يسعى البنك الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، فيما تبقى سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النقدية في مسار تخفيض أسعار الفائدة بهدف تنشيط الاقتصاد المحلي وتقليص تكلفة الاقتراض. وقام البنك المركزي التركي اليوم الخميس، بتثبيت أسعار الفائدة عند 14 في المائة على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع.
وقال الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغن، جيمي ديمون، إن ارتفاع التضخم قد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة، إلى ما يصل لست أو سبع مرات.
وارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة منذ حوالي أربعين عامًا خلال ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث صعد المؤشر إلى 7 في المائة خلال الشهر الماضي على أساس سنوي، وهي أسرع وتيرة منذ يونيو/حزيران عام 1982.
وترتفع قيمة الدولار برفع سعر الفائدة، وذلك لانخفاض المعروض منه وترتفع كذلك العملات المرتبطة بالدولار لأن البنوك المركزية التي تصدرها تحذو حذو الفيدرالي الأميركي بانتهاجها سياسة رفع الفائدة أيضا في سبيل إرضاء أصحاب الأموال لإبقائها داخل السوق المحلي وعدم الذهاب إلى أميركا.
إلا أن التعارض بين سياستي أردوغان والبنك الفيدرالي ينبئ عن وضع غير متزن في الداخل التركي الذي يعاني من عدم استقرار الليرة التركية رغم ما شهدته البلاد من نمو اقتصادي خلال العام 2021 بنحو 10.5 في المائة وفق وكالة فيتش للتصنيف الائتماني.
ومن المتوقع أنه في حال ارتفعت الفائدة عالميا أن تزداد معدلات التضخم، وهو الأمر الذي سينعكس على تركيا نتيجة الهبوط المتوقع لعملتها لسببين مزدوجين وهما هروب الأموال إلى أميركا وسياسة خفض الفائدة التي تدفع بالأصل إلى خروج الأموال من المصارف المحلية.
وقال الخبير الاقتصادي، أحمد مصبح، لـ"العربي الجديد"، إن تبني الفيدرالي الأميركي لسياسة نقدية تشددية، سينعكس بشكل كبير على معظم الاقتصاديات الناشئة حول العالم بما فيها تركيا.
وأشار إلى أن هذا القرار يعني سحب الأموال من الأسواق الناشئة وزيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع قيمة الدولار مقابل عملات تلك الاقتصادات.
ويأتي التأثير على تركيا في هذا السياق، ولكن بصورة أكثر تأثيرا في الليرة التركية التي تعاني حالة من عدم الاستقرار خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي ترك أثرا على معظم المؤشرات الاقتصادية.
وبالتالي مع رفع الفيدرالي للفائدة، واستمرار إصرار الرئيس التركي وفريقه الاقتصادي على خفض الفائدة سوف يزيد من انخفاض سعر صرف الليرة ويفاقم أزمتها، وفق تعبير مصبح.
يذكر أن الفائدة بالمصارف التركية اتخذت منحى هبوطيا بشكل تدريجي من 19 في المائة إلى 14 في المائة، خلال الفترة بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول.
لذا رأى مصبح، أن وقف خفض الفائدة بتركيا أصبح أمرا جدليا، وأن إصرار أردوغان على سياسته النقدية على الرغم من خسارة الليرة لجزء كبير من قيمتها خلال الفترة الماضية، يكشف أن موقف الرئيس التركي لن يتغير في المستقبل.
وتابع: "لذلك، المرحلة القادمة ستكون مفصلية في استقرار أو عدم استقرار المؤشرات الاقتصادية" و"أن الحلول المتاحة أصبحت قليلة ومكلفة خاصة في ظل استبعاد رفع الفائدة بتركيا".
وشهدت الليرة التركية حالة من التقهقر خلال عام 2021 من سعر صرف بلغ 8.90 ليرات أمام الدولار الواحد في مطلع يناير/كانون الثاني 2021، وصولا إلى 18 ليرة في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل أن تعاود الاستقرار عند 13.5 ليرة بعد إعلان أردوغان لإجراءات حماية الودائع من تقلبات سعر الصرف.
بدوره، قال أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير في إسطنبول، فراس شعبو، إن رفع أسعار الفائدة في أميركا سينعكس على تركيا والعالم نتيجة انتقال الأموال إلى الولايات المتحدة، ما قد يسبب خلخلة في الاقتصاد العالمي.
لذا اعتبر شعبو، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن على أردوغان التروي بعض الشيء في سياسة خفض الفائدة حتى يعود المناخ الإيجابي للسوق التركية ووقف حالة الهلع التي أصابته خلال الأشهر الماضية.
وشهدت الأسواق التركية خلال العام الماضي حالة من الاضطراب نتيجة ارتفاع التضخم بشكل ملحوظ حيث بلغ 36.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020، بعد التقلبات في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الصعبة.
وعمل أردوغان على مواجهة التضخم الحاصل بعدد من الإجراءات، يعد أبرزها رفع الحد الأدنى من الأجور بنحو 50 في المائة ليصبح 4250 ليرة.
كما أشار شعبو، إلى ضرورة عدم خفض سعر الفائدة من قبل البنك المركزي خلال اجتماعه القادم في 22 يناير/كانون الثاني، لحين إعادة الثقة وتعزيز الإيجابية لدى السوق المحلي، حتى يكون قادرا على امتصاص ردات الفعل التي يمكن أن تحدث في حال خفض أسعار الفائدة مستقبلا.
وكشفت بيانات من معهد الإحصاء التركي، أن مؤشر الثقة في اقتصاد البلاد انخفض 1.8 في المائة على أساس شهري في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 97.6 نقطة.
ولفت أستاذ المالية إلى أن خفض الفائدة بتركيا في ظل انتهاج سياسة عالمية معاكسة، يتطلب تكثيف النشاط الإنتاجي التركي واستثمار المدخرات بشكل إيجابي، وتشجيع أفراد الشعب التركي على تحويل ممتلكاتهم من دولار وعملات صعبة وذهب إلى استثمارات محلية، بهدف تحييد الوضع الاقتصادي والليرة عن الانعكاسات السلبية قدر الإمكان.