استمع إلى الملخص
- إهمال الأدوات الاقتصادية: لم تتطرق القمة لاستخدام الأدوات الاقتصادية كوسيلة ضغط على إسرائيل، مثل وقف التطبيع الاقتصادي أو استخدام النفط، رغم فعاليتهما التاريخية.
- التوصيات غير المحققة: افتقرت القمة إلى قرارات ملزمة أو خطوات عملية، مما أدى إلى خيبة أمل الشعوب في تحقيق نتائج ملموسة، حيث اقتصرت النتائج على توصيات نظرية دون آليات تنفيذ واضحة.
لم تخرج قرارات قمة الرياض العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية يوم الاثنين الواقع فيه 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن المعتاد في تناول الشأن السياسي الخاص بالاعتداءات والجرائم الإسرائيلية في المنطقة، خاصة في غزة وفلسطين. قرارات جاءت ما بين الاستنكار والمناشدة والمطالبة، أو رجاء بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بإنهاء الحرب في غزة ولبنان.
في قمة الرياض الأخيرة، غاب الاقتصاد عن لغة خطاب الملوك والرؤساء والأمراء، ومستوى التوصيات في مواجهة جرائم إسرائيل، رغم أهمية هذا الجانب، في جني ثمار سريعة في الضغط على المجتمع الدولي، أو الكيان الصهيوني، وما أحداث الصراع الروسي في أوكرانيا عنا ببعيد، حيث لجأت روسيا، من ناحية والغرب وأميركا من ناحية أخرى، إلى استخدام الأدوات والأسلحة والعقوبات الاقتصادية في إدارة الصراع منذ فبراير/شباط 2022.
وإن كان للعرب ممارسة تاريخية قد مضى عليها أكثر من خمسة عقود، حينما تم استخدام سلاح النفط في معركة العرب مع الكيان الصهيوني عام 1973، وأتى بنتائج إيجابية، لم يستثمرها العرب فيما بعد، وإن كانت الدول الغربية انتبهت بقوة إلى هذا السلاح، وعملت على تفريغه من مضمونه، وجَعل العديد من الرؤساء والمسؤولين العرب كثيراً ما يصرحون، بأن النفط سلع اقتصادية تجارية، ويجب ألا تستخدم سياسياً، في الوقت الذي ينشط الجميع ما لديه من موارد اقتصادية في الجانب السياسي بامتياز!
ولم تكن الممارسة العربية تجاه النفط بجعله سلعة تجارية واقتصادية، وتجريده من التوظيف السياسي، سوى هروب إلى الأمام، تجاه الالتزامات والمسؤوليات العربية والإسلامية التي تقع على عاتق الحكام والمسؤولين، تجاه قضايا الأمة، التي تولد عنها المزيد من الضعف والهوان.
وبالنظر إلى كلمات الرؤساء والأمراء والمسؤولين العرب في قمة الرياض في نوفمبر 2024، نجد أنها قد اتسمت بغياب تام للحديث عن الأدوات والأسلحة الاقتصادية، كما لم ترق مطالب الرؤساء في كلماتهم إلى مستوى القرارات الملزمة، سواء لهم ولحكوماتهم، أو للمجتمع الإقليمي والدولي.
فعلى سبيل المثال، مطالبةُ ملك الأردن عبد الله الثاني بضرورة تسيير جسر للمساعدات الإنسانية لغزة، إنما هو صورة من صور العجز، فعلى مدار أكثر من عام، كانت المساعدات العربية والإسلامية في حدها الأدنى، وفي ضوء ما تسمح به إسرائيل، في حين أنه يمكن أن يتم التعامل مع هذا المطلب الوحيد الذي يأتي في ضوء الجانب الاقتصادي، بجعله قراراً تسعى كل الدول المشاركة لتفعيله، عبر أدوات الضغط المختلفة.
كانت القمة العربية الإسلامية في نهاية عام 2023، قد اتخذت مثل هذه التوصية بالسعي لتقديم المساعدات لأهالي غزة، ولكن للأسف لم يكن أداء الدول على المستوى المطلوب، والمتفاعل مع مأساة الشعب في غزة، نظراً إلى غياب الآلية الملزمة للدول المشاركة في تلك القمة، كما أن الإرادة السياسية، كانت ضعيفة بشأن تفعيل هذه التوصية، إن لم تكن موجودة أصلًا.
أما على صعيد الأدوات الاقتصادية التي لم تتطرق قمة الرياض إليها، وهي ضرورية وفاعلة، لمواجهة الكيان الصهيوني، ويمكنها أن تؤثر على مستوى الدول المساندة والداعمة لإسرائيل، أو ما يسمى بالدول الكبرى، فيمكن الإشارة إليها فيما يلي:
أولاً: لم يتم الحديث عن خطوات جادة من قبل الدول التي ارتكبت جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، بوقف كل صور التطبيع، خاصة تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي، في ضوء جعل الكيان يعيد حساباته، ولا سيما في ظل الحرب الدائرة الآن، والتي أثرت بالفعل في اقتصاده، حيث تشير الأرقام الحديثة عن الحكومة الإسرائيلية أن الحرب في غزة ولبنان، كلفتها قرابة 25 مليار دولار، فضلاً عن الخسائر الأخرى غير المباشرة، المترتبة على تراجع السياحة والاستثمار والتجارة، وانخفاض معدلات الناتج المحلي الإجمالي التي يتوقع لها أن تكون بحدود 0.5% في نهاية 2024.
ثانياً: كان يتوقع أن تتخذ قمة الرياض الأخيرة من بين قراراتها، ما يؤدي إلى اتخاذ خطوة تاريخية، تعيد للحكومات هيبتها، ومكانتها، وهي تلك الخاصة بعودة المقاطعة للكيان الصهيوني، لتنضم الحكومات في هذا المضمار إلى الشعوب التي أثبتت نجاح ممارساتها الخاصة بالمقاطعة، والتي أثرت بالفعل في العديد من اقتصاديات الشركات المساندة للكيان الصهيوني، فضلاً عن إغلاق بعض الفروع لتلك الشركات في بعض الدول العربية والإسلامية.
وبوسع الحكومات العربية والإسلامية، حال تفعيلها لمقاطعة الكيان الصهيوني، أن تستعيد تعاطف العديد من الدول ومساندتها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، خاصة أن من بين هذه الدول من اتخذ قرارات تتعلق بسحب السفراء من إسرائيل بسبب ممارسات الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة ولبنان.
ثالثاً: تعاني أسواق النفط انخفاض الأسعار طوال عام 2024، وبلا شك أثر ذلك على ميزانيات العديد من الدول النفطية العربية والإسلامية سلبياً، ومن شأن اتخاذ قرار بوقف إنتاج النفط ولو لفترة محدودة، أن يحدث ضجة في الأسواق العالمية، ويجبر متخذ القرار بالضغط على الكيان الصهيوني، بحيث تتزايد فترات وقف الإنتاج كلما أصر الكيان الصهيوني على جرائمه، وبذلك يكون قد عاد للنفط دوره الاستراتيجي فعلياً.
الجدير بالذكر أن الدول الإسلامية تنتج وتصدر نحو 30% من احتياجات العالم من النفط، وهي كميات مؤثرة في السوق الدولية، وقد جُرب من قبلُ أكثر من مرة، قرار تخفيض كميات الإنتاج، واستخدامه لأسباب سياسية أو اقتصادية لاستعادة توازن الأسعار في السوق الدولية.
رابعاً: تمتلك الأمّتان العربية والإسلامية العديد من المؤسسات المعنية بالعمل الاقتصادي المشترك، ولكنها للأسف غير مفعلة، وبمثابة حبر على ورق، وآن الأوان، لأن يكون للأمّتين العربية والإسلامية كيان اقتصادي، يعمل على الوفاء باحتياجاتها الضرورية والاستراتيجية، وكذلك يكون له مكانته في التأثير على القرارات السياسية والاستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
خامساً: كان ينتظر أن تمهل قمة الرياض العربية والإسلامية الكيان الصهيوني وداعميه، فترة زمنية محدودة، للتراجع عن جرائمه والقبول بقرارات مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وإلا فسيتم تفعيل ما لديها من أدوات اقتصادية، فضلاً عن الأدوات الأخرى، لكي تلزمه، وتمحو تقصيرها خلال الفترات الماضية، خاصة أمام جرائم الكيان الصهيوني وعربدته في غزة ولبنان.
وكان ينتظر من القمة العربية والإسلامية في الرياض أن تأخذ مثل هذا القرار، بشأن تفعيل قوي وحقيقي لما هو قائم من مؤسسات اقتصادية، أو إنشاء كيان جديد، يكون من مهامه الرئيسة في الأجل القصير، الضغط على الكيان الصهيوني وداعميه، لإنهاء الحرب في غزة ولبنان، بل الأخذ في الحسبان مستقبلاً عدم الإقدام على أية خطوات من شأنها شن الحروب على الدول العربية والإسلامية.
لقد سئمت شعوب المنطقة من أداء هذه القمم، ولم تعد تمثل محط آمالها في تحقيق شيء يمكن البناء عليه، ومن ثم يأتي أداء الحكومات في ضوء ما يمكن أن نسميه تسجيل المواقف، ولكن للأسف أن ما تسفر عنه تلك القمم، يدين تلك الحكومات، لأن ما يصدر عن تلك القمم، أقل بكثير مما يمكن أن تفعله وتقدمه هذه الحكومات لأمتها.
كنا نود أن تتم الدعوة إلى القمة العربية والإسلامية على أجندة أفعال محددة، على الصعيد الاقتصادي يكون قد تم الاتفاق عليها، وبالإمكان تفعيلها، خاصة أن القمة سبقها اجتماعٌ على المستوى الوزاري، ولكن أن تَخلُص القمة إلى مجموعة من التوصيات النظرية، والتي امتلأت بها وسائل الإعلام على مدار العام الماضي، فذلك جُرم آخر.