يواجه قضاة تونسيون تهمة هدر المال العام بعد حصولهم على زيادة استثنائية في الرواتب معفاة من الخصم الضريبي ومساهمات الضمان الاجتماعي، في مخالفة لقوانين الضريبة التي تخضع كل المداخيل إلى الخصوم بشكل آلي.
وبدأت منظمات مدنية تحركاتها من أجل مقاضاة رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من وزرائه بتهمة هدر المال العام؛ بسبب توقيع اتفاق يمكن القضاة من زيادة في رواتبهم بطريقة مخالفة للقوانين.
وكشفت مراسلة سريّة بين وزيري المالية والعدل عن حصول القضاة على زيادة استثنائية في رواتبهم معفاة من الضرائب والمساهمة الاجتماعية، وهو ما اعتبرته المنظمات المدنية أمراً مخالفاً للقوانين ويكرّس التفرقة بين أصناف الموظفين المطالبين جميعاً بدفع الضرائب.
وأعلنت منظمة "أنا يقظ" التي تنشط في مجال مكافحة الفساد، أمس الاثنين، أنها سترفع قضية ضد رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزرائه الموقعين على الاتفاق؛ بسبب التوقيع مع الهياكل المهنية للقضاة على منحهم امتيازات استثنائية مخالفة لقانون الضرائب في البلاد، مؤكدة أنها ستطلب وقف تنفيذ الاتفاق.
وعقب إضراب دام أكثر من شهر، وقعّت الحكومة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على اتفاق مع الهياكل المهنية للقضاة التونسيين، تمت بموجبه الاستجابة لطلباتهم المالية والمهنية، من دون الكشف عن محتوى الاتفاق.
وقالت الممثلة القانونية لمنظمة "أنا يقط" رانيا بودقة إنّ الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع الهياكل المهنية للقضاة "غير قانوني ويصنف في خانة الفساد المالي وإهدار المال العام، باعتبار أنّ القضاة سيحصلون على زيادات في الرواتب من أموال دافعي الضرائب، في حين أن الاتفاق يعفيهم من القيام بالواجب الضريبي المحمول على كل الأجراء".
وأضافت بودقة، لـ"العربي الجديد"، أنّ منظمة "أنا يقظ" تعتبر أنّ هذا الاتفاق يتناقض والفصل 10 من الدستور، الذي ينص صراحة على أنّ "أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف".
وأكدت في ذات السياق أنّ هذا الاتفاق "ينسف المبدأ الدستوري المتعلق بالمساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وأنهم سواء أمام القانون من غير تمييز".
كما أشارت إلى خرق هذا الاتفاق جملةً من فصول مجلة الضريبة ومجلة المحاسبة العمومية، و"هو ما يجعل صرف هذه المنحة يدخل في خانة إهدار المال العام والتكريس للقطاعية التي استشرت في كافة المجالات، ما يستدعي التدخل لوضع حد لمثل هذه الممارسات اللادستورية"، وفق قول بودقة.
وقالت الممثلة القانونية لـ"أنا يقظ" إنّ المنظمة "قررت اللجوء إلى القضاء من أجل إيقاف تنفيذ الاتفاق، رغم إدراك صعوبة تبعات هذا القرار، ذلك أنها ستلجأ لمن فيه الخصام وهو الخصم والحكم"، حسب تقديرها.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نفّذ سلك القضاء بمختلف أصنافه إضراباً عاماً في كافة محاكم البلاد مدة 5 أسابيع، تم على أثرها توقيع اتّفاق "سري" يقضي بصرف منح إضافية للقضاة التونسيين.
وبموجب هذا الاتفاق "غير المنشور"، تم تعليق الإضراب والعودة إلى العمل بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020.