"كريدي سويس" ... اختفاء البنك الشقي

20 مارس 2023
انهيار كريدي سويس ثاني أكبر بنك سويسري/ فرانس برس
+ الخط -

أخيراً، اختفى البنك "الشقي" العملاق من خريطة القطاع المصرفي العالمي بعد أن كان ضمن قائمة صغيرة تضم 30 بنكاً حول العالم غير مسموح بسقوطها وإفلاسها وانهيارها لخطورة ذلك على القطاع المالي.

وبعد 167 عاماً من العمل المصرفي اختفى "كريدي سويس"، ثاني أكبر البنوك السويسرية، من المشهد تماماً، مساء يوم الأحد، وهو ما شكل صدمة للأسواق والبنوك والبورصات والبنوك المركزية والسلطات الرقابية والمستثمرين، بل للدول والنخب الحاكمة ولزعماء سياسيين كان البنك بمثابة الملاذ الآمن لتهريب أموالهم ونهب شعوبهم والتغطية على فسادهم وعملياتهم المشبوهة.

انهيار كريدي سويس شكل صدمة للدول والنخب الحاكمة ولزعماء سياسيين كان البنك بمثابة الملاذ الآمن لتهريب أموالهم ونهب شعوبهم

وبعد مفاوضات مضنية وماراثونية، أعلنت السلطات السويسرية أنّ بنك "يو بي إس"، أبرم صفقة لشراء منافسه "كريدي سويس" في محاولة لتجنب وقوع اضطرابات في القطاع المصرفي العالمي، وأن "الصفقة تمثل حلاً لتحقيق الاستقرار المالي وحماية الاقتصاد السويسري في وضع استثنائي". كما أعلنت الحكومة توفير ضمانات كبرى أملاً بتجنّب أزمة حادة واستعادة ثقة المستثمرين في العالم أجمع.

البنك المركزي السويسري سارع من جانبه بدعم الصفقة الأهم في تاريخ القطاع المصرفي الأوروبي، وقال إنه سيقدم سيولة كبيرة للبنكين المندمجين تصل إلى 100 مليار فرنك (108 مليارات دولار).

الاندماج بين المصرفين العملاقين، أحدث دوياً هائلاً في الأسواق الدولية، إذ بقرار الاستحواذ المثير يختفي "كريدي سويس" الذي يمتلك خبرات مصرفية واستثمارية طويلة، ومعه تاريخ طويل من الفضائح المالية، إذ ارتبط اسمه ولسنوات طويلة بعمليات فساد وغسل أموال ورشى وتهرب ضريبي واتجار في مخدرات وغيرها.

وخلال السنوات الأخيرة، خاصة منذ عام 2007، استيقظ العالم على اتهامات خطيرة موجهة للبنك السويسري المنهار من قبل حكومات وسلطات قضاء، وواجه البنك سلسلة من الفضائح كلفته مليارات الدولارات. وتعرض لغرامات وعقوبات تتعلق بتهم عدة، أبرزها غسل الأموال والاحتيال الضريبي.

وعلى سبيل المثال، فإنه في نهاية ديسمبر 2016 أعلن كريدي سويس، موافقته على دفع 2.48 مليار دولار إلى السلطات الأميركية لتسوية دعوى قضائية اتهمته بأنه ضلل المستثمرين في الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية التي قام ببيعها في الفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008.

في نهاية 2016 أعلن كريدي سويس، موافقته على دفع 2.48 مليار دولار إلى السلطات الأميركية لتسوية دعوى قضائية اتهمته بأنه ضلل المستثمرين

وفي فبراير/شباط 2022 واجه البنك اتهامات من قبل محكمة سويسرية بالسماح لعصابة تهريب كوكايين بلغارية بغسل ملايين اليوروات. وفي نفس الشهر اتهم تقرير صادر عن 47 وسيلة إعلامية المصرف بـ "استقبال أموال مرتبطة بالجريمة والفساد على مدى عقود" وبعدها فرضت السلطات الأميركية والبريطانية غرامات بقيمة 475 مليون دولار على البنك بسبب منحه قروضاً إلى مؤسسات عامة في موزمبيق كانت في صلب فضيحة فساد.

وفي أكتوبر 2022 وافق بنك كريدي سويس على دفع غرامات بقيمة 495 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية متعلقة بسندات الرهن العقاري التي انهارت في الأزمة المالية عام 2008. 

ووافق "كريدي سويس" على دفع 234 مليون دولار لتفادي ملاحقة قضائية فرنسية بتهم غسل الأموال والاحتيال الضريبي.

وجرى فرض غرامة بقيمة 2.5 مليار دولار على البنك على خلفية إدانته في ارتكاب عمليات احتيال لتمكين أميركيين من التهرب من الضرائب. وبعضنا يتذكر تسريب "كريدي سويس" الشهير الذي كشف عن 18 ألف حساب مصرفي لسياسيين لديه من بينهم رؤساء دول وحكومات.

وعلى الرغم من محاولة السلطات السويسرية تجميل صورة قطاعها المصرفي وغسل سمعتها المالية فإنّ الاتهامات الموجهة لأكبر بنكين لديها هزت الصورة الذهنية ولوثت السمعة التي لطالما تغنت بها، وهي أنها واحة آمنة للأموال والودائع التي تدفقت عليها من قبل المستثمرين والسياسيين حول العالم.

الوجه الآخر كان يقول إنّ تلك البنوك كانت واحة للأموال القذرة وقبلة لغاسلي الأموال وناهبي الأموال المنهوبة

لكنّ الوجه الآخر للصورة المخفية عن الأنظار كان يقول إنّ تلك البنوك كانت واحة للأموال القذرة وقبلة لغاسلي الأموال وناهبي الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج في جنح الظلام.

اختفاء "كريدي سويس" السريع والمفاجئ صدم أثرياء العالم الذين ارتبطوا ارتباطاً قوياً بالبنك الذي وفر لهم السرية المصرفية المطلقة والضمان وعدم الكشف عن هوياتهم، كما يشكل خسارة كبيرة لكبار مستثمريه، ومنهم ثلاث دول خليجية هي السعودية وقطر والإمارات تتجاوز استثماراتهم في البنك مليارات الدولارات.

المساهمون