استمع إلى الملخص
- لم تعتمد شركات تحويل الأموال في دمشق الآلية الجديدة بعد، حيث تنتظر التعليمات التنفيذية. القرار يعكس سياسة "دولرة" الاقتصاد السوري، مما قد يسهم في استقرار السوق تدريجياً.
- يشير الخبراء إلى أن القرار قد يخفف الضغط على التجار لكنه قد يزيد الضغط على المواطنين بسبب تسعير السلع بالدولار، مع الحاجة لقرارات سيادية لضمان استقرار سعر الصرف.
بالتوازي مع حديث حكومة تصريف الأعمال عن اقتصاد السوق الحر، أصدر مصرف سورية المركزي قراراً بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سمح بموجبه للمصارف وشركات الصرافة بدفع قيمة التحويلات الخارجية نقداً بالعملات الأجنبية في حال رغبة المستفيد استناداً إلى نشرة أسعار الصرف الرسمية، على أن يدخل ضمن هذا القرار رواتب الموظفين الأجانب أو السوريين العاملين في المنظمات الأممية والإنسانية.
وبحسب التعميم، ألزم مصرف سورية المركزي البنوك ومؤسسات الصرافة المرخصة وشركات التحويلات الداخلية بتحديد الحد الأدنى والحد الأعلى لسعر كل عملة من العملات الأجنبية ضمن نشرات أسعار الصرف الصادرة عنها، بحيث لا يتجاوز الهامش بينهما نسبة 1%، وتكون الأسعار محتسبة استناداً إلى السعر الوسطي الوارد في النشرة الصادرة عن المصرف المركزي.
وفي جولة لمراسل "العربي الجديد" على شركات تحويل الأموال بدمشق، تبيّن أن هذه الشركات لم تعتمد الآلية الجديدة بعد، ولا تزال تترقب التعليمات التنفيذية التي يتوقع أن يصدرها مصرف سورية المركزي قريباً، ولا سيما بعد انطلاقة العام 2025. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، عقّب الخبير الاقتصادي أيهم أسد على القرار مؤكداً أنه لم يلزم شركات الصرافة بتسليم التحويلات الخارجية بالدولار حصراً، لكن منحها الصلاحية للتسليم بالدولار أو بالليرة السورية بحسب رغبة المتعامل وإمكانيات الشركة ومدى توفر القطع الأجنبي لديها.
ويتوقع خبراء أن ينعكس تطبيق القرار على الداخل تدريجياً، حيث ينظر أسد بإيجابية إلى مسألة تعويم الدولار الأميركي في الاقتصاد وتسليم التحويلات بالدولار أيضاً، ومنح الحرية للشركات والمتعاملين لتصريفها في الداخل إما عبر نشرة مصرف سورية المركزي أو في السوق الموازية، أو حتى الشراء المباشر للسلع والخدمات في السوق المحلية بالدولار. وينطلق أسد في رؤيته من أن الحكومة الجديدة "دولرت" الاقتصاد السوري وسمحت بالتعامل بعملات أُخرى للسلع والخدمات في الأسواق المحلية بيعاً وشراء. فعلى سبيل المثال، سعّرت حكومة تصريف الأعمال المشتقات النفطية (المحروقات) بالدولار أيضاً.
وبالتزامن مع وصول متوسط سعر صرف الليرة السورية في النشرة الرسمية الأخيرة إلى حدود 13500 ليرة مقابل كل دولار، يشير أسد إلى أن القرار يشكل أحد العوامل المساعدة في استقرار سوق الصرف، لكنه ليس العامل الوحيد طبعاً. ويُعدّد الخبير الاقتصادي إيجابيات القرار، ومنها وجود أسعار تنافسية بين الشركات لتسليم المواطنين تحويلاتهم في حال لم يحدد المصرف المركزي سعراً ثابتاً للصرف، وسمح بهوامش لبيع وشراء الدولار بعد أن ينظم لاحقاً سوق الصرافة بطرق مختلفة.
وفي رده حول سؤال مدى إمكانية التزام شركات تحويل الأموال بالقرار الجديد، يوضح الخبير الاقتصادي أيهم أسد أن قوانين تنظيم القطع الأجنبي في سورية تلزم شركات الصرافة العاملة في الاقتصاد بالإفصاح عن كل بياناتها، وكذلك هناك نظام لشركات الصرافة لا يمكن تجاوزه بحيث يطلع المصرف المركزي على حجم التحويلات بشكل يومي. وبالعودة إلى تعامل النظام السابق مع التحويلات الخارجية، ينوه أسد إلى أن النظام السابق احتكر التعامل بالعملة الأجنبية لأنه أدار منظومة اقتصادية لنهب الثروة الوطنية والمال العام والسيطرة على سعر الصرف.
قرار التحويلات غامض حتى الآن
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم في حديث مع مراسل "العربي الجديد"، أن قرار السماح بتسلم التحويلات بالدولار غير واضح حتى الآن، لأنه نص على شرط توفر القطع الأجنبي لدى شركة الصرافة، ومن ناحية أخرى ربما لا يوجد معيار يحدد ما إذا كانت ستسلم التحويلات للأفراد بالعملة المحلية أو بالدولار، علماً أن النظام السابق كان يحظر التعامل بغير العملة المحلية في المعاملات التجارية. ويضيف الكريم: "حتى الآن لم يصدر قرار يلغي مفعول المراسيم مثل المرسوم رقم 3".
وتفيد الآلية الجديدة بسهولة الحصول على الدولار. وهنا يذكر الكريم أن هذا من شأنه أن يخفض الضغط على التجار، لكنه قد يشكل ضغطاً على المواطنين أيضاً، لأن تسعير السلع والخدمات سيكون بالعملة الأجنبية وفق مبدأ العرض والطلب. ويدعو الكريم إلى ضرورة ترافق عملية تحرير الدولار مع سلسلة من القرارات السيادية المتعلقة بوزارة المالية ووزارة الاقتصاد وبرئاسة مجلس الوزراء حول سماح تداول الدولار رسمياً وتحديد آلية التسعير ودعم السلع الأساسية، وإلا فإنه سوف يزيد من انخفاض قيمة الليرة السورية نتيجة زيادة الطلب على الدولار في الشراء والبيع.
ويكمل الكريم حديثه قائلاً: "لا يوجد أقنية رسمية يتحكم فيها المصرف المركزي لإرسال التحويلات في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية الدولية، وتعرض المصرف نفسه للإنهاك خلال حكم النظام السابق". وفي هذا السياق، لا يعد الخبير الاقتصادي القرار عاملاً في استقرار سعر الصرف ما لم يترافق مع قرارات أخرى داعمة له مثل هيكلة أسعار السلع والخدمات.
مراسيم سابقة بحظر التحويلات بالدولار
وعلى الرغم من أن النظام السابق حظر تسليم التحويلات إلا بالليرة السورية، بيد أن المركزي أعلن في عام 2022 السماح بتسلم التحويلات الخارجية من شركات الصرافة بالدولار أو ببقية العملات الأجنبية الأخرى، بشروط محددة للمواطنين والتجار والصناعيين. كذلك جرّم النظام السابق التعامل بالعملة الأجنبية في التعاملات التجارية، ففي 2020، كان رئيس النظام المخلوع بشار الأسد قد أصدر المرسوم رقم 3 القاضي بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة.
وينص المرسوم رقم 3 على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية. وفي عام 2024 أصدر النظام المرسوم رقم 5 الذي شدد على منع التعامل بغير الليرة السورية وسيلةً للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، لكنه أتاح للمدعى عليهم التسوية أمام القضاء لتسقط عنهم عقوبة الحبس أو السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من سبع سنوات.
هذا وسجلت الليرة السورية خلال تعاملات يوم السبت، تراجعاً طفيفاً، لتستهل الأسبوع الجديد في السوق السوداء بدمشق على 13400 مقابل الدولار، فيما بلغت في مدينة حلب 13450 ليرة، مقابل 13525 في إدلب، بينما بلغ سعر الصرف في المناطق الشمالية، ولا سيما الحسكة ومحيطها، 13200 ليرة مقابل العملة الأميركية.