تحول مشروع "دعم الشباب" الذي تتبناه الحكومة الجزائرية، القاضي بتمويل المشاريع الشبابية بقروض بنكية "ميسرة"، من حلم إلى كابوس بالنسبة إلى مئات الآلاف من شباب أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من المتابعة القضائية والسجن بعد تعثرهم في سداد الديون المترتبة عليهم.
وحسب مراقبين، فإن الحسابات السياسية لإطلاق المشروع طغت على الجانب الاقتصادي للمشروع، إذ افتقد لدراسة جدوى متعمقة، وبالتالي انتهى الأمر إلى تعثر مئات الآلاف من الشباب الذين باتوا مهددين بالسجن.
بداية عرجاء
سنة 1999 وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية بعد انسحاب منافسيه، أطلق الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة مشروع "دعم الشباب"، الذي يسمح للشباب، مهما كان مستواهم العلمي بأن يستفيدوا من قروض بنكية تراوح بين مليون دينار (9200 دولار) و5 ملايين دينار (40 ألف دولار) لإنشاء شركات صغيرة، على ألا يدفع الشاب المستفيد من "دعم تشغيل الشباب" الضرائب والأقساط الموجهة للبنك في السنوات الخمس الأولى بعد إطلاق مشروعه الاستثماري.
وفي سنة 2001 أمر بوتفليقة بإنشاء الوكالة الجزائرية لدعم تشغيل الشباب، مهمتها دراسة ملفات الشباب وتحويلها للبنوك العمومية لتمويل المشاريع المصغرة، على ألّا تتعدى نسبة الفائدة 1 بالمائة.
ومن هنا كانت انطلاقة "الحلم"، منذ أكثر من عقدين، لقرابة 3 ملايين شاب جزائري تقدموا بطلبات لإنشاء شراكات مصغرة، استطاع عدد ضئيل منها أن يصمد إلى غاية اليوم.
وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، فإن "الانطلاقة التي أعطيت لهذا المشروع كانت عرجاء ومتعثرة، وطغت عليه الحسابات السياسية على الحسابات التقنية والاقتصادية، حيث دخل الرئيس بوتفليقة في سباق مع الزمن لترجمة أحد أكبر وعوده الانتخابية سنة 1999، وذلك بالاعتماد على "البحبوحة" المالية التي كانت الجزائر تنام عليها جراء ارتفاع أسعار النفط آنذاك".
وأضاف الخبير الاقتصادي في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحكومة، تحت ضغط الرئيس بوتفليقة أطلقت المشروع دون وضع دراسة عميقة للاقتصاد الجزائري وما يحتاج إليه من شركات مصغرة، سواء في مجال الخدمات أو الإنتاج، فكان منح عشوائي للموافقة على طلبات الشباب حتى رأينا مثلاً "تخمة" في قطاع الخدمات في ما يخص شركات النقل وشركات النظافة التي كان الطلب عليها مرتفعاً".
ويؤكد نور الدين أن "قيمة المشاريع الممولة فاقت ملياري دولار، ولم تحقق أي نتائج إيجابية اقتصادياً، رغم تأكيد الحكومة أخيراً أن قرابة نصف مليون شركة مصغرة تنشط في البلاد استفاد أصحابها من قروض "دعم الشباب" لإطلاقها في محاولة لتسويق نجاح المشروع الذي تؤكد كل المؤشرات فشله".
غياب التدريب والخبرات
تحت ضغط الحسابات السياسية، تحول مئات الآلاف من الشباب الجزائري بين عشية وضحاها من شباب "بّطال" لا يجد فرصة للعمل إلى شباب مسؤول عن شركات ولقمة عيش العشرات من العمال.
يقول الشاب نسيم حابل، وهو مستفيد من "قروض دعم الشباب"، إنه في ظرف 20 يوماً تحول من شاب بطال لا يحمل أي شهادة دراسية عليا، إلى شاب مدير لشركة متخصصة في "النظافة".
وحسب حابل في اتصال مع "العربي الجديد"، فإن "الكثير من الشباب المستفيد من القروض لم يستطع ضمان حياة طويلة للمشاريع الممولة من طرف البنوك".
وأضاف الشاب الجزائري أن "الشباب الذين استفادوا من أموال الشعب لدعم مشاريعهم، وجدوا أنفسهم وحدهم دون أي استراتيجية أو مرافقة لتكوين (تدريب) المستفيدين على آخر طرق التسيير، وأبرز مثال شركتي التي أعلنت إفلاسها قبل 4 سنوات، والتي لم يزرها أي مراقب من "وكالة دعم تشغيل الشباب" أو من طرف وزارة العمل، كذلك لم أُستدعَ إلى دورات تكوينية في كيفية تسيير الشركة، ولو لمرة واحدة".
وأمام جهل أغلبية المستفيدين من أموال "دعم الشباب" لطرق وفنون تسيير الشركات المصغرة، أعلنت الآلاف من الشركات إفلاسها وعجزها عن دفع ديونها المترتبة على البنوك، وهناك من استفاد من العفو الأول الذي أقره بوتفليقة سنة 2006، وأعاد وضع ملف جديد ومُوِّل مشروعه مرة أخرى، وأعلن مجدداً إفلاس شركته.
ولتحصيل الديون قررت الحكومة الجزائرية تحويل ملفات الشباب العاجز عن تسديد ديونه البنكية إلى القضاء للفصل فيها، وإلزام الشباب برد الأموال أو وضع مصفٍّ معتمد لبيع الشركة وتعويض قيمة الأموال التي استفاد منها الشباب.
مطالب بالعفو لـ700 ألف مؤسسة
وأمام ارتفاع نسب الديون المتعثرة، طالب الشباب المستفيدون من أموال "الخزينة العمومية " الموجهة لدعم مشاريعهم، الحكومة بإطلاق عفو ضريبي وبنكي يمسّ الشركات المتعثرة والمفلسة، وهو الطلب الذي ظل محل رفض من طرف الحكومات الجزائرية المتعاقبة في السنوات الأخيرة.
وإلى ذلك، كشف رئيس الجمعية الجزائرية لدعم المؤسسات المصغرة المستحدثة في إطار "دعم الشباب" ياسين ملال، عن جمع 700 ألف ختم وتوقيع مؤسسة فشلت في فرض وجودها وعجزت عن تسديد الديون، للمطالبة بالعفو الشامل مع إعادة بعث نشاطها ومرافقتها ميدانياً.
وأضاف رئيس الجمعية في حديث مع "العربي الجديد" أن "إعادة الجدولة يُعَدّ حلاً ظرفياً، على اعتبار أن أصحاب المشاريع الذين فشلوا في فرض مؤسساتهم، لا يمكنهم إعادة بعث نشاطهم في ظل الاحتكار الذي يطبع مجال المقاولات، وبالتالي حتى مع اتخاذ تدابير جديدة لإعادة الجدولة، فإن اللجوء إلى خيار العفو الشامل بمفهومه الإيجابي، مع تحسين المناخ الاقتصادي، إجراءات من شأنها إعادة بعث آلاف المؤسسات الفاشلة".
وأوضح أن "هذا الملف معقد، بسبب غياب دراسات تقنية ميدانية للوضع الاقتصادي في البلاد ومناخ الأعمال والاستثمار، ما أدى إلى توريط شباب باستحداث مؤسسات ولدت ميتة، خاصة في تلك القطاعات التي تعرف تشبعاً".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن نواري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المطالبة بعفو شامل عن المستفيدين من قروض دعم الشباب يعتبر امراً منطقياً، لأنهم لا يتحملون مسؤولية إفلاس شركاتهم المصغرة، بل تتحمل السلطات الجزائرية كامل المسؤولية بعد منحهم "قنابل موقوتة" لكثير من الشباب".