جاء موقف الجزائر الأخير بقطع العلاقات مع المغرب ليفوت الفرص الاقتصادية التي قد تدر مكاسب عديدة على البلدين، خاصه بعد دعوة ملك المغرب لحل الخلافات التاريخية وإعادة فتح الحدود بين البلدين في مطلع الشهر الجاري، وذلك في وقت يشهد فيه البلدان أزمات اقتصادية، خاصه عقب تداعيات أزمة كورونا.
فالجزائر تعاني من أزمة مزدوجة أصابتها خلال العام المنصرم، ما تسبب بهزة عنيفة للاقتصاد المحلي، وهي تداعيات أزمة كورونا المحلية والدولية بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط.
إذ يعاني اقتصاد الجزائر منذ عقود من تبعية مفرطة لعائدات المحروقات التي تمثل 93 في المائة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، ما دفع السلطات إلى تقليص الإنفاق الحكومي بواقع النصف تقريبا وتجميد مشاريع في عدة قطاعات.
كذلك، شهد الاقتصاد المغربي خلال العام الماضي انكماشاً بنسبة 6.3 في المائة وفقدان 432 ألف وظيفة، بالإضافة إلى تفاقم عجز الميزانية إلى 7.6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وتزايدت نسبة الدين العمومي إلى 76.4 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
ما يعني أن البلدين في حاجة إلى ضرورة العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية وخلق مشاريع ذات جدوى تدفع بهما إلى الأمام، وتكبح الانزلاق نحو مزيد من الأزمات الاقتصادية.
ويرى الباحث الاقتصادي في المعهد المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز أن الصراع بين المغرب والجزائر يعرقل مشروع الاتحاد المغربي، وبالتالي، فإن الخلاف بين الجزائر والمغرب لا يعني فقط خسائر اقتصادية للبلدين بل لجميع دول المغرب العربي.
وأضاف أوراز، لـ"العربي الجديد"، أن استمرار إغلاق الحدود بين البلدين يمنع فرصه عودة عمل خط السكك الحديدية الذي يربط بين البلدين، والذي من المفترض أن يؤدي إلى تنشيط قطاع السياحة فيهما ويعزز القطاعات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى أن قطع العلاقات يعني أيضا تأثر التبادل التجاري بالسلب وتفتيت العلاقات بين المستثمرين المحليين في كلا البلدين، ما يمنع فرص خلق مشاريع صغيرة وكبيرة تؤدي في النهاية إلى تقليص معدلات البطالة وزيادة معدلات النمو في البلدين.
وحسب بيانات رسمية، بلغت نسبة التبادل التجاري في عام 2019 بين موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا 2.8 في المائة من إجمالي المجموعة، مقارنة بنسبة 57.4 في المائة مع باقي أفريقيا و97.2 في المائة مع باقي العالم، وتعد هذه النسبة ثاني أدنى نسبة بين المجموعات ضمن ست كتلِ أساسية في أفريقيا، وفق أرقام مركز بروكنجز.
في حين بلغ التبادل التجاري بين الجزائر والمغرب، وفق أرقام مكتب الصرف الخاصة لسنة 2020، نحو 5.3 مليارات درهم (590.6 مليون دولار)، وهو رقم ضعيف يمثل 1 في المائة من إجمالي واردات وصادرات المملكة.
ومع أن الجزائر كانت قبل خمس سنوات الشريك الأفريقي الأول للمغرب بمبادلات تجارية تناهز 8.5 مليارات درهم (947.2 مليون دولار) سنة 2016، إلا أن مصر أصبحت اليوم في المرتبة الأولى كأول مورد للمملكة، بحسب تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
وأوضح الباحث المغربي أن قطع العلاقات يحد من النمو الاقتصادي لدول المغرب العربي بنحو 3 إلى 5 في المائة، مضيفا أن التحام اقتصاد البلدين يعني أيضا تبادل الخبرات على مستوى القطاعات الاقتصادية المختلفة، فالمغرب لديه خبره في مجالات الزراعة والصيد البحري والصناعات الغذائية، بينما الجزائر لديها خبرات في الصناعات النفطية على سبيل المثال.
ويستورد المغرب من الجزائر الوقود والتمر والزجاج والمواد الكيميائية، في حين تستورد الجزائر من المملكة ألواح الحديد والفولاذ والبن والأسمدة، إضافة إلى منتجات النسيج.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الجزائري فريد بن يحيى إن المغرب سيستفيد بشكل أكبر على المستوى الاقتصادي من هذا التعاون المنشود، خاصه أن المغرب يعاني من أزمة اقتصادية خانقة بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة هناك، وبالتحديد في المناطق الحدودية مع الجزائر.
وأضاف بن يحيى، لـ"العربي الجديد"، أن القدرة الشرائية للجزائريين مرتفعة إذا ما قورنت بالمغرب، ما يعني أنه سيكون هناك إقبال كبير من قبل الجزائريين على زيارة المغرب بنحو يصل إلى ما بين 3 و4 ملايين زائر جزائري سنويا.
وأشار إلى أن هناك العديد من السلع تستوردها الجزائر من المغرب، ما يعني أنه بتحسن العلاقات ستزيد السلع المستوردة، خاصه الأقمشة والعطور والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي الميزان التجاري بين البلدين سيكون لصالح المغرب، بالإضافة إلى أنه سيفتح الآفاق أمام البضائع المغربية لتصل إلى تونس وليبيا بسهولة.
أما الجزائر، فيرى بن يحيى أنها استفادتها ستكون من خلال تصدير بعض السلع إلى المغرب، خاصه الكهرومنزلية وغيرها، وبعض المواد الغذائية ومشتقات البترول.
وأكد أن عودة التعاون بين الجزائر والمغرب هي بداية لآفاق ومشروعات اقتصادية كبيرة، ليس للبلدين فقط، ولكن على مستوى اتحاد دول المغرب العربي، مثل عمل محطات المياه الكبرى لنقل المياه من البحر المتوسط إلى محطات تحلية المياه، ما يسهم في تطوير الزراعة ومواجهة الجفاف.
كما ستخلق حاجه الجزائر إلى استصلاح ما بين 8 إلى 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية فرص عمل أمام المغاربة.