يشكًل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف خطرا على حياة العاملين، الأمر الذي دفع وزارة العمل في قطر نحو إجراءات لحماية العمال من الإجهاد الحراري نتيجة التعرض المباشر لأشعة الشمس، إذ ترتفع درجات الحرارة صيفاً إلى أواخر الأربعينيات.
وفي هذا السياق، تلزم الشركات والجهات التي لديها عمال يعملون في المواقع المكشوفة على توقف العمل مع احتدام القيظ، وتفرض عقوبات على المخالفين، وقد نفذت إدارة التفتيش في وزارة العمل القطرية خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي أكثر من 4.4 آلاف جولة تفتيشية على مواقع العمل، وأغلقت 269 موقع عمل مخالف.
واتخذت قطر عددا من التدابير في مواجهة مشكلة الإجهاد الحراري المهني، والتي ساهمت في خفض عدد حالات الإصابة المرتبطة بالإجهاد الحراري بنسبة 55% خلال 2022، إذ انخفض عدد الإصابات إلى 351 حالة، مقارنة بـ1372 حالة في 2019، مع توقعات أكثر تفاؤلًا في صيف 2023.
تعزيز حماية العمال
حول التشريعات العمالية وتعزيز حماية العمالة من الإجهاد الحراري، يقول المستشار القانوني الأول في مكتب سلطان الحميدي للمحاماة يوسف الطويل، لـ"العربي الجديد"، إن التشريعات والقوانين النافذة في قطر، والتي تهدف إلى تعزيز حماية العمال وصون حقوقهم، تعتبر من أفضل القوانين في المنطقة، وللحد من تأثير الإجهاد الحراري وتعزيز آليات السلامة والصحة المهنيتين في بيئة العمل، أقرّت دولة قطر تشريعًا يوفّر حماية إضافية للعمال من الإجهاد الحراريّ.
وينصّ القرار الوزاريّ الذي صدر في 26 مايو/ أيار 2021 على تمديد ملحوظ لفترة دوام العمل الصيفي في الأماكن المكشوفة.
ويحظر القرار العمل في الخارج بين الساعة العاشرة صباحا والساعة الثالثة والنصف عصرا في الفترة الممتدة من أول يونيو/ حزيران إلى 15 سبتمبر/ أيلول كل عام.
وأشار المستشار القانوني إلى أن إدارة التفتيش في وزارة العمل تنظم جولات ميدانية دورية على مواقع العمل للتأكد من تطبيق القرار، لافتا إلى أن الإجراء المتخذ، في حال مخالفة الشركات القرار الوزاري، يكون إغلاق مواقع العمل جزئيا أو كليا.
كما يلزم القرار الوزاري صاحب العمل بوضع خطة مشتركة مع العمال لتقييم أخطار الإجهاد الحراري، ويُحتفظ بنسخة من التقييم في مكان العمل ليطلع عليها مفتشو العمل، مع توفير مياه الشرب المجانية لجميع العاملين بدرجة برودة مناسبة طوال فترة العمل.
ويقضي القرار بتوفير أماكن استراحة مظللة يسهل وصول العمال إليها، وتكون فعالة في توفير الحماية من أشعة الشمس والحرارة العالية عند الاستراحة، مع تزويد العمال بمعدات حماية شخصية ملائمة للطقس الحار، بما فيها الملابس الخفيفة الفضفاضة بألوان فاتحة.
تأثيرات الإجهاد الحراري
استضافت الدوحة، يومي 9 و10 مايو/ أيار الماضي، "المؤتمر الدولي بشأن الإجهاد الحراري، مُمارسات التطبيق وتبادل الخبرات". وأكد وزير العمل القطري علي بن صميخ المري، في كلمة خلال المؤتمر، حرصَ بلاده على الارتقاء بتشريعات الوقاية من الإجهاد الحراري بما يواكب تطورات سوق العمل، لافتا إلى أن الإجراءات التي نفذتها وزارة العمل ساهمت إلى حد كبير في التقليل من عدد الإصابات الناتجة عن الإجهاد الحراري المهني خلال السنوات الأخيرة.
وكشف المري أن قطر تولت منذ عام 2019 تنفيذ أكبر دراسة على الإطلاق حول تأثيرات الإجهاد الحراري المهني بالتنسيق والتعاون مع الشركاء الدوليين، مُشيرًا إلى أن نتائج الدراسة ساهمت في تعزيز المعرفة العالمية حول الإجهاد الحراري المهني والكشف عن الحلول المُتاحة وتقديم التوصيات لحماية العمال بشكل أفضل.
أصحاب العمل والعمال
وحول قرار حظر العمل خلال ساعات القيظ، يقول صاحب ومدير مصنع للأسفلت، أسامة درويش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن القرار صائب، مؤكدا التزامه بقرار حماية العمال من الإجهاد الحراري في جميع مواقع العمل المكشوفة في مصنعه والتي يشملها القرار، اعتبارا من مطلع يونيو/ حزيران كل عام، بل وينظم ورشات خلال شهر مايو/ أيار لتوعية العمال من خطر التعرض المباشر لأشعة الشمس، وكيفية وقاية أنفسهم.
وعن مدى انعكاس ذلك على إنتاجية العمل خلال الصيف، أوضح درويش أن الإنتاجية نفسها كما الأيام العادية، بل وتصل أحيانا إلى مستوى أفضل، لأن العمل يكون بنظام الورديات، وبمعدل 8 ساعات فقط ويتواصل إلى منتصف الليل.
وأشاد درويش بالتشريعات والقوانين القطرية التي تساهم في خلق بيئة عمل مناسبة للعمال كما رب العمل، لافتا إلى أنها ليست مجرد قرارات على الورق، بل توجد رقابة من قبل وزارة العمل على تنفيذها والتأكد من تطبيقها على أرض الواقع في أماكن العمل، مشددا على أن قطر اتخذت إجراءات في سوق العمل توفر بيئة عمل آمنة وصحية.
وتؤكد مجموعة من العمال، الذين التقتهم "العربي الجديد" لحظة انصرافهم من موقع العمل في مشروع إنشاء طريق في منطقة الوكير جنوبي الدوحة وتوجههم إلى الحافلة، أنهم منذ مطلع يونيو الماضي يتوقفون عن العمل قبيل الساعة العاشرة صباحا، ويتوجهون إلى الحافلات التي تقلهم إلى موقع سكنهم، ثم يعودون إلى موقع المشروع عند الثالثة والنصف عصرا، ليكملوا أعمالهم بعد أن تكون ساعات الحر القاسية قد مرت.
وحول ظروف العمل في الصيف، تحدث سيف خان، الذي يعمل سائق آلية ثقيلة، لـ"العربي الجديد" قائلا: "أعمل في قطر منذ أكثر من 5 سنوات، وطبيعة عملي تكون في مواقع مكشوفة، وكل عام مع قدوم الصيف يطلب منا صاحب العمل التوقف قبيل اشتداد الحر لدرجة لا تطاق، والتوجه إما إلى السكن أو أماكن الاستراحة التي تتوفر فيها أجهزة التكييف أو المراوح، ولفت إلى أنه كذلك يتم اختصار ساعات العمل خلال شهر رمضان، مراعاة للصيام.
يشار إلى أن الإجهاد الحراري يُسبب تراجعا في إنتاجية العامل، إذ يقدر بضياع 2% من إجمالي ساعات العمل حول العالم كل سنة وفقًا لمنظمة العمل الدولية، وثمة توقعات بضياع بين 3 و5% من ساعات العمل في بعض بلدان الخليج بحلول العام 2030 بسبب الإجهاد الحراري.