في واقعة غير معتادة في سوق المال الأميركية، تسببت مبيعات الأسهم التي قامت بها إحدى شركات إدارة الأصول الصغيرة، مما يطلق عليه "مكتب عائلي"، في الأيام الأخيرة في خسائر كبيرة لبعض الأسهم، بدرجة تسببت في قلق المستثمرين من تراجع بعض البنوك. وشهدت تعاملات الأسهم، يوم الجمعة، قيام عميل كبير، لم يعرف أحد من هو وقتها، ببيع كميات كبيرة من أسهم بعض شركات الإعلام، على رأسها شركتا "فياكوم سي بي اس" و"ديسكوفري"، في صفقات تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار، الأمر الذي سبب هلعاً في الأسواق، وتسبب في خسارة سهمي الشركتين أكثر من ربع قيمتهما في يوم واحد.
ولم تكن تلك العمليات هي الأولى من نوعها في الفترة الأخيرة، حيث سبقها خلال الأسبوع نفسه بيع كميات بقيم مماثلة من أسهم بعض الشركات الصينية المتداولة في البورصة الأميركية، وعلى رأسها شركات بايدو، المتخصصة في توفير حلول تسويقية عبر الإنترنت، وتنسنت، صاحبة منصة الأغاني الشهيرة، وفيبشوب، المتخصصة في مبيعات الإنترنت، وهو ما تسبب في تراجع أسعار أسهمها بنسب تقترب من 40%.
ورغم أن أسواق الأسهم الأميركية، والجهات الرقابية، لا تنزعج عادة من حدوث انخفاضات كبيرة في أسعار أسهم بعينها، إلا أن تحركات الأسهم خلال الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الحالي، أشارت إلى أن عمليات البيع الضخمة، التي تجاوزت 20 مليار دولار، ربما تمثل أكبر عملية تصفية للمراكز الناتجة عن تداول المشتقات، التي تنطوي على الاستخدام المكثف لمفهوم الاستدانة بغرض الاستثمار وتسمح بدورها للمتعاملين بالمضاربة برأس مال يتم اقتراضه من مؤسسات مالية، فتكون النتيجة إما مكاسب ضخمة، أو خسائر مهولة، ربما تشمل كل رأس مال الجهة المقترضة، وقد تطاول جزءاً من أموال الجهة المقرضة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أشارت وسائل الإعلام الأميركية إلى أن المبيعات المكثفة خرجت من محفظة شركة "أرتشيجوس كابيتال مانجمنت"، وأنها جاءت نتيجة لوصول خسائر المحفظة لمستوى معين، أُجبرت عنده لبيع ما بحوزتها من تلك الأسهم.
وأمضى مسؤولو البنوك في "وول ستريت" جزءاً كبيراً من يوم الاثنين في الإدلاء بشهاداتهم، بعدما استدعتهم هيئة سوق المال لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء عمليات البيع المتسارعة، التي تجاوزت 20 مليار دولار من شركة "أرتشيجوس"، في جلسة حضرها أيضاً ممثلون عن الجهات المنظمة للقطاع المالي بصفة عامة، لمعرفة ما إذا كان أي من البنوك أو شركات السمسرة سيتعرض لأزمات سيولة.
وتسببت السرعة التي تطورت بها الأمور، في إثارة حفيظة الجهات الرقابية، حتى أنها أجبرت شركة إدارة الأصول على تصفية مراكزها المُنشأة في كل من مجموعات كريدي سويس السويسرية، ونومورا اليابانية، ودويتشه بنك الألماني، بالإضافة إلى غولدمان ساكس ومورغان ستانلي الأميركيين.
واستخدمت شركة إدارة الأصول بعض أنواع المشتقات التي سمحت لها بالمراهنة على الأسهم دون الاضطرار للإعلان عن امتلاكها ما وصلت قيمته لمليارات الدولارات منها، وتم استخدام أموال شركات السمسرة في شراء نسبة كبيرة منها، وهو ما ساهم في زيادة حجم الصدمة على الأسواق عند إجراء عملية التصفية.
وفي حين حذرت مجموعتا كريدي سويس ونومورا المستثمرين، صباح الاثنين، من تعرضهما لخسائر كبيرة، بعد إفلاس أحد عملاء صناديق التحوط، أكد بنك غولدمان ساكس لعملائه وحاملي أسهمه أن خسائره من تلك العمليات لا تذكر، وأشار بنك دويتشه إلى تصفية تعاملاته مع الشركة دون تحقيق أي خسائر. وأصدرت مجموعة نومورا، ومقرها في طوكيو، تحديثاً يوم الإثنين، يشير إلى "خسارة كبيرة" في إحدى الشركات التابعة لها في الولايات المتحدة نتيجة معاملات مع عميل أميركي لم تذكر اسمه. وقال أكبر بنك استثماري في اليابان إنه يقيّم المدى المحتمل للخسارة المقدرة بملياري دولار، قبل أن تتراجع أسهمها بنحو 14% خلال تعاملات اليوم.
وقال بنك كريدي سويس إنه تأثر، مع بعض البنوك الأخرى، من عمليات البيع المكثف الأسبوع الماضي، ما اضطره للخروج من مراكز مع الشركة التي لم يذكر اسمها. وفي تعاملات الاثنين، خسرت أسهمه أكثر من 15%، وقال مسؤولوه "ربما يكون الوقت مبكراً لمعرفة حجم الخسائر على وجه الدقة، إلا أنها ستكون بالتأكيد مؤثرة في نتائج أعمال الربع الأول من العام، الذي شهد بعض الأرقام الجيدة التي تم الإعلان عنها مطلع الشهر الجاري".
ولم تكن أعلى أروقة واشنطن بعيدة عن الأحداث، حيث أكدت جين ساكي، السكرتيرة الصحافية بالبيت الأبيض، أن إدارة الرئيس جو بايدن تراقب الوضع، إلا انها أحالت بعض الأسئلة التي وجهت إليها خلال المؤتمر الصحافي بخصوص الموضوع إلى مسؤولي هيئة الأوراق المالية.