لا تتخلى عن ابتسامتها ولا تكف عن الحركة والنشاط. وقد لا تتردد في التعبير عن مشاعر الفرح أو الأسى، بطريقة تشي بنوع من التلقائية غير المعهودة في من تولوا أمر مؤسسات مالية دولية كبرى لا تتحدث لغة القلب.
هذا هو الانطباع الذي تتركه المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا. لا تتردد في الزيارات التي قامت بها للعديد من البلدان، خاصة بالعالم الثالث، في اللقاء بالناس العاديين، تعانقهم وتقبلهم، ولا تستنكف عن الافتخار بجذورها العائلية المتواضعة، حيث تؤكد أن نصيب أجدادها من التعليم كان ضعيفا، ولم يتجاوز والداها التعليم الثانوي.
فقد كانت الوحيدة التي حصلت في عائلتها الممتدة على درجة الدكتوراه. وتعود إلى خلفيتها العائلية، كي تؤكد أنها انطلقت من قرية في بلغاريا كي تصبح ثاني مسؤول في البنك الدولي، قبل أن تتولى أمر صندوق النقد الدولي قبل أربعة أعوام، هي التي درست بمعهد ماساشوستش للتكنولوجيا المرموق في الولايات المتحدة.
على غير عادة المدراء العامين للصندوق السابقين، الذين يعطون الانطباع بأنهم يمثلون مؤسسة خبراء لا يثقون سوى في الأرقام، تتضمن خطاباتها في العديد الملتقيات الكثير من المشاعر، قبل أن تدخل إلى صلب الموضوع.
لكن هل أضحى صندوق النقد الدولي، طاحن الفقراء حول العالم والمرتبط ببرامج تقشف قاسية، عاطفيا؟ وهل تنعكس ابتسامة مديرته العامة على السياسات التي يدافع عنها منذ مؤتمر "بريتن وودز" قبل تسعة وسبعين عاما الذي أسند للصندوق ضمان استقرار النظام النقدي والمالي؟
وافق صندوق النقد الدولي على تخصيص 4.7 مليارات دولار للأرجنتين لتمويل برنامج إعادة هيكلة الديون. تلك موافقة جاءت بعد خطة الرئيس الجديد خافيير ميلي، يراد منها "تطهير الموازنة" و"إعادة تشكيل رصيد العملة الصعبة"، في ظل معارضة واسعة لخطة التقشف التي يباركها الصندوق.
لم يكف خبراء عن التنبيه من الثمن الاجتماعي الناجم عن السياسات التي يتم تطبيقها بوحي من توصيات الصندوق، الذي يربط في الكثير من الأحيان، الحصول على تمويل بتخلي الدول عن الدعم أو تعويم العملة أو خفض كتلة الأجور في الوظائف الحكومية أو تقليص عدد الوظائف أو الانخراط في برنامج للخصخصة.
ندد الاقتصادي الأميركي، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وكبير الاقصاديين السابق في البنك الدولي، جوزيف ستيغليتز، في أبحاثه بحصيلة السياسات المفروضة من الصندوق، ويعتبر أنه في جميع البلدان التي طبقتها، كانت التنمية بطيئة وفوائد النمو، حتى في حالة بلوغها، يكون توزيعها غير متساو.
يذكر الكثيرون أن برامج التقويم الهيكلي للصندوق، خاصة في أميركا اللاتينية تمثل مشكلة أكثر من أن تكون حلا. ويشيرون إلى أن خبراء الصندوق يطرحون توصياتهم للحكومة دون أن يلقوا بالا للمآسي التي تخلفها في هوامش المجتمع الذي ينخره الفقر والمرض والبطالة، لأن الحكومة سمحت للخبراء بأن يتكلموا من خلالها.
عندما تولت غورغييفا أمر صندوق النقد الدولي في سبتمبر/ أيلول من عام 2019، وعدت في أول كلمة لها، التي تلت تصويتا كشف وجود انقسامات عديدة، بمساعدة الدول الأعضاء على تقليل مخاطر الأزمات والتأهب لمواجهة التباطؤ الاقتصادي.
تولت أمر الصندوق بعد تجربة كبيرة في شؤون المالية الدولية، اكتسبت في البنك الدولي خبرة كبيرة في مجال البيئة والتنمية المستدامة وشغلت منصب المفوضة الأوروبية للمساعدات الإنسانية، وكانت مرشحة في السباق لتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة الذي آل للبرتغالي أنطونيو غوتيريس.
توصف البلغارية البالغة من العمر تسعة وستين عاما، التي رأت النور في بلغاريا الشيوعية، بأنها تبدي شخصية قوية عندما تدافع عن الملفات التي تنكب عليها،
وقيل عنها إنها تمتلك قدرة كبيرة على الإقناع والوصول إلى التوافقات.
في السنة الخامسة التي تقفل ولايتها الحالية على رأس الصندوق، تكون غورغييفا قد واجهت الكثير من الأزمات الناجمة عن الجائحة والحرب الروسية على أوكرانيا، حيث زج بالعالم في حالة من عدم اليقين الناجم الذي يؤججه التضخم وضعف النمو الاقتصادي.
تلك وضعية راكمت العديد من الملفات على مكتب المديرة العام لصندوق النقد الدولي، في سياق متسم بالتشرذم الذي تغذيه الخلافات بين الدول في العالم، وارتفاع مديونية الدول الصاعدة والفقيرة، وضغط الحاجة لتمويل التكيف مع التغير المناخي الذي لم تف به الدول الغنية.
ويتصور مراقبون أنه يفترض في الصندوق الخروج من دوره الحريص على ضمان الاستقرار النقدي والمالي ولو على حساب التوازنات الجديدة، حيث يفترض الأخذ بعين الاعتبار قضايا النمو وفرص العمل والفقر وقضايا المناخ. ذلك يحتاج إلى أكثر من ابتسامة ورسائل تعاطف من المديرة العامة لصندوق النقد الدولي.