كيف تواجه الكويت تخفيض التصنيف الائتماني؟

05 فبراير 2021
الحكومة توجه اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية بهدف تنويع مصادر الدخل (ياسر الزيات/فرانس برس
+ الخط -

بينما تعاني الكويت من أزمة مالية طاحنة على خلفية شح السيولة وتفاقم عجز الميزانية، جاءت خطوة تثبيت التصنيف الائتماني للكويت عند AA وتغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية لتسلط الضوء على عملية الإصلاحات المستحقة ومعالجة الأزمات الاقتصادية الراهنة. ويأتي ذلك فيما أكد خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد"، أن المطلوب هو تركيز الحكومة على وقف النزيف المالي ومعالجة السلبيات التي أدت إلى خفض التصنيف.
وفي الوقت الذي أكد فيه مراقبون قدرة الاقتصاد الكويتي على تجاوز أزماته الاقتصادية وتحسين تصنيفه مستقبلا بسبب احتياطات البلاد المالية الضخمة وسياساتها الاقتصادية المنفتحة، حذر خبراء اقتصاد من مخاطر عديدة تتعرض لها الأوضاع المالية في ظل جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط. واقترحوا معالجة خفض التصنيف الائتماني من خلال رؤية جادة تستهدف إقرار الإصلاحات وتنويع مصادر الدخل في ظل تراجع الاعتماد على النفط عالميا، والتوجه نحو الطاقة النظيفة.
وقالت وكالة فيتش إن تخفيض النظرة المستقبلية يعكس مخاطر السيولة قصيرة الأجل، والمرتبطة بالنفاد الوشيك لصندوق الاحتياطي العام والسحب من صندوق احتياطي الأجيال وذلك في تعثر الخطط الحكومية من أجل الاقتراض لمعالجة الأزمات المالية الراهنة وعلى رأسها أزمة عجز الموازنة.

وسلطت الوكالة الضوء على خطر الجمود المؤسساتي الذي يفسر أيضاً عدم وجود إصلاحات مؤثرة لمعالجة العجز المالي الكبير في الميزانية العامة للدولة، والضعف المتوقع في أرصدة الموازين المالية والخارجية لدولة الكويت، ومع ذلك ستظل تلك الأرصدة من بين أقوى الميزانيات السيادية التي تصنفها الوكالة.

صلابة الاقتصاد
ورغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتها منذ أزمة انهيار أسعار النفط، منتصف عام 2014، حافظت الكويت، حتى الربع الأول من العام 2020، على استقرار مؤشراتها الاقتصادية، وحققت نمواً في ظل أزمات اقتصادية عديدة تواجهها، حسب مراقبين.
وترجع صلابة الاقتصاد الكويتي إلى احتياطاتها المالية الضخمة، وسياساتها المنفتحة، وتمكُّنها من التحول باقتصادها الذي كان يعتمد بشكل رئيس على عائدات النفط ليصبح أكثر تنوعاً بعد التطور السريع الذي حققته، خلال السنوات الثلاث الماضية، في استحداث المشاريع غير النفطية وتنميتها، الأمر الذي يجعلها، وفق المراقبين، قادرة على تجاوز تخفيض تصنيفها الائتماني والعودة مرة أخرى إلى تصنيفات أكبر.
وفي هذا الإطار، تقول الخبيرة في الاقتصاد الكويتي نجاة السويدي: "لا شك أن مثل هذه التصنيفات مهمة جدا بالنسبة للدول وللشركات، كونها تعبر عن المركز المالي للدولة وعن الجوانب المالية والإدارية فيها، كما أنه من المهم جدا التأكيد على أن الكويت استطاعت الحفاظ على قدرتها المالية على الرغم من جائحة كورونا والأوضاع السياسية والاقتصادية المحيطة بها".
وأشارت السويدي خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما يعيب هذا التصنيف هو عدم تفنيده للمصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي، بمعنى أنه طالما بقي التصنيف الائتماني للدولة في المنطقة السلبية، فلا بد من أخذ وتطبيق التدابير اللازمة لمواجهة هذا الأمر.

وحسب صندوق النقد الدولي، فإن الكويت واجهت أزمة أسعار النفط وهي في "مركز قوة"، بفضل الاحتياطات المالية الكبيرة، والدَّين المنخفض، وسلامة أوضاع القطاع المالي للبلاد، إضافة إلى تطور القطاع غير النفطي.
وكان عجز الموازنة قد انخفض في العام المالي (2018/ 2019)، ليبلغ نحو 6.5 مليارات دينار (21.62 مليار دولار)، بما نسبته 17% من الناتج المحلي للبلاد، نزولاً من 22% في العام المالي السابق له (2017/ 2018).
وحسب وزارة المالية الكويتية، فإنَّ عجز الموازنة العامة يتجه نحو الانخفاض التدريجي، بسبب ضبط الدولة المصروفات وتقليص الإعانات.

تداعيات الجائحة
وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي الكويتي ناصر بهبهاني، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة الأخيرة لوكالة فيتش كشفت عن خطورة الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الكويت خلال الآونة الأخيرة والتي تفاقمت بصورة غير مسبوقة بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثارها، ومنها نفاد وشيك لصندوق الاحتياطي العام وبدء السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
وعن الأسباب التي دفعت الوكالة إلى تغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، أكد بهبهاني أن تراخي الحكومة بشأن العديد من الأزمات المزمنة التي من أهمها النفاد الوشيك لصندوق الاحتياطي العام وإقرار تشريعات للاقتراض الخارجي وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية المستحقة، كانت من أبرز الأسباب.
وفي ظل تراجع الإيرادات المالية على خلفية انخفاض أسعار النفط، شدد بهبهاني على ضرورة العمل على تحقيق استدامة مالية من خلال تعزيز الإيرادات المالية وتحريك رسوم الخدمات الحكومية وفرض الضرائب التصاعدية على شركات القطاع الخاص في البلاد.
وحذر الخبير الاقتصادي الكويتي من أن السحب من سيولة صندوق احتياطي الأجيال، من شأنه أن يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويمكن أن يؤدي إلى اضطراب اقتصادي كبير.
وأكد أنه من دون الاقتراض خلال الفترة المقبلة لن تتمكن الحكومة أيضا من الوفاء بالتزاماتها، خصوصا في ظل زيادة الإنفاق الحكومي على إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا، ودعم المتضررين، فضلا عن بدء عملية شراء اللقاحات وتوفيرها للمواطنين والمقيمين.

خلافات الحكومة والبرلمان
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت محمد الهاجري إن الخلافات بين الحكومة الكويتية ونواب مجلس الأمة (البرلمان) تخيم على المشهد السياسي في الكويت، وأدت إلى غياب التوافق على الأولويات الاقتصادية، وخصوصا في ما يتعلق بتمرير قانون الدين العام الذي يهدف إلى اقتراض ما يقرب من 65 مليار دولار.

وأضاف الهاجري خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن الخلافات الراهنة قد تدخل الكويت النفق المظلم، مشيرا إلى أن التقاعس عن معالجة الأزمة المالية الراهنة واستمرار السحب من صندوق الاحتياطي العام الذي أوشك على النفاد سيزيد من خطر تأثر مركز الكويت المالي وبالتالي خفض التصنيف الائتماني.
ودعا الهاجري إلى معالجة أوجه القصور والملاحظات الأخيرة التي وردت في تقرير وكالة فيتش من خلال رؤية جادة تستهدف إقرار الإصلاحات وتنويع مصادر الدخل في ظل تراجع الاعتماد على النفط عالميا، والتوجه نحو الطاقة النظيفة.
وتشكل الإيرادات النفطية أكثر من 92% من الناتج المحلي الإجمالي في الكويت، حسب بيانات رسمية.
وكان وزير المالية الكويتي خليفة حماده قد أكد أن المركز المالي للكويت قوي ومتين لكونه مدعوما بالكامل من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، لكنه حذر من أن "الإيرادات والمصروفات العامة تعاني من اختلالات هيكلية أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة وصندوق الاحتياطي العام".
وتعقيباً على خطوة وكالة فيتش، قال حماده في تصريح صحفي، أمس: من أهم أولوياتنا في المرحلة القادمة هو تعزيز السيولة في خزينة الدولة (صندوق الاحتياطي العام).
إلى ذلك، ذكرت وكالة بلومبيرغ أن حكومة الكويت حولت آخر أصولها العاملة إلى صندوق الأجيال القادمة مقابل الحصول على النقد، لسد عجز الميزانية الشهرية البالغ 3.3 مليارات دولار.
وقد شملت هذه الأصول حصصا في بيت التمويل الكويتي وشركة زين، إضافة إلى مؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة التي تم تحويلها من الخزانة إلى صندوق الأجيال القادمة، علما أن القيمة الإسمية لشركة البترول الكويتية تبلغ 2.5 مليار دينار.
والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الكويتية عن الميزانية التقديرية لعام 2021، حيث بلغ إجمالي المصروفات 76 مليار دولار، والعجز المتوقع ما يقرب من 40 مليار دولار.
وتشكل المرتبات والدعوم الحكومية أكثر من 70% من الإنفاق العام. ويُشكل المواطنون الكويتيون نحو 80% من العاملين في القطاع العام.

المساهمون