسائر ضخمة، أدت إلى ركود جزئي للاقتصاد الإسرائيلي خلال سنة 1988، لتتحول في سنة 1989 إلى حالة عامة من الانكماش أصابت معظم النشاطات الاقتصادية والتجارية.

ويشرح البحث أن أبرز النقاط التي أدت إلى خسائر الاقتصاد الإسرائيلي هي "تغيّب العمال العرب عن العمل في إسرائيل، إثر الانتفاضة، في السياحة الوافدة، انخفاض واردات المناطق المحتلة من إسرائيل. تراجع الإيرادات المباشرة من ضرائب ورسوم كان يذهب ريعها إلى الخزينة الإسرائيلية. ازدياد النفقات العسكرية الناجمة عن قمع الانتفاضة".

مثلاً، بلغ مجموع الخسائر التي لحقت بقطاع البناء بسبب توقف العمال الفلسطينيين، ابتداء من آب/أغسطس 1988 حتى أوائل حزيران/يونيو 1989، ما بين 500 و600 مليون دولار. وإذا ما أضيفت، إلى مقاطعة العمال الزراعيين العمل، مقاطعة استهلاك السلع الزراعية الإسرائيلية، فإن مجمل أضرار الزراعة حتى منتصف سنة 1988 يقدر بنحو 150 مليون دولار .

وتشكل المكاسب النقدية التي تجنيها سلطات الاحتلال من تشغيل العمال العرب مصدراً مهماً للخزينة الإسرائيلية، ولا سيما لتغطية نفقات الحكم العسكري في المناطق المحتلة. وقدرت هذه المكاسب بـ465 مليون دولار خلال سنة 1986. ووصل إجمالي المبالغ التي وفرتها إسرائيل نتيجة تشغيل هؤلاء العمال منذ سنة 1968 إلى ما يزيد على 4,4 مليارات دولار. ومع ارتفاع نسبة التغيب عن العمل خلال الانتفاضة إلى ما بين 40% و50%، خسرت إسرائيل مكاسب نقدية خلال سنتين تفوق نصف مليار دولار، وفق البحث المنشور في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

من السياحة إلى المقاطعة
كذا، اعتبر قطاع السياحة الأكثر تضرراً نتيجة الانتفاضة لأسباب عديدة، أهمها يعود إلى الأصداء السلبية التي تحدثها الانتفاضة في أذهان الرأي العام العالمي، وفق الدراسة ذاتها. كذا نتجت الخسائر بسبب انقطاع العمال العرب الذين يعملون في الخدمات السياحية... وتم تقدير مجموع خسارة السياحة بمبلغ 639 مليون دولار في نهاية آذار/مارس 1989.

خسائر إسرائيل، نتيجة امتناع الفلسطينيين من دفع الضرائب، بأشكالها كافة، بلغت 250 مليون دولار خلال الخمسة عشر شهراً الأولى من الانتفاضة الأولى

وأدت مقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية إلى تراجع صادرات إسرائيل إلى المناطق المحتلة بمبلغ 613 مليون دولار حتى شهر أيلول/سبتمبر 1988. كما أنه بحسب التقديرات، فإن خسائر إسرائيل، نتيجة امتناع الفلسطينيين عن دفع الضرائب بأشكالها كافة، بلغت 250 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة عشر الأولى من الانتفاضة.

كذا، شكلت تكلفة قمع الانتفاضة من قبل جيش الاحتلال جانباً مهماً من الأعباء التي تلقيها على الاقتصاد الإسرائيلي. ففي أواخر النصف الأول من سنة 1989، خرج شمعون بيريس، وزير المال، عن صمته، فقال إن تكلفة الانتفاضة للاقتصاد سنوياً تراوح بين 750 مليوناً ومليار دولار.

المساهمون