كابوس رسوم المدارس في مصر... زيادات هائلة تسحق ميزانيات أولياء أمور 26 مليون طالب

01 سبتمبر 2024
تلميذات في مدرسة ابتدائية بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **ارتفاع تكاليف التعليم:** يعاني أولياء أمور 26 مليون طالب في مصر من ضغوط مالية كبيرة بسبب زيادة رسوم المدارس الخاصة والدولية بنسبة تصل إلى 40%، وارتفاع أسعار مستلزمات المدارس والتنقل، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر.

- **تحديات المدارس:** زادت المصروفات في المدارس الحكومية بنحو 10%، ومدارس النيل الدولية للغات بنسبة تصل إلى 50%. كما رفعت أغلب مدارس اللغات الخاصة والدولية رسومها بنسبة تتراوح بين 20% إلى 40%.

- **تأثير الغلاء والبدائل:** تواجه الأسر صعوبة في تدبير تكاليف التعليم، مما دفعهم للبحث عن بدائل مثل القروض المصرفية وأسواق مثل "الفجالة". كما شهدت الجامعات الأهلية والخاصة ارتفاعاً كبيراً في الرسوم بنسبة تصل إلى 50%.

يطارد كابوس الإنفاق المدرسي أولياء أمور 26 مليون طالب في مصر، يعانون بالأساس ضغوطاً حادة بسبب غلاء المعيشة، إذ رفعت المدارس الخاصة والدولية رسومها بنسب تصل إلى 40% كما طاول الغلاء أسعار مستلزمات المدارس والتنقل. وتتزايد الضغوط مع تعديل مفاجئ أجرته وزارة التربية والتعليم على المناهج الدراسية بحذف مواد وتبديل أخرى، بين الفصول الدراسية، أربكت الإدارات التعليمية ومصروفات التعليم.

وتسير المصروفات الدراسية باتجاه صعودي متواصل بالأساس منذ سنوات، متأثرة بتعويم الجنيه وارتفاع الدولار، الذي يؤثر على كل مناحي الحياة في البلاد. ولجأت المدارس الحكومية إلي زيادة قيمة المصروفات بنحو 10%، تزيد إلى 50% في مدارس النيل الدولية للغات، التي تخلت عنها الحكومة وأسندتها جميعاً إلى شركة خاصة، في أغسطس/آب الماضي، فأوقفت فرصة رأتها أسر الطبقة الوسطى باب نجاة لها من الغلاء الفاحش بأسعار القبول في المدارس الدولية، التي قفزت أسعارها من متوسط 300 ألف جنيه إلى أكثر من 500 ألف جنيه (10.3 آلاف دولار) سنوياً.

تجبر المدارس الحكومية أهالي الطلاب على التبرع العيني والمادي، لتوفير وسائل تعليمية لأبنائهم الملتحقين بالتعليم المجاني، الذي يكفله الدستور، جعلت عشرات الجمعيات الأهلية، تشارك في إصدار"صكوك" تتراوح قيمتها ما بين 200 إلى 600 جنيه، تقدم لأشد الأسر فقراً، بما يضمن استمرار أبنائهم في التعليم العام. في الأثناء تقدمت عدة بنوك بعروض لمنح قروض مصرفية لأولياء الأمور لمساعدتهم على دفع المصروفات الدراسية، وشراء مستلزمات المدارس، بمتوسط 100 ألف جنيه للفرد (نحو 2000 دولار)، تسدد على 36 شهراً، لكنها لم تجد صدى لدى الأسر، بسبب ارتفاع تكلفة الإقراض التي تزيد عن 30%، وكثرة الضمانات التي تطلبها الجهات المقرضة.

وزادت أغلب مدارس اللغات الخاصة والدولية التي تحصّل جزءاً من الرسوم بالدولار، والتي تخدم بالإجمال نحو مليوني طالب، رسومها بما يتراوح بين 20% إلى 40%، لحين ورود الأسعار المحددة من وزارة التربية والتعليم، خلال الشهرين المقبلين. وتستبق المدارس الأحداث أملاً في تغطية النفقات الهائلة التي أحيطت بها خلال الأشهر الماضية، جراء زيادة أسعار المحروقات بنسبة 35% على دفعتين و40% بقيمة الكهرباء وتضاعف سعر مياه الشرب، وتراجع الجنيه أمام الدولار من 31 جنيهاً إلى نحو 49 جنيهاً، خلال الفترة من مارس/آذار إلى أغسطس/آب 2024.

وجاءت هذه الزيادة رغم عدم حصولها على قرارات رسمية بزيادة الأسعار من وزارة التربية والتعليم. بينما تُرجع المدارس قرارها إلى تراجع قيمة الجنيه، وارتفاع تكلفة التشغيل والنقل والبرامج الدراسية ومستلزمات المواد التعليمية المستوردة، وإلزام المدراس برفع الأجور والتأمين الاجتماعي على المدرسين والعاملين وفقاً لقرارات سيادية، وضعف العائد على الاستثمار من المشروعات التعليمية، أدى إلى تراجع حصة القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات في قطاع التعليم من 10% إلى 9%، خلال السنوات الأربع الماضية وفقاً لبيانات رابطة المدارس الخاصة.

وجه أصحاب المدارس طلبات بالزيادة الجديدة في قيمة المصروفات الدراسية، للإدارات التعليمية التابعة لها، وتعطل إصدارها بسبب التغيير الوزاري الذي جرى في يوليو/تموز الماضي، وأدى إلى تباطؤ صدور قرارات إدارية، بتغيير أسعار الالتحاق بالمدارس.

وتحدد وزارة التعليم 7% حداً أقصى لزيادة المصروفات سنوياً، وفي حالة تأثر القيمة بزيادة سعر الدولار وارتفاع معدلات التضخم، يمكن لإدارات المدارس طلب استثناء بتجاوز تلك النسبة، من وزير التربية والتعليم. واتجهت أغلب المدارس إلى عدم البت في تشغيل أسطولها الخاص بنقل الطلاب، على الرغم من الزيادة الكبيرة التي حملتها للأسر، خشية الدخول في مشاحنات مع أسر الطلاب، حول الأسعار الجديدة، بينما لجأت مدارس أخرى إلى شركات رحلات لإدارة نقل الطلاب للمدارس، هرباً من تكلفة التشغيل وزيادة أسعار السيارات والمحروقات وقطع الغيار، بمعدلات كبيرة، لا يمكن التنبؤ بمسارها خلال العام الدراسي.

أحدث التحول المفاجئ ارتباكاً بين الأسر التي وقعت في حيرة، بسبب عدم قدرتها على تدبير بدائل للانتقال، وترشيد استخدام السيارات الخاصة، بسبب ارتفاع سعر الوقود وقطع الغيار، وتعارض الأمر مع مواعيد وظائفهم. لم تتوقع هويدا إسماعيل أن تتحول بداية العام الدراسي إلى كابوس مزعج يلاحقها بزيادة كبيرة في الرسوم المدرسية، وأن يدفعها للبحث على مدار الساعة عن وسيلة خاصة تنقل أولادها إلى مدرستهم.

تبحث السيدة الثلاثينية على مدار الساعة، بين مجموعات الأمهات، التي انضمت إليها على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأب عن سيارة أجرة، يمكنها أن تنقل ابنيها، أحدهما في مرحلة رياض الأطفال والآخر في الصف الثاني الابتدائي، لتفاجأ أن السعر تضاعف، ولم يعد لأطفالها مكان. تدرك السيدة صعوبة المهمة، مع تقديم المدرسة موعد دخول الطلاب منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، بينما الوقت الرسمي في الثاني عشر من الشهر. تستهدف المدرسة الواقعة في حي الدقي بالعاصمة القاهرة، تنظيم دخول الطلاب على دفعات زمنية، لتضمن انتظام الجميع مع بداية الموعد الرسمي للدراسة، بينما الأسر ما زالت منهكة بتحضير احتياجات أبنائها من ملابس وأدوات مدرسية ووسائل تنقل.

تروي هويدا لـ"العربي الجديد" كيف وقعت في الارتباك، حيث ربطت بين حصولها على مبلغ مالي كبير من الجمعية (وهي وسيلة إدخار تشاركية بين الأفراد) التي شاركت بها منذ يناير/كانون الثاني الماضي وبداية سبتمبر/أيلول، لسداد مصروفات الدراسة وشراء الاحتياجات. لم تدرك هويدا خبرة من سبقوها، عندما اختارت الشهر التاسع لقبض الجمعية التي يشارك بها نحو 12 شخصاً بمبلغ شهري 3000 جنيه، بينما أصحاب الخبرة حصلوا عليها خلال الشهرين السابع والثامن، ليتمكنوا من مواجهة احتياجاتهم قبل الدراسة بفترة زمنية مقبولة. تنتظر السيدة انفراج الأزمة المالية، بينما تبحث، بأي ثمن، عن سبل حل أزمة الانتقالات المربكة لأعمالها وحياتها اليومية.

تذكر هويدا أنها أجلت شراء احتياجات ابنيها لمستلزمات المدارس إلى الخامس من هذا الشهر، لحين افتتاح الحكومة معارض "أهلاً بالمدارس" التي وعدت بأن تكون زيادة أسعارها في حدود 10%، وتقديم تخفيضات تصل إلى 30% على الأدوات المكتبية والملابس، منوهة إلى بحثها عن بدائل رخيصة تمكنها من تحمل الزيادة الهائلة بتكلفة الدراسة، والانتقالات، في ظل حياة أصبحت صعبة على الجميع.

في جولة للأسواق، رصدت "العربي الجديد" تناقضاً هائلاً في الأسعار ونوعية المنتجات، تعكس حال مجتمع أصبح منقسماً بين طبقات شديدة الفقر، لا تجد ما يعولها أو يساعد أبناءها على مواصلة التعليم، إلا عبر برامج تقودها بعض الجمعيات الأهلية لدعم الطلاب غير القادرين، وطبقة متوسطة تخر قواها الشرائية، في ظل تصاعد موجات الغلاء، وقلة قادرة على دفع تكاليف تزيد عن 500 ألف جنيه للالتحاق بمدارس دولية وشراء ملابس ومستلزمات تبلغ قيمتها نحو 50 ألف جنيه للطالب.

في الأثناء يظل سوق مكتبات "الفجالة" وسط العاصمة ملاذ الطبقة الوسطى لتوفير الأدوات المكتبية، محلية ومستوردة، بأسعار مقبولة، حيث يبلغ سعر الكراسة بنحو 3.5 جنيهات والكشكول 60 ورقة بقيمة ستة جنيهات وطقم أدوات هندسية للصغار 55 جنيهاً، والممحاة ثلاثة جنيهات، وعلبة الألوان ما بين 25 إلى 35 جنيهاً والقلم الجاف ما بين 3-7 جنيهات، ومجموعة تجليد الكراسات سبعة جنيهات، وعلبة الغذاء من 25 إلى 55 جنيهاً، والمسطرة من خمسة إلى عشرة جنيهات ورزمة الورق من 130 إلى 155 جنيهاً. يعكس الزحام على شراء تلك النوعية من الأدوات حالة التقشف التي تدفع الأسر إلى شراء المنتجات الرخيصة، وغض النظر عن مدى جودتها.

في الجهة المقابلة توفر ما توصف بمكتبات الأثرياء المنتشرة في المراكز التجارية والتجمعات السكنية الشهيرة، على أطراف القاهرة، حقائب ظهر للطلاب، تبدأ من ستة آلاف (124 دولاراً) إلى 8500 جنيه (175 دولاراً)، وحافظة أقلام ما بين 250 إلى 1000 جنيه، وعلب لوجبة الغذاء تصل إلى 450 جنيهاً، وزجاجات مياه من 650 إلى 2400 جنيه. تعرض تلك المنتجات للبيع عبر تطبيقات الهواتف الذكية، وسلاسل مكتبات كبرى، تمتلك فروعاً بالمحافظات.

في الأثناء، تراجعت مشتريات المواطنين للكتب الدراسية الخارجية، التي ارتفعت بمعدلات كبيرة، بينما لم تستقر وزارة التعليم على المناهج الدراسية المقررة للطلاب في المراحل التعليمية المختلفة، خلال الأيام المقبلة. أحدثت خطة وزير التعليم الجديد محمد عبد اللطيف بإعادة هيكلة المواد الدراسية، خلال العام الدراسي 2024-2025، ارتباكاً في سوق الكتب الدراسية الخاصة.

وعلى غرار المدارس، شهدت الجامعات الأهلية والخاصة وبرامج الساعات المعتمدة في الجامعات الحكومية، ارتفاعاً هائلاً، يزيد بنسبة 50% عن العام الماضي، يبرره مسؤولو الجامعات بزيادة تكلفة التشغيل، وعوائد الشركاء الأجانب الذين يحصلون على أرباحهم ورواتب أعضاء التدريس التابعين لهم بالدولار، بعد التعويم الأخير للجنيه الذي أفقده نحو 60% من قيمته في مارس/آذارالماضي، وزيادة الفائدة البنكية على القروض وأقساط الديون المستحقة للجهات الحكومية.

المساهمون