يتجهّز فلاحو الشمال الشرقي من سورية أو ما بات يُعرف بـ"شرقي نهر الفرات" للبدء في حصاد محصول القمح الذي تشتهر به هذه المنطقة التي تسيطر عليها "الإدارة الذاتية" ذات الطابع الكردي، بينما يحاول النظام السوري الحصول على كميات كبيرة من إنتاج هذا العام.
ونتيجة الظروف الجوية وانعدام المطر لهذا العام، انخفض سقف الآمال بإنتاج وفير في هذه المنطقة التي كانت قبل 10 سنوات تنتج القسم الأكبر من احتياجات سورية لمادة القمح، حيث أوضح سليمان بارودو وهو الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد التابعة لـ "الإدارة الذاتية" في حديث مع "العربي الجديد" أن الإنتاج المتوقع لهذا الموسم من محصول القمح "ربما يصل إلى 500 ألف طن".
وأشارت مصادر محلية في محافظة الرقة لـ"العربي الجديد" إلى أن الكمية "ربما أكبر من هذا الرقم"، موضحة أن بعض الفلاحين "يحتفظون بكميات كبيرة من القمح في بيوتهم بسبب تدني الأسعار من جهة، وبسبب لجوء الكثير من الفلاحين لإعداد الخبز في منازلهم لرداءة الخبز في الأفران التابعة للإدارة الذاتية"، وفق المصادر.
ومنذ عدة سنوات، يدخل النظام والإدارة الذاتية في منافسة للحصول على أكبر كمية من القمح من فلاحي الشمال الشرقي من سورية، من خلال الأسعار التي تُشترى بها مادة القمح.
وفي موسم هذا العام، وضعت حكومة النظام سعر 900 ليرة سورية (3 دولارات) للكيلو الواحد من القمح، وفق صحيفة "الوطن" التابعة للنظام والتي أشارت إلى أن السعر كان في الموسم الفائت 550 ليرة سورية (أقل من دولارين).
وأكدت مصادر مقربة من الإدارة الذاتية لـ"العربي الجديد" أن الأخيرة بصدد وضع تسعيرة أعلى من تسعيرة النظام للكيلو الواحد، موضحة أنه "ربما يصل سعر الكيلو إلى 1100 ليرة سورية" لترغيب الفلاحين بتوريد قمحهم إلى مراكز هذه الإدارة.
لكن مصادر محلية أشارت إلى أن "عدم استقرار سعر الليرة أمام الدولار والخشية من تراجعها عقب انتخابات الرئاسة التي سيجريها النظام أواخر الشهر الجاري، ربما يؤديان إلى فقدان قيمة القمح لجزء كبير من قيمته في السوق"، وفق المصادر.
وإضافة إلى منطقة شرقي نهر الفرات، تسيطر الإدارة الذاتية على منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي غربي النهر، والتي بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح المروي فيها نحو 2400 هكتار، ونحو 1300 هكتار مزروعة بالشعير المروي، بحسب مؤسسة الزراعة في المنطقة.
وكانت سورية قبل عام 2011 تنتج أكثر من 4 ملايين طن من القمح، وهو ما يكفي الاستهلاك المحلي ويفيض نحو مليون للتصدير.
وتلجأ حكومة النظام السوري حاليا لاستيراد كميات كبيرة من القمح لسد حاجة السوريين الخاضعين لسيطرته لمادة الخبز، بينما تعد منطقة شرقي نهر الفرات مكتفية ذاتيا.
من جهته، أعرب الخبير الزراعي إبراهيم مسلم في حديث مع "العربي الجديد" عن أن إنتاج الشمال الشرقي من سورية "ربما سيكون أكثر من 500 ألف طن"، وهو الرقم المتوقع من الإدارة الذاتية، مشيرا إلى أن كثيرا من الفلاحين يخزنون كميات من القمح لاستخدامها كبذور للموسم القادم.
وبيّن مسلم، وهو من أبناء الشمال الشرقي من سورية، أن إنتاج القمح في محافظة الحسكة في منطقة شرقي نهر الفرات "أعلى تكلفة من الإنتاج في محافظتي الرقة ودير الزور، بسبب اعتماد الفلاحين في الحسكة على الآبار، في حين يسقي الفلاحون في الرقة ودير الزور القمح من مياه نهر الفرات".
وأوضح أن أكثر من 70% من إنتاج الشمال الشرقي من القمح هو من النوع الطري أو يُعرف محليا بـ"المكسيكي"، مضيفا: "القمح الطري يُستخدم في صناعة الخبز والمعكرونة".
وأدى انحباس المطر في موسم 2021 إلى تراجع إنتاج القمح في الشمال الشرقي من سورية، حيث كانت سجلت الإدارة الذاتية في الموسم الفائت إنتاجا وصل إلى 850 ألف طن. وكان الإنتاج من المساحة البعلية والمقدرة بأكثر من مليون هيكتار، وأغلبها في البادية السورية، معدوما بسبب الانخفاض الحاد لمستوى الأمطار عن المعدل السنوي في شمال شرقي سورية. وتسيطر قوات سورية الديمقراطية والمعروفة بـ "قسد" على جانب من البادية السورية والمعروفة محليا بـ "الشامية" في محافظتي الرقة ودير الزور. وكان النظام السوري يمنع منذ تسعينيات القرن المنصرم الزراعة البعلية في البادية، للحد من التصحر ولاستعادة الغطاء النباتي الطبيعي، ولكن الحال تغيّر منذ عام 2013 عقب خروج المنطقة عن سيطرة النظام.