كيف نجحت أوكرانيا في إعادة هيكلة ديونها بزمن الحرب؟

03 سبتمبر 2024
أمام مركز صرافة في كييف، 30 يونيو 2022 (Getty)
+ الخط -

بعد بضعة أشهر فقط من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، سلّم المستشار المالي للبلاد، روتشيلد آند كو، رئيس دائرة الديون في كييف مجلداً أسود سميكاً يوضح تفاصيل عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية الكبرى خلال الثلاثين عاماً الماضية.

بالنسبة إلى يوري بوتسا (40 عاماً)، فإن القراءة ستكون ضرورية. لم يكن مشاركاً في إعادة هيكلة الديون التي طالبت بها أوكرانيا في عام 2015 بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يحتاج إلى الاستعانة بخبرة إعادة الهيكلة.

في مواجهة اقتصاد مشلول بسبب تكاليف الحرب والدمار الذي خلفته، وافقت أوكرانيا بحلول أغسطس/آب 2022 مع الدائنين على وقف سداد سنداتها. وفي ظل عدم وجود نهاية للصراع في الأفق، أبرمت البلاد الأسبوع الماضي واحدة من أسرع عمليات إعادة هيكلة الديون، وأكبرها في التاريخ.

إن إعادة هيكلة الديون التي تزيد على 20 مليار دولار، والتي لا يتفوق عليها في الحجم سوى الأرجنتين واليونان، ستوفر لكييف 11.4 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهو أمر بالغ الأهمية، سواء بالنسبة إلى جهودها الحربية الجارية، أو برنامجها مع صندوق النقد الدولي.

وقال أرفيد توركنر، المدير الإداري لأوكرانيا ومولدوفا في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وهو أحد الشركاء المتعددين الكبار لكييف، لرويترز: "الوضع المستقر الذي لا يوجد فيه المزيد من علامات الاستفهام لا يمكن إلا أن يعود بالنفع على أوكرانيا".

إحياء محادثات إعادة هيكلة الديون

ولم تسر المفاوضات الأولية بين الحكومة ومقرضيها كما هو مخطط لها. انهارت المحادثات في يونيو/حزيران بعد أسبوعين، مع شكوى اللجنة الأساسية لحاملي السندات من أن خفض قيمة الديون الذي تطالب به أوكرانيا كان "أكثر بكثير" من 20% التي توقعها معظم الناس، ويخاطر بالتسبب في "أضرار جسيمة" للعلاقات.

مع بقاء أقل من شهرين حتى انتهاء مهلة السداد في أغسطس/آب 2022، رتبت روتشيلد اجتماعات وجهاً لوجه في مكاتب الشركة الأنيقة في باريس على شارع ميسين المورق.

في وقت مبكر من يوم 16 يوليو/تموز، وصل ممثلون عن بعض شركات إدارة الأصول الكبرى في العالم ومستشاريهم القانونيين والماليين إلى باريس، حيث انضموا إلى شركة بوتسا والمستشارين القانونيين طويلي الأمد لأوكرانيا وايت آند كيس وفريق روتشيلد.

وقد حُجزَت مجموعة من قاعات الاجتماعات، المزينة بصور مزارع الكروم الشهيرة التابعة لمجموعة روتشيلد، للسماح بمناقشات مشتركة وتخطيط استراتيجيات خاصة.

وقال مصدران من الحكومة ومن جانب الدائنين إن المزاج كان عملياً منذ البداية. فقد جاء الجميع على أمل التوصل إلى اتفاق، على الرغم من أن الجانبين ما زالا بعيدين عن بعضهما.

عدم اليقين الاستثنائي

لقد كان هناك سبب للعودة إلى المحادثات. وبالإضافة إلى اقتراب الموعد النهائي، كان صندوق النقد الدولي، الذي قدّم إلى أوكرانيا 15.6 مليار دولار من الدعم، قد قام للتو بتحديث توقعاته. وقد عكست هذه التوقعات صورة اقتصادية متدهورة، ولكنها مع ذلك وفرت قاعدة جديدة للعمل انطلاقاً منها.

بدأت أوكرانيا في عرض مقترحاتها. ثم أتيحت الفرصة لأعضاء مجموعة رئيسية من حاملي السندات، تمثل بعض أكبر شركات إدارة الأصول في العالم مثل بلاك روك وأموندي، لشرح مطالبهم أيضاً: أن تستأنف أوكرانيا سداد الأقساط على الفور، وأن تقدم مساراً لاسترداد رأس المال بأعلى مستوى، والأهم من ذلك، "تبسيط الأمور".

ووفقاً لأحد المصادر، كان خبراء صندوق النقد الدولي على استعداد في كييف وواشنطن في ترتيب استثنائي. وكان ذلك أمراً حيوياً لإعداد النماذج التي تتطلب عمالة مكثفة لتحديد ما قد تعنيه كل تسوية مقترحة بالنسبة إلى استدامة ديون أوكرانيا في الأمد الأبعد.

بحلول الساعة الرابعة صباحاً من يوم 18 يوليو/تموز في باريس، أو الخامسة صباحاً في كييف، وبعد مرور ما يقرب من 48 ساعة على بدء العملية، قُدِّم طلب آخر إلى فرق صندوق النقد الدولي لإعادة حساب الأرقام. وكان بعض أولئك الذين قاموا بتحليل الأرقام بالكاد نائمين.

وكانت المساعدة التي قدمها الصندوق لا تقدر بثمن، إذ عمل موظفوه بسرعة فائقة وساعدوا في التغلب على العديد من العقبات.

ولكن المناقشات حول كيفية استغلال الأصول الروسية المجمدة والارتباك حول سياسة جديدة لصندوق النقد الدولي تهدف إلى محاولة مساعدتها على التكيف مع حقائق حرب شاملة، أدت إلى عدم القدرة على بدء المحادثات في اجتماعات صندوق النقد الدولي الربيعية في إبريل/نيسان كما كان متوقعاً، وما زالت تتسبب في مشاكل.

كما أصر فريق بوتسا وصندوق النقد الدولي على أنه لا يمكن أن يكون هناك أي شيء مثل "ضمانات الناتج المحلي الإجمالي" المكلفة المستخدمة لتحلية إعادة الهيكلة في عام 2015. وبموجب شروطهم، يتعين على كييف أن تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية المالية إذا تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 125.4 مليار دولار وبلغ النمو السنوي 3%.

ولكن أوكرانيا قدمت بديلاً في شكل سند مرتبط بالناتج المحلي الإجمالي، كذلك عُرض على الدائنين أيضاً مدفوعات القسائم أو الأقساط الفورية التي أرادوها، بدءاً بمعدل فائدة 1.75% وارتفاعاً في نهاية المطاف إلى 7.75%.

وقد صُمِّمَت السندات بحيث تكون مؤهلة لمؤشرات السندات الرئيسية، وبالتالي يسهل شراؤها وبيعها، ما يعني أن الفجوة بين الجانبين قد سُدَّت تقريباً. وبعد الانتهاء من الطباعة الدقيقة للبيان الذي يعلن الاتفاق على إعادة الهيكلة، غادر أولئك الموجودون في باريس بينما كانت المدينة المزدحمة تضع اللمسات الأخيرة على استعداداتها للألعاب الأولمبية.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون