استمع إلى الملخص
- **تأثير تصريحات رئيس اتحاد البنوك**: تصريحات محمد الإتربي حول حدود السحب النقدي بالدولار أثارت ارتباكاً في الأسواق، مما رفع أسعار صرف الدولار في السوق الموازية وسوق الذهب.
- **مخاطر الاعتماد على الأموال الساخنة**: يحذر الخبراء من خطورة رفع سعر الفائدة لجذب الأموال الساخنة، مما قد يؤدي إلى أزمة سيولة دولارية حادة وتعرض الاقتصاد لمخاطر كبيرة.
تسببت بيانات متضاربة بين البنك المركزي المصري وقيادات بنوك كبرى عن وضع حدود قصوى على السحب النقدي بالعملات الأجنبية في تذبذب أداء الجنيه أمام العملات الصعبة، أدت إلى ارتفاع طفيف بسعر صرف الدولار بمتوسط خمسة قروش، ليبلغ نحو 48.81 جنيها مقابل الجنيه، بعد عدة أيام شهدت تراجع الدولار مقابل الجنيه في السوقين الرسمية والموازية.
أخبر رؤساء بنوك وقيادات مصرفية وسائل إعلام، مساء الأربعاء، بفرض البنك المركزي حدودا قصوى على السحب بالنقد الأجنبي. وقد أحدثت تصريحات المسؤولين ارتباكا في الأسواق، دفعت إدارة البنك المركزي إلى إصدار بيان زاد الأمر غموضا، بنفيه إلزام البنوك بوضع حدود قصوى على السحب النقدي، مع تأكيده أن وضع حدود قصوى للسحب النقدي اليومي والشهري بالعملات الأجنبية متروك لكل بنك على حدة، وفقا للسياسات المعتمدة من مجلس إدارته.
كما شدد بيان البنك المركزي، الذي وزع في ساعة متأخرة مساء الأربعاء، على رفع الحد الأقصى لعمليات السحب النقدي اليومية بالعملة المحلية من 150 ألفا إلى 250 ألف جنيه، ومن 20 ألفا إلى 30 ألف جنيه من ماكينات الصرف الآلي، التي قررها في 15 إبريل/نيسان الماضي، من دون ذكر لحدود السحب بالدولار، واكبه تصريح لرئيس اتحاد البنوك ورئيس بنك مصر الحكومي محمد الإتربي بأن حدود السحب النقدي بالدولار في البنك الذي يرأسه معروضة على مجلس الإدارة للمناقشة الأسبوع المقبل. ووصف الإتربي الحدود المقترحة في تصريحات متلفزة بأنها ستكون "مريحة جدا للأفراد والشركات". في سوق تشعلها شائعة، وتعيش أجواء جيوسياسية واقتصادية متوترة.
تأثر الجنيه بأداء "المركزي"
أحدثت تصريحات رئيس اتحاد البنوك ارتباكا في سوق المعاملات المالية، أدت إلى رفع أسعار صرف الدولار في السوق الموازية، وسوق الذهب، بنحو 40 قرشا عن السوق الرسمية، في وقت يتعرض فيه الدولار إلى هبوط حاد مقابل باقي العملات الرئيسية متأثرا بتوقعات حول تراجع سعر الفائدة في البنك الفيدرالي الأميركي، وزيادة تاريخية في سعر الذهب، حيث تجاوز سعر الأونصة 2574.5 دولارا.
وفي السياق، وصف خبير التمويل والاستثمار والمصارف رشاد عبده بيان البنك المركزي المصري بالضعيف ولا يتناسب مع الدور الكبير الذي يلعبه البنك كونه بنك البنوك، وقدرته على التحكم في تحديد الضوابط المتعلقة، بضوابط طبع العملة والسيولة وضبط نسب الائتمان والسحب وسعر الفائدة والتضخم، مشيرا إلى صعوبة صدوره بهذه الطريقة عن محافظ البنك المركزي.
وقال الخبير المصرفي لـ"العربي الجديد" إن وضع البنوك حدا أقصى لصرف الدولار، سواء للأفراد أو الشركات، على المستوى اليومي أو الشهري، يجب أن تتحكم فيه مجالس إدارات البنوك، بعيدا عن أية قيود من البنك المركزي، تعطي انطباعا بأن الدولة تواجه أزمة بالعملة الصعبة، وأن الحدود تستهدف تحجيم خروج الدولار من البنوك أو تحويله للخارج. كما يذكر عبده أن البنك المركزي وضع حدا أقصى لصرف الدولار أو العملة الصعبة، يرتبط بنشاط البنوك وقدرتها على توسيع شبكة علاقاتها بالمؤسسات والأفراد الحائزين للعملة الصعبة، مشيرا إلى هيمنة بنك واحد على نحو 75% من معاملات الدولار محليا، بما يملكه من خبرات في التعامل مع السفارات والمؤسسات الأجنبية، بينما أغلب البنوك العامة والخاصة التي لا تمتلك تلك القدرات تسعى إلى تحجيم خروج الدولار، خشية عدم قدرتها على تدبير احتياجات العملاء.
يحذر عبده من عدم وضوح الرؤية لدى البنك المركزي، ما يدفعه إلى التدخل لدى البنوك في تحديد سقف يومي أو شهري لصرف الدولار، الأمر الذي يدفع المتعاملين إلى البحث عنه في السوق السوداء من جديد، ويعطي انطباعا سيئا للمستثمرين بأن البنوك ستكون غير قادرة على تدبير أموالهم التي يريدون إخراجها من مصر عند حاجتهم إليها في الوقت الذي يناسبهم.
وشدد أيضا على خطورة توجه الحكومة لتدبير حاجتها من الدولار من الأموال الساخنة، عبر رفع سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية، مؤكدا أن سهولة دخول وخروج تلك الأموال، خلال فترة وجيزة، يمكن أن تُظهر عورات الاقتصاد بسرعة، وأزمة سيولة دولارية حادة، أسوة بما حدث عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى سحب البنك المركزي من حسابات المودعين من البنوك لتأمين الدولار أمام المستثمرين المغامرين بأدوات الدين المحلية.
ووفق الخبير المصرفي، فإنّ رفع معدل الفائدة إلى معدلات مغرية جدا أمام الأموال الساخنة، في الآونة الأخيرة، يعني عودة الحكومة إلى نفس المسار الذي تضررت منه من قبل، حرصا منها على جذب الاستثمار الأجنبي غير المباشر، ما يعرض الاقتصاد الذي أنقذته صفقة بيع أرض رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، ليقع في نفس الحفرة للمرة الثالثة خلال 32 شهرا. في غضون ذلك، اقترب سعر العائد على أذون الخزانة إلى مستوياته القياسية التي سادت قبل إتمام صفقة رأس الحكمة في مارس/آذار 2024، عند حدود 30.205% ليصل إلى 30% بداية الأسبوع.
وقد تخطى سعر العائد على أذون الخزانة المصرية لأجل 91 يوما بعطاء الأحد 18 أغسطس/آب الجاري 29%، ولأجل 3 أشهر 29.06% بزيادة 0.724% عن الأسبوع الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي. في المقابل، أظهرت بيانات المركزي ارتفاع حصيلة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة بنحو 140%، لترتفع من 13.6 مليار دولار في فبراير/شباط 2024 إلى 32.7 مليار دولار في مارس الماضي، عقب تعويم رابع للجنيه أدى إلى تراجع في قيمته بنحو 50% مقابل الدولار والعملات الصعبة.
ويؤكد محللون ماليون ارتفاع دائرة وجود الأموال الساخنة في السوق المحلية لتصل إلى نحو 43 مليار دولار الشهر الجاري، مستفيدة من العوائد المرتفعة، مؤكدين خطورة استمرار تلك الظاهرة في حالة خروجها المفاجئ من السوق، وضغوطها على الطلب على النقد الأجنبي من البنوك المحلية. وتحتل مصر المرتبة الخامسة عالميا ضمن الدول صاحبة أعلى سعر للفائدة منذ مارس 2024، بعد فنزويلا وتركيا والأرجنتين وإيران، واكبها تراجع حاد في قيمة الجنيه مقابل الدولار من 31 إلى حدود 50 جنيها، مستهدفة عودة الأموال الساخنة إلى مصر، في ظاهرة يرى خبراء اقتصاد أنها مستمرة بلا ضوابط، ما يجعل الاقتصاد عرضة للهزات الخارجية وفقاعات الأموال الساخنة والأزمات المالية المترتبة عنها.