صدمت التكلفة الرسمية لأداء مناسك الحج التونسيين هذا العام، بعدما سجلت أعلى مستوى في تاريخ البلاد، متأثرة وفق مسؤولين وخبراء اقتصاد بشح النقد الأجنبي وتردي الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة.
وحددت وزارة الشؤون الدينية كلفة الحج بنحو 19.4 ألف دينار (حوالي 6.5 آلاف دولار)، لتعادل 45 مرة الأجر الأدنى الذي لا يتجاوز 432 ديناراً (144 دولاراً)، ما أثار انتقادات واسعة بين التونسيين، بسبب الكلفة المرتفعة للحج هذا العام، بينما دافع مسؤولون حكوميون عن الأسعار المعلنة، حيث دعا رئيس نقابة الأئمة فاضل عاشور مفتي الجمهورية إلى إلغاء رحلات الحج لهذا العام وتسويق هذا الخطاب بين المسلمين في تونس، نظراً لغلاء كلفته وما يستنزف من عملة صعبة.
وتستأثر نفقات الحج والعمرة بأكثر من 80% من نفقات السياحة الخارجية للتونسيين المقدرة بنحو 700 مليون دينار، وفق أحدث بيانات البنك المركزي التونسي.
وقال عاشور في تصريح لـ"العربي الجديد" إن " الحج من أعظم الشعائر وركن من أركان الإسلام الخمسة، غير أن وضع المالية العمومية والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تنعكس على وضع التونسيين، تقتضي إجراءات استثنائية بإلغاء رحلات الحج هذا العام إلى حين انفراج الوضع في البلاد".
واعتبر أن واقع المالية العمومية يفرض على الدولة توظيف أموال الحج لصالح البلاد، لا سيما أن توريد المواد الأساسية الحياتية يقتضى الحفاظ على رصيد عملة صعبة مطمئن.
واقترح رئيس نقابة الأئمة توجيه أموال الحج التي سينفقها التونسيين نحو المساهمة في اكتتاب وطني بما يساعد الدولة على توفير تمويلات إضافة بدل الاقتراض من البنوك المحلية والأجنبية. وقدّر ما سينفقه نحو 11 آلف تونسي في الحج هذا العام بما يزيد عن 215 مليون دينار، مؤكدا أن هذا المبلغ مهم في ظل الأزمة المالية التي تشهدها بلاده.
وتراجع صافي احتياطي العملة الصعبة إلى 21.6 مليار دينار (7.2 مليارات دولار) حتى 16 مايو/أيار الجاري، وهو ما يعادل 93 يوما من الواردات، وذلك مقارنة بنحو 7.8 مليارات دولار في الفترة المناظرة من العام الماضي، وفق بيانات نشرها الخميس الماضي البنك المركزي التونسي.
ويُقصي ارتفاع كلفة الحج من عام إلى آخر شرائح اجتماعية عدة من دائرة الاقتدار على أداء الفريضة، بسبب فقدان الاستطاعة المالية وزيادة كلفة توابع الحج أيضا، ومنها المصروف الشخصي والاستعدادات التي ترافق الحج كالفحوص الطبية والتنقلات والاحتفالات الأسرية التي تقام قبل الفريضة وبعدها.
ومنذ سنوات، أخذت أسعار فريضة الحج منحى تصاعدياً قبل أن تبلغ هذا العام مستوى قياسياً، ما يجعل الحج متاحاً فقط لبعض الفئات، بينما فقد آخرون القدرة على تحمّل التكلفة التي قد تفوق في مجملها 25 ألف دينار للفرد الواحد.
والحج لدى الطبقات المتوسطة في تونس مشروع أسرى تستعد له العائلات في إطار برامج ادخار مسبقة، يشارك فيها الآباء والأبناء وذلك كل حسب استطاعته، من أجل توفير المبلغ المناسب لمساعدة الأكبر سناً على الذهاب إلى الحج، غير أن الغلاء وتراجع الدخول وفقدان القدرة على الإدخار لفائدة الحج أو غيره من المشاريع الأخرى تجعل أداء الفريضة صعب المنال لشرائح اجتماعية واسعة.
ويقول الخبير المالي خالد النوري إن الأزمة الاقتصادية أثرت في جميع أشكال الادخار الأسري، وأقصت الطبقتين المتوسطة والضعيفة من دائرة الاستطاعة لأداء فريضة الحج.
وأضاف النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ما توصف بـ"الطبقة المتوسطة المتأرجحة" تعاني من أجل الصمود أمام زحف الغلاء والتضخم، لذا فإنها قد تتخلى عن أداء الحج في ظل الصعوبات الحاصلة.
وأشار إلى أن من أسباب ارتفاع كلفة الحج بالإضافة إلى تراجع سعر الدينار التونسي أيضا، طول مدة الإقامة للوفد التونسي في البقاع المقدسة وزيادة الضرائب التي فرضتها السعودية على الحج والإقامات خلال هذه الفترة.
وأغلب رحلات الحج تسيّر جواً ما عدا بعض الرحلات البرية التي تنظم من قبل أفراد في حال حصولهم على التأشيرة مباشرة من السفارة السعودية، وهي حالات نادرة تقريبا، وفق ناشطين في القطاع السياحي. ويبلغ معدل إقامة الحجاج التونسيين في البقاع المقدسة ما يتراوح بين 21 و28 يوماً، تكون مقسمة بين مكة والمدينة، ويؤدي خلالها الحجاج المزارات والمناسك.
ويبلغ معدل إنفاق التونسيين على السفر لغايات مختلفة 1.2 مليار دينار وفق بيانات البنك المركزي التونسي لعام 2022، غير أن هذا الإنفاق تراجع بنسبة 47% مقارنة بعام 2021، إذ قدّر حينها بحوالي 2.3 مليار دينار.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية. وفي فبراير/ شباط الماضي، قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي إن تقديرات البنك تؤشر إلى ارتفاع التضخم خلال العام الجاري إلى 11% مقابل 8.3% في 2022.
وفي فبراير/ شباط، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية تصنيف تونس إلى درجة Caa2، التي تعني تعرض الحكومة والبنك المركزي إلى مخاطر مالية عالية، وهي الدرجة نفسها التي منحتها الوكالة للبنان قبل شهر واحد من إعلانه التخلف عن سداد ديونه في مارس/ آذار 2020.