تشكل استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم "فيفا" 2022، والتي ستنطلق صافرة بدايتها يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني وتستمر لغاية 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبلين، مستويات ضغط استثنائية على طلب واستهلاك المياه كما الغذاء، فمن المتوقع أن يزور الدولة الخليجية خلال فترة البطولة نحو 1.5 مليون شخص، إلى جانب السكان الذين تجاوز عددهم 2.9 مليون في نهاية أغسطس/ آب الماضي.
وأدت النهضة الاقتصادية والنمو السكاني إلى الضغط على موارد المياه في الدول الخليجية، وارتفع الطلب على المياه بشكلٍ ملحوظ، إذ وصل إلى 1.9 مليون متر مكعب في اليوم خلال عام 2019، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 2.2 مليون متر مكعب خلال العام الجاري.
ويعتبر معدل استهلاك الفرد من المياه في قطر من المعدلات المرتفعة عالمياً، إذ يبلغ نحو 300 ليتر في اليوم، في حين أن المستوى العالمي في حدود 150 ليتراً في اليوم، وتعتمد الدولة على تحلية مياه البحر لتزويد 99% من الطلب على مياه الشرب.
وأكد مديرو مصانع إنتاج وتعبئة المياه، لـ"العربي الجديد"، زيادة الطاقة الإنتاجية ما بين 70 إلى 120%، مع تدفق مشجعي المونديال إلى قطر، بما يلبي ازدياد الطلب المتوقع على مياه الشرب، ولفتوا إلى المحافظة على الأسعار الحالية وعدم زيادتها، نظراً إلى المنافسة بين المصانع المحلية في هذا الإطار.
وتغطي المصانع الوطنية قرابة 99% من احتياجات السوق المحلي من منتج المياه المعبأة، وتسد النسبة المتبقية 1% من خلال الاستيراد، ويبلغ الإنتاج الفعلي للمصانع المحلية من المياه المعبأة نحو 1.2 مليار ليتر سنويا، بينما يسجل مجموع الطاقات التصميمية الإجمالية للمصانع العاملة في قطاع المياه المعبأة زهاء 2.5 مليار ليتر سنويا، يستغل منها 47.4% بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة القطرية.
وتشير البيانات إلى وجود 25 مصنعا قائما خلال 2022، تعمل في إنتاج المياه المعدنية الطبيعية أو الاصطناعية والمياه الغازية، غير مضاف إليها السكر أو مواد تحلية أخرى، بحجم استثمار يتجاوز 950 مليون ريال (260.9 مليون دولار)، وعدد عمال يفوق 3 آلاف عامل، مقارنة مع 16 معملا وحجم استثماري بنحو 673 مليون ريال، و2369 عاملا، قبل الأزمة الخليجية في عام 2017، فيما يوجد حاليا 12 مصنعا قيد الإنشاء والترخيص، بحجم استثمارات 138 مليون ريال وعدد عمال يتجاوز 1100 عامل.
ويؤكد مدير عام مصنع الواحات لإنتاج وتعبئة المياه صفوان حمودة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة العليا للمشاريع والإرث، الجهة المحلية المسؤولة عن مشاريع بطولة كأس العالم لكرة القدم، تواصلت معه، وتلقى منها كتباً رسمية تطلب بموجبها كميات كبيرة من عبوات مياه الشرب والمبردات.
ويلفت حمودة إلى أن الكمية المطلوبة وزعت على مختلف المصانع أيضا، مؤكدا أن مصنعه بات جاهزاً لزيادة الإنتاج بنسبة 120% خلال استضافة المونديال عن الطاقة الإنتاجية الحالية.
ووفق حمودة، فإن مصنعه ينتج حاليا 14 ألف عبوة يومياً من فئة 5 غالونات، لترتفع الطاقة الإنتاجية خلال فترة البطولة إلى ما بين 30 الى 35 ألف عبوة يومياً، أما بالنسبة للعبوات الصغيرة من حجم 330 ملليلترا فينتج حاليا 70 ألف عبوة في 10 ساعات، لتزداد فترة العمل إلى 24 ساعة وتكون حصيلة الإنتاج اليومية ما يتراوح بين 40 ألفا و50 ألف عبوة.
وبشأن الأسعار، أبان مدير المصنع أنها ستبقى كما تباع في السوق حالياً، مثلاً الـ5 غالونات تباع في البقالة والسوبرماركت بما بين 7 و8 ريالات، أما العبوات الصغيرة فتباع في الصندوق بما بين 5 و6 ريالات (نحو دولار أميركي ونصف)، ولن تطاول الأسعار أي زيادة.
كما يؤكد مدير مصنع "مالا فيلا" لإنتاج وتعبئة المياه أحمد الناطور، لـ"العربي الجديد"، أن مصنعه ينتج (مياه الشمال) بأربع فئات، 1500 ملليلتر، بمعدل 20 ألف عبوة في الساعة، و500 ملليلتر، و350 ملليلتر، و225 ملليلتر، بطاقة 27 ألف عبوة في الساعة لكل صنف، مؤكدا رفع الطاقة الإنتاجية من جميع الأصناف خلال فترة المونديال بنسبة لا تقل عن 70%.
واتفق الناطور مع حمودة على ثبات الأسعار نظرا لوجود منافسة شديدة في السوق، وكشف عن التوجه إلى تصدير المنتج مستقبلا إلى بعض الدول الخليجية، مستفيدا من إعادة فتح المعبر البري مع السعودية، مطلع العام الفائت.
وكشفت جولة لـ"العربي الجديد"، على بعض المتاجر والبقالات في الدوحة، وجود وفرة في عبوات مياه الشرب مع تنوع في الماركات والأسعار، إذ تتراوح أسعار عبوة حجم 5 غالونات بين 6 و8 ريالات، وحجم صندوق 1.5 ليتر يضم 6 عبوات بين 6 و9 ريالات، وصندوق 350 ملليلتر يضم 24 عبوة بين 6 و8 ريالات، والصندوق 40 عبوة 330 ملليلتر بين 10 و12 ريالاً.
ووضعت الحكومة خطة لدعم الأمن المائي عبر العديد من المشاريع المتنوعة، كزيادة الإنتاج ومد الأنابيب وغيرها، ونفذت المؤسسة العامة للكهرباء والماء" كهرماء" المملوكة للدولة، خلال العام الماضي، أكثر من مشروع بهدف تلبية الطلب المتزايد على المياه، إذ وصل إجمالي إنتاج المياه إلى 670 مليون متر مكعب، ليصل مخزون "كهرماء" الإجمالي من المياه إلى 2300 مليون غالون، أي بزيادة تبلغ 100 مليون غالون عن نهاية عام 2020.
كما دشنت المؤسسة شبكات مياه جديدة بأطوال تصل إلى 109.5 كيلومترات، تتراوح أقطارها بين 100 و600 ملليمتر، فضلا عن تدشين خطوط نقل بأقطار بين 900 و1600 ملليمتر لتشمل مشروع الخزانات العملاقة ومشاريع أخرى بطول يقدّر بـ14.85 كيلومترا، وفقا لبيانات رسمية.
وفي 4 يوليو/ تموز2021، دخل الخدمة مشروع توسعة محطة (أم الحول)، وهو أهم المشاريع الاستراتيجية لتحقيق الأمن المائي في قطر، ما يرفع القدرة الإنتاجية اليومية للمياه المحلاة بـ61.4 مليون غالون إلى 197.9 مليون غالون في اليوم، وتوفر المحطة 40% من احتياجات البلاد من المياه المحلاة، وبلغت تكلفة المشروع 1.64 مليار ريال (450.5 مليون دولار).
في 31 أغسطس/ آب 2020، دخلت قطر موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بأكبر خزان لمياه الشرب في العالم، من خلال مشروع خزانات المياه الاستراتيجية الكبرى، الذي يبلغ حجمه أكثر من 436 ألف متر مكعب، ما يتجاوز 96 مليون غالون إمبراطوري، أو 115 مليون غالون أميركي من المياه.
ودشنت قطر مشروعها في ديسمبر/ كانون الأول 2018، الذي يُعَدّ طفرة في مجال تخزين المياه، كأكبر توسعة تشهدها الدولة على الإطلاق، بسعة إجمالية 1500 مليون غالون، بما يغطي الاحتياجات التخزينية حتى عام 2026، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 14.5 مليار ريال.
وتخطط "كهرماء" لتوسعة المشروع مستقبلاً، ليصل عدد الخزانات إلى 40 خزاناً بسعة تقارب 4000 مليون غالون، بما يتماشى مع متطلبات الدولة من المياه حتى عام 2036.
كشفت جولة لـ"العربي الجديد"، على بعض المتاجر والبقالات في الدوحة، وجود وفرة في عبوات مياه الشرب مع تنوع في الماركات والأسعار
وسينمو الطلب على المياه المعبأة إلى 1.38 مليار ليتر بحلول عام 2023، وهو ما يشكل 56% من مجموع الطاقات التصميمية للمصانع العاملة و44% من مجموع الطاقات التصميمية للمصانع العاملة والمرخصة معا.
ويبدو أن السوق المحلي متشبع من مصانع إنتاج المياه المعبأة، وذلك بسبب ارتباط استهلاك المياه بشكل وثيق بالكثافة السكانية، إذ إن نسبة النمو في حجم السوق مماثلة لمتوسط نسبة النمو السكاني للدولة خلال السنوات الخمس الماضية البالغة قرابة 2.9%، وفقا لبيانات وزارة التجارة والصناعة القطرية.
وفي 27 إبريل / نيسان الماضي، ترأس وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد بن شريده الكعبي الاجتماع التنسيقي السنوي، الذي عقدته المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء مع شركات إنتاج الكهرباء والماء العاملة في البلد، بهدف مراجعة الاستعدادات والخطط المعتمدة وتنسيق الجهود المشتركة لضمان مواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء والماء ومعالجة التحديات المتوقّعة لفترة صيف 2022.
وأشار الكعبي، خلال الاجتماع، إلى أنه بالرغم من انحسار الآثار السلبية لجائحة كورونا، "إلا أن الاستعداد لمواجهة التحديات لا يجب أن ينحسر أو يتراجع، خاصة أنه بعد مرور فصل الصيف، ستكون البلاد على موعد مع تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهي أهم حدث رياضي عالمي. وخلال تلك الفترة في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، لن تكون دولة قطر محط أنظار العالم فقط، بل ستستضيف أيضاً مئات آلاف المشجعين، ما سيشكل مستويات ضغط استثنائية على طلب واستهلاك الكهرباء والماء"