تتوسع فوضى أسعار الخبز؛ المادة الأساسية في غذاء التونسيين، مستغلة تنامي عدد المخابز العشوائية التي تعتمد أسعاراً محررة، في ظل تراجع للدور الاجتماعي للمخابز التي تستفيد من الدعم الحكومي، ما يزيد الضغوط المعيشية على المواطنين الذين يشكون غلاءً قياسياً.
ويخضع الخبز في تونس للتسعير الحكومي بالنسبة للمخابز التي تتمتع بالدقيق المدعم، فيما تبيع الأفران التي تعتمد على الشراء المباشر للدقيق من المطاحن على الأسعار المحررة، غير أنها أطلقت عنان الزيادات في أثمان الأصناف الأساسية، ما تسبب في فوضى أسعار تزيد من صعوبات العيش لدى عموم المواطنين.
ينتقد تونسيون سياسة الأمر الواقع التي أصبحت تفرضها المخابز على المواطنين بالاكتفاء بتوفير الأصناف عالية الثمن من الخبز مقابل عرض ضعيف من الخبز المسعّر، محمّلين السلطات الرقابية مسؤولية ذلك.
ويقول مواطنون في شهادات جمعتها "العربي الجديد" إن دور الأفران التي تصنع الخبز المدعم في تراجع مستمر، وإن عددها في تقلّص مقابل توسع شبكات المخابز محررة الأسعار، ما يفرض على المواطنين القيام بمجهود إضافي من أجل الحصول على الخبز المدعم.
ويعتبرون أن السلطة تمارس سياسة غض النظر عن الأفران التي ترفع عشوائياً أسعار الأصناف الأساسية للخبز، مؤكدين أن المستهلكين غير مجبرين على التفتيش في تراخيص الأفران إذا كانت مدعومة من قبل الدولة أو لا، لأنهم عادة ما يقتنون من الفرن الأقرب إلى مساكنهم.
ويضيفون أن المخابز تعلن زيادات متواترة دون أي مبرر، مقابل التقليص في وزن الخبز وعدم تحسين النوعية، مطالبين الحكومة بتوحيد أسعار الأصناف الأساسية في كافة أصناف المخابز حتى إن اقتضى ذلك تعديل سعرها بنسبة معقولة.
ويشدّد المستهلكون على ضرورة كبح جماح أسعار الخبز ووضع حد لفوضى الأسعار حفاظاً على القدرة الشرائية للطبقات الضعيفة المتضررة من الغلاء، خاصة أن الفارق بين السعرين الحكومي والجديد للمخابز وصل إلى 60 مليماً، فيما تباع أصناف أخرى بأكثر من دينار وفق تأكيدهم.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي نفت وزارة التجارة أي زيادة في أسعار الخبز المدعم من الحجمين "الكبير" والصغير "باقات". وقالت إن 3311 فرناً مصنفاً تزوّد مختلف المناطق بالخبز المدعم من الصنفين بكميات تناهز 8 ملايين رغيف خبز يومياً.
وبينت الوزارة، في بلاغ لها حينها، أن هذه المخابز تغطي بأريحية حاجيات الاستهلاك، وتطبق الأسعار المحددة للبيع للعموم.
وفسرت الوزارة أن بعض المخابز غير المصنفة المخول لها فقط صنع الخبز الخاص والرفيع، الذي لا يتجاوز وزنه 150 غراماً، تعمدت مخالفة ترتيبات صنع الخبز وترويج نوعية من الخبز في نفس شكل الخبز المدعم من الحجم الصغير دون إعلام المستهلك بذلك، ما أحدث خلطاً لدى العموم.
ويؤكد رئيس غرفة المخابز محمد بوعنان فوضى تصنيف الأفران، ما تسبب في عشوائية على مستوى تحديد تسعيرة الأصناف الأساسية من الخبز وهي ما تعرف محلياً بـ"الخبز الكبير" و"الباقات". وقال بوعنان في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الأفران التي وصفها بالعشوائية أضرت بالقطاع والمواطنين بفرض زيادات يتحملها المواطنون بدعوى عدم خضوع هذه الأفران للتسعيرة الحكومية لعدم حصولها على الدقيق المدعم.
ونفى بوعنان حصول نقص في مادة الخبز أو أية نية للتقليص في عدد ساعات الأفران، مشيراً إلى أن الأفران العشوائية تسعى لبث الفوضى في قطاع حيوي يمس كل التونسيين، مطالباً بإخضاع جميع الأفران لسلطة القانون. وتنفي السلطات الرسمية أي نية لها لرفع الدعم عن الخبز، مؤكدة في بيان لوزارة التجارة أن هذا الملف يبقى ضمن الملفات المطروحة للدرس في إطار توجه إصلاحي يرمي لترشيده وتوجيهه نحو مستحقيه دون المساس بالمقدرة الشرائية للمواطن.
وعموماً تتجنّب السلطات الخوض في موضوع زيادة سعر الخبز، نظراً إلى تأثير ذلك على السلم الاجتماعي، بحسب مراقبين.
وتدعم تونس الخبز منذ أربعينيات القرن الماضي، قبل أن يتم إنشاء الصندوق العام للتعويض بمقتضى قانون المالية لعام 1971.
وفي المقابل، أكد رئيس الغرفة الجهوية لأصحاب المخابز غير المصنفة (لا تتمتع بالدعم الحكومي لسعر الدقيق) بمحافظة صفاقس، سالم البادري، أن هذا الصنف من الأفران يساهم في تغطية حاجيات حوالي 40 بالمائة من حاجيات التونسيين من الخبز.
ؤكد رئيس غرفة المخابز محمد بوعنان فوضى تصنيف الأفران، ما تسبب في عشوائية على مستوى تحديد تسعيرة الأصناف الأساسية من الخبز وهي ما تعرف محلياً
وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الزيادة في أسعار الأصناف الأساسية من الخبز سببه ارتفاع سعر الدقيق من الصنف الرفيع الذي تعتمده عليه هذه المخابز، مؤكدا أن مواصلة العمل بالأسعار الحالية وتكبّد خسائر كبيرة قد يتسبب في الإفلاس وخسارة 13 ألف موطن شغل.
وسعت الدولة التونسية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، إلى إيجاد حلول لمشكلات آليات الدعم لوضع آلية تسمح بإحالته نحو مستحقيه، غير أن هذا التنسيق لم يجاوز حدود التشخيص مقابل إصرار الصندوق على ضرورة مراجعة نظام الدعم والدفع نحو إلغائه وربط ذلك بالمساعدات والقروض التي ستوجه إلى تونس.
وتشير البيانات الحكومية المتصلة بتقرير ميزانية الدولة لسنة 2022 إلى أن الحكومة ستدعم المواد الأساسية بنحو 3.7 مليارات دينار (الدولار = 2.9 دينار) خلال 2022 مقابل 2.2 مليار دينار خلال سنة 2021، من بينها 3 مليارات دينار ستوجه لدعم الحبوب المادة الأولية للخبز.