قاع جديد للجنيه... والمصريون يغرقون في الغلاء والديون

10 مارس 2023
أسعار الطعام والشراب قفزت بنسبة 61.2% على أساس سنوي الشهر الماضي (Getty)
+ الخط -

يخيم الارتباك من جديد على الأسواق المصرية وأنشطة القطاعات الاقتصادية المختلفة مع هبوط لافت للجنيه أمام الدولار في السوقين الرسمية والموازية (السوداء) في الأيام الأخيرة، وسط ترجيحات لمؤسسات مالية عالمية بتعويم جديد للعملة في الدولة التي تعاني من شح النقد الأجنبي، ما يدفع ملايين الأسر نحو قاع معيشي جديد بفعل الغلاء المتصاعد.

واقترب الدولار من 31 جنيها في البنوك، أمس الخميس، مرتفعاً بنحو 6% في أسبوع، بينما يجري تداوله في السوق السوداء بين 34 و35 جنيهاً، ليقترب سريعاً من مستوى التوقعات المتشائمة التي حددها بنك "سوسيته جنرال" الفرنسي وعدة مؤسسات مالية دولية، قبل أيام، والتي رجحت وصول الدولار إلى 35 جنيهاً في منتصف العام الجاري 2023، و37 جنيها قبل نهاية العام.

ومع استمرار الهبوط تخسر العملة المصرية أكثر من 50% من قيمتها منذ مارس/آذار 2022 إذ كانت تتداول بنحو 15.7 جنيها للدولار حينها قبل سلسلة من التخفيضات من قبل الحكومة. وقال أمين نبيل، خبير السياسات المالية والاقتصادية لـ" العربي الجديد" إن الضغط المتواصل على الجنيه، سيستمر لفترة طويلة، بما يؤدي إلى تراجعه أمام الدولار والعملات الصعبة، بعد أن أصبحت المشكلة الاقتصادية أعمق بكثير من عدم وجود الدولار في البنوك.

أضاف نبيل أن الحكومة غير قادرة على توليد العملة الصعبة، يما يمكنها من مواجهة الزيادة الكبيرة في القروض وسداد التزاماتها المالية وخدمات الكميات الهائلة من الديون، التي تراكمت وتشدد قبضتها على المالية العامة للدولة حتى نهاية عام 2026، على الأقل.

وعبر خبير السياسات المالية عن عجز الحكومة في مواجهة زيادة الدولار قائلا "الموقف صعب، فليس لدى الحكومة عملة صعبة، إلا القليل من الودائع بالدولار في البنوك التي تخص مؤسسات وأفراد، لا يمكن المساس بها، بينما مازالت تنتظر وصول الاستثمارات الخليجية التي تعهدت دول الخليج لصندوق النقد بضخها في الاستثمار المباشر، بقيمة 14 مليار دولار، بينما لن تأتي قبل منتصف العام المقبل، بسبب الزيادة الكبيرة في سعر الفائدة عالمياً وعدم وصول الجنيه إلى القاع المتوقع للمستثمرين، بما يحول دون تعرض رؤوس أموالهم للتآكل السريع، عندما يدخلون السوق المصرية".

وقال محللون إن توقف دول الخليج عن ضخ الأموال في مصر، وتراجع تحويلات المصريين بالخارج، وتداول الدولار عبر قنوات غير رسمية، كل هذا سيدفع الجنيه إلى مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة. وذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير، يوم الإثنين الماضي، أن تجار المشتقات يستعدون لمزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه بالسوق الآجلة.

وبالفعل تراجعت العقود الآجلة للعملة المصرية مقابل الدولار إلى 38 جنيهاً، وذلك لمدى الـ12 شهرا ذات التسليم نهاية العام، كما انخفضت العقود الآجلة ذات المدى الشهري إلى 32.4 جنيها للدولار.

في الأثناء، عادت السوق السوداء للعملة إلى الانتعاش، مع استهداف الحكومة توفير الدولار لموردي السلع الغذائية والأساسية دون غيرهم، بما يدفع كثرا من الموردين وأصحاب الأعمال الأخرى إلى تلبية احتياجاتهم من العملة الخضراء من السوق الموازية، بسعر يتراوح ما بين 34 و35 جنيها، في وقت تزايدت فيه معدلات المضاربة من صغار المتعاملين على شراء الدولار، أملا في جني الأرباح في المستقبل، بعد أن هدأت أسعار الذهب، التي كانت تجذبهم لاكتنازه بدلاً من الدولار.

وفي ظل الصعوبات التي تواجهها الحكومة في تدبير النقد الأجنبي، خرجت تصريحات من بهاء أبو شقة وكيل مجلس الشورى، طلب خلالها فرض ضريبة بالدولار على المصريين بالخارج، ما أدى إلى انتشار مخاوف في أوساط المواطنين حول المساس بودائعهم وتحويلاتهم المالية بالعملة الأميركية. ورغم تراجع أبو شقة عن تصريحاته، يشير الخبراء إلى أن عدم ثقة المواطنين في الحكومة، قد يدفع العاملين بالخارج إلى مزيد من التقليص في تحويلاتهم، التي تراجعت بنحو 25%، خلال 3 أشهر وفقا لبيانات البنك المركزي.

في الأثناء يتزايد الغلاء توحشاً، إذ تظهر البيانات الحكومية ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في خمس سنوات، متجاوزاً المعدلات التي سجلها في أعقاب صدمة التعويم الأول للجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، والتي فقد خلالها 60% من قيمته في أعقاب الاتفاق على برنامج اقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد مقابل الحصول على 12 مليار دولار. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) إلى 32.9% على أساس سنوي في عموم البلاد خلال فبراير/شباط الماضي، بينما كان قد سجل في أعقاب التعويم الأول للعملة 22.5%.

ووفق بيانات صادرة، أمس الخميس، عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الضغوط الهائلة والمتزايدة في أسعار الطعام والمشروبات، والتي تمثل ثلث سلة مؤشر أسعار المستهلكين وراء ارتفاع معدلات التضخم إلى المستوى القياسي الجديد.

وسجلت أسعار الطعام والشراب زيادة بنسبة 61.2% على أساس سنوي، مدفوعة بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 95.1%، والأسماك والمأكولات البحرية 84.5%، والألبان والجبن والبيض 74.5% والخبز والحبوب 76.7%، والزيوت والدهون 35.4%، والفاكهة 26.2%، والخضروات 17.5% والسكر والأغذية السكرية 21.4%، والبن والشاي والكاكاو 60.2%.

كما ارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 18.9%، والمسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 8.1%، والأثاث والتجهيزات المنزلية بنسبة 31.7%، والرعاية الصحية 16.8%. وزادت كذلك أسعار النقل والمواصلات 19.4%.

ويشير أعضاء في الغرف التجارية، إلى أن الزيادة في أسعار المنتجات ترجع إلى ارتفاع قيمة الدولار، وهي العملة الأساسية لاستيراد 80% من الواردات غير النفطية، وتوفر نحو 70% من مستلزمات الغذاء ومستلزمات الإنتاج، متوقعين استمرار معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة.

وقال عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن في الغرفة التجارية بالقاهرة، إن على الحكومة الإسراع في حل أزمة الدولار للموردين للسيطرة على معدلات ارتفاع الأسعار.

وفي ظل أزمة الدولار، تتوقع الحكومة ارتفاعا في تكاليف شراء القمح والمواد البترولية، خلال الأشهر المقبلة، ما دفعها إلى تقديم موازنة تتحوط بها برفع سعر القمح عند 424 دولاراً للطن والبترول عند 95 دولاراً للبرميل، بينما تؤكد مؤشرات منظمة الأغذية والزراعة "فاو" استمرار تراجع أسعار السلع الغذائية عالمياً، عن معدلاتها القياسية التي بلغتها في مارس/آذار من العام الماضي.

المساهمون