قرار قضائي يلزم المصارف اللبنانية بـ"الدولار" ويقلق المودعين

02 يونيو 2021
خلال إحراق شعار مصرف لبنان في احتجاج للمودعين (حسين بيضون)
+ الخط -

أصدر مجلس شورى الدولة في لبنان الثلاثاء قراراً قضى بإلزام المصارف التسديد بالدولار الأميركي للمودعين الذين يطلبون أموالهم ولديهم حساباتهم بالعملة الأميركية، وذلك في تعارض مع ممارسات المصارف اللبنانية التي تسدد دولارات المودعين بالليرة اللبنانية ووفق سعر 3900 ليرة للدولار، فيما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 13 ألف ليرة.

وأوقف قرار مجلس شورى الدولة تنفيذ التعميم الأساسي الصادر عن حاكم البنك المركزي رياض سلامة بتاريخ 24/3/2021 والمطعون فيه وكل ما يتصل به لعدم قانونيته وإلزام المصارف وقف التسديد البدلي بالليرة اللبنانية على سعر 3900 للحساب المفتوح بالدولار الأميركي وتسديد صاحب الحسابات بعملته الأجنبية.

وأثار قرار مجلس شورى الدولة بلبلة كبيرة وقلقاً لدى المودعين الذين تخوّفوا من أن تردّ المصارف على هذه الخطوة بمنحهم أموالهم وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة لبنانية بدل 3900 ليرة في ظلّ أزمة الدولار التي تتذرع بها لاحتجاز ودائعهم بالعملة الصعبة.

وحمل تخوّف المواطنين من تبعات القرار القضائي البعض إلى الإسراع في سحب أموال من حساباتهم الدولارية، بالليرة اللبنانية وعلى سعر صرف 3900 ليرة تفادياً للسيناريو المذكور.

في السياق، يتوقف الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر في حديثه مع "العربي الجديد" عند نقطة أساسية جداً تتمثل في أن قرار وقف التنفيذ هو مؤقت وصدر بالاستناد إلى الدعوى المقدَّمة أمامه بوجه المدعى عليه أي مصرف لبنان في حين إن الإبطال يصدر بعد مدة سنة، وفي حال تبيّنت لاحقاً وقائع أخرى وجديدة لم يكن مجلس الشورى يعلم بها فله أن يعود عن قراره.

 

ويؤكد أن مصرف لبنان هو المعني بالمراجعة والقرار لا يصبح نافذاً إلا بعد إبلاغه به وفق الأصول وله أن يتخذ التدابير التي يراها مناسبة، ولكن اعتقد أنه سيطلب الرجوع عن القرار.

ويلفت صادر لـ"العربي الجديد" إلى أن قرار مجلس شورى الدولة لا يصب في مصلحة المودعين، ولا سيما الصغار منهم، إذ إنه في حال قرر مصرف لبنان العودة لتسديد الدولار وفق سعر الصرف الرسمي سيخسر المودع 90 في المائة من قيمة سحوباته بينما كان يخسر حوالي 75 في المائة عند صرفها على أساس 3900 ليرة ما من شأنه أن يضرب بشكل كبير قدرته الشرائية.

ويضيف "من الطبيعي أن مصرف لبنان وجمعية المصارف والبنوك عامة هم أشبه بكتلةٍ واحدة بوجه أزمة شح الدولار في الجمهورية اللبنانية ويحضرون دفاعاتهم سوياً"، مشبهاً الواقعة بلعبة الشطرنج، أي لا يمكن الإقدام على خطوة أولى قبل التفكير جيداً والبحث بالخطوات الثانية والثالثة والرابعة، والأهم التفكير بمصلحة صغار المودعين لا الإضرار بهم.

وفي مطلق الأحوال، يشدد القاضي صادر على ضرورة أن يتخذ مصرف لبنان قرارات جذرية وجدية ويصدر تعاميم قابلة للتنفيذ تراعي القوانين المرعية الإجراء، وإلا سنبقى في دائرة عملية شدّ الحبال بين مجلس شورى الدولة والبنك المركزي.

ويسأل الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة "ماذا لو قرر مصرف لبنان تسديد الودائع بالدولار عن طريق شيك مصرفي؟"، فهذه الخطوة من شأنها تبرئة ذمة المصارف التي تكون قد أتمت دورها بمنح المودع شيكاً بأمواله، ويقيّد الشيك صاحبه، إذ لا يمكنه فتح حساب ثانٍ في أي بنك آخر، أما مصرف لبنان فلن يكون باستطاعته تسديد المبلغ للمودع بالدولار، وللأسف هذه الممارسات كلها تجعل من المودعين أشبه بطابة "بينغ بونغ".

 

وإذ يشير صادر إلى أن مصرف لبنان يمكن أن يطلب الرجوع عن القرار، يقول "المهم أن يكون هناك وعي أكبر على الاحتمالات المتاحة أمام البنك المركزي في حال استمرّ قرار مجلس شورى الدولة أو اتجه صوب الإبطال بشكل جذري، وأن يفكر أولاً بمصلحة صغار المودعين".

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي جاد شعبان لـ"العربي الجديد" إن القرار يهدف بالأساس إلى دفع المصارف لإعطاء أموال المودعين بالدولار الأميركي أي بعملة حساباتهم الأصلية، لكن القرار الذي كان يراد فيه حق أثار قلقاً وبلبلة في الأسواق.

لكن في المقابل، يشير شعبان إلى أن مثل هكذا قرار يفقد قيمته ولا يؤدي إلى حلّ طالما أن المصارف تمتنع عن إعطاء الدولار وتقول إنها لا تملكه، وبالتالي نكون أمام حالة "صبّ الزيت على النار" رغم النوايا الحسنة لدى مصدّري القرار.

وفقاً لذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي أنه في ظل غياب الأطر والوسائل لضبط الوضع في القطاع المصرفي فإن القرار القضائي لا يكفي، وقد ننتقل إلى مكانٍ آخر تماماً، يدفع المصارف إلى القول بأنها ستتوقف عن اتباع الصرف على أساس 3900 ليرة.

ويلفت شعبان إلى أن مصرف لبنان رغم ما يمتلكه من سلطة على المصارف لإلزامها بنوع من التعامل مع المودعين لم يستعملها، وكل التعاميم التي تصدر عنه، سواء المرتبطة بالودائع الدولارية أو منصة "صيرفة"ـ تبقى في إطار التمنّي ولو أنه ربما هدّد ضمنياً بإعادة هيكلة بعض المصارف لكنه لم ولن يسلك هذا الاتجاه.

ويرى شعبان أن كل الحلول أو الخطوات التي قام بها مصرف لبنان هي موضوعية وفشلت كلها لا بل أدت إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء وزيادة عمليات التهريب وسحب الدولارات من لبنان إلى سورية بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وهو كله أيضاً نتاج غياب الرقابة المستقلة الفعلية على القطاع المصرفي المتداخل بدوره مع السلطة السياسية.

من جهتها، اعتبرت رابطة المودعين أن أهمية القرار تكمن في تأكيده عدم قانونية تحديد سعر الصرف بـ3900 ليرة للدولار الواحد بناءً على بدع حاكم مصرف لبنان التي تجاوزت القانون الذي يضمن إعادة الوديعة كما هي، كما أعاد القرار تصويب البوصلة لجهة رفض حلول وتعاميم حاكم مصرف لبنان الذي نصب نفسه مكان السلطتين التشريعية والقضائية وتصرف كأنه الحاكم بأمر المال.

وشددت الرابطة على أن القرار أكد المؤكد بأن تحديد سعر الصرف من مصرف لبنان قد حصل بطريقة غير قانونية وبوسيلة مبتكرة في سرقة أموال المودعين والإجهاز على ما تبقى منها. وطالبت المصارف بوقف استمرار تسليم الودائع بالعملة التي أودعت بها للقانون وإعادة الودائع كما هي إلى أصحابها وبعملتهم، مؤكدة أيضاً حق المودعين الذين سحبوا من ودائعهم على سعر 3900 ليرة المطالبة بالتعويض وأنها جاهزة لتقديم المساندة القانونية اللازمة لذلك.

المساهمون