"فورين بوليسي": توقف صادرات النفط العراقي عبر تركيا ينذر بأزمات كارثية في أربيل وبغداد
ينذر استمرار توقف صادرات النفط العراقي عبر تركيا بأزمات كارثية في إقليم كردستان العراق تصل إلى حد الانهيار المالي والسياسي، لتطاول التداعيات الحكومة المركزية في بغداد وكذلك أسواق النفط العالمية التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار، ما يبدد محاولات الكثيرين مكافحة التضخم لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وأوقفت تركيا صادرات النفط العراقي البالغة نحو 450 ألف برميل يومياً عبر خط أنابيب العراق ـ تركيا الشمالي، في 25 مارس/ آذار الماضي، بعد حكم في قضية تحكيم صادر عن غرفة التجارة الدولية ضد أنقرة.
وكان العراق قد رفع الدعوى أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس عام 2014، وكانت تتعلق بدور تركيا في تسهيل صادرات النفط من إقليم كردستان العراق دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد، التي تقول إنّ شركة سومو المملوكة للدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة صادرات الخام عبر ميناء جيهان.
وقال العراق إنّ أنقرة وشركة بوتاش التركية الحكومية للطاقة انتهكتا أحكام اتفاق خط الأنابيب العراقي التركي الموقع في عام 1973 عبر نقل وتخزين النفط من كردستان وتحميله على ناقلات في جيهان دون موافقة بغداد.
وأمرت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية تركيا بدفع تعويضات إلى بغداد بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً عن الصادرات غير المصرح بها، والتي خرجت من إقليم كردستان العراق بين عامي 2014 و2018.
وتريد تركيا التفاوض على حجم التعويضات التي أمرت هيئة التحكيم أنقرة بدفعها، كما تطلب توضيحاً بشأن قضايا التحكيم المنظورة الأخرى.
وعلى الرغم من الشائعات التي ترددت عن قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة دبلوماسية تاريخية إلى بغداد هذا الشهر لمناقشة إعادة تشغيل خط أنابيب النفط، إلا أنّ التداعيات الاقتصادية والسياسية والقانونية للنزاع النفطي تتصاعد مع بقاء ملايين براميل النفط عالقة في الموانئ.
ولم يتم التوصل إلى حل على الرغم من الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد، حيث لم يعترف علناً بما وصفه تحليل نشر في مجلة فورين بوليسي الأميركية، أمس الجمعة، بـ"الحصار النفطي".
كما ألقى أردوغان باللوم على الخلافات الداخلية بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في شمال العراق. لكن المسؤولين العراقيين ومسؤولي حكومة إقليم كردستان ينفون ذلك، ويلومون تركيا بدلاً من ذلك.
على الرغم من أنّ تركيا ادعت في البداية أنها تمتثل ببساطة لحكم المحكمة الجنائية الدولية، فقد تبين بسرعة أنها كانت تحاول التفاوض على دفع تعويضات بقيمة 1.5 مليار دولار، وحل تحكيم ثان مع العراق بشأن تدفقات النفط غير المصرح بها منذ عام 2018، وفق المجلة الأميركية.
وبحسب التحليل، فإن الحظر الذي فرضته تركيا لفترة طويلة على صادرات النفط العراقي ومحاولاتها الضغط على العراق للامتثال لمطالبها يؤدي إلى زعزعة استقرار خط أنابيب ذي أهمية مركزية للاستقرار الاقتصادي الإقليمي والعالمي.
وكان خط الأنابيب ينقل حوالي 10% من إجمالي الصادرات العراقية، أي ما يعادل 0.5% من الإنتاج العالمي، والعراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك.
وأدى وقف تركيا للصادرات على الفور إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى ما يزيد عن 70 دولاراً للبرميل. علاوة على ذلك، تمثل عائدات تصدير النفط نحو 80% من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان، مما يعرض الإدارة بأكملها للخطر.
وأثر الحظر بشكل خاص على الاتحاد الأوروبي، الذي كان قد زاد بشكل كبير وارداته من النفط العراقي ليحل محل الغاز الروسي. فإيطاليا، على سبيل المثال، تلبي 13% من طلبها على النفط الخام من العراق، ويأتي أكثر من نصفه من الحقول الواقعة شمالي العراق والتي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان. ومع انقطاع تدفق النفط من حكومة إقليم كردستان، أصبحت أوروبا في وضع محفوف بالمخاطر مع عدم وجود حل سريع وسهل.
لكن ليست أوروبا وحدها هي التي تتلقى الضربة. فالحظر المطول، الذي كلف حكومة إقليم كردستان بالفعل أكثر من ملياري دولار، يمكن أن يدمر اقتصاد شمال العراق وربما يؤدي إلى انهيار حكومة إقليم كردستان، بحسب "فورين بوليسي".
ولسنوات عديدة، كان اقتصاد حكومة إقليم كردستان يعاني من تخفيضات الميزانية من الحكومة الفيدرالية العراقية. إذا ظل الوضع دون حل، فقد يؤدي ذلك إلى موجة هجرة مدمرة، وقد هاجر عشرات الآلاف من الأكراد العراقيين بالفعل إلى أوروبا، ومن الممكن أن يذهب المزيد في المستقبل القريب.
ويحذر تحليل "فورين بوليسي"، من إمكانية أن تؤدي التداعيات المالية ومنها العجز الكبير في الميزانية في كل من حكومة إقليم كردستان وبغداد، إلى حالة من عدم الاستقرار الكارثي في المنطقة، وهو أمر يمكن أن تستغله الجماعات المسلحة مثل تنظيم "داعش"، مما قد يؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار.
وعلى الرغم من أن أربيل وبغداد توصلتا إلى اتفاق في أوائل إبريل/ نيسان الماضي، مما أثار الآمال في ألا يكون لدى تركيا أي عذر آخر لتجنب استئناف الصادرات بعد الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار، إلا أنه لم تظهر أي علامات على تقدم ملموس من جانب أنقرة، بحسب المجلة الأميركية، مشيرة إلى أنّ النزاع المستمر قد يهدد بانهيار الاستثمارات الأميركية في العراق، وزعزعة الاستقرار الاقتصادي للحكومة الفيدرالية العراقية، واندفاع روسيا وإيران لملء الفراغ الجيوسياسي.
وقد أدى هذا المأزق إلى خفض شركات النفط العالمية في العراق استثماراتها بمقدار 400 مليون دولار، وتسريح مئات العمال، والتهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الحكومات التي تعتبر مسؤولة. ومع استمرار الأزمة، بحسب المجلة، فإن سمعة العراق بين المستثمرين سوف تتضرر بشكل متزايد.
لكن المخاطر الكبرى تأتي مما يمكن أن يحدث إذا استمرت أربيل في خسارة مليارات الدولارات من فقدان عائدات النفط بسبب النزاع على خط الأنابيب. ومن المرجح أن يجد بعض نفطها طريقه إلى الخارج عبر إيران، في حين قد ينتهي الأمر بتركيا إلى اللجوء إلى النفط الإيراني والروسي لتلبية مطالبها الخاصة.
وفي نهاية المطاف، تقول المجلة إنه قد تنهار حكومة إقليم كردستان، التي تعتمد على عائدات النفط من أجل البقاء، مما يؤدي إلى صراع بين الفصيلين الرئيسيين المتنافسين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقد يمتد عدم الاستقرار في كردستان العراق أيضاً إلى العراق الأوسع، الذي يترنح بالفعل على حافة الصراع الطائفي. وفي العام الماضي، شنت إيران هجمات على جماعات المعارضة الإيرانية المزعومة في كردستان العراق.
ورأى تحليل "فورين بوليسي" أنّ على الولايات المتحدة دفع بغداد وأربيل للتوصل إلى اتفاق نفطي أكثر شمولاً، والمساعدة كذلك في التوسط في المحادثات بين أنقرة وبغداد، بما في ذلك المسائل المتعلقة بالمياه والتجارة والبنية التحتية.
ولفتت المجلة إلى أنه مع استمرار النزاع، فإن خسارة العراق إيرادات تصدير النفط عبر تركيا ستؤدي في النهاية إلى محو التعويضات المستحقة لبغداد لدى أنقرة، ولذلك فمن مصلحة البلدين التوصل إلى حل وسط عن طريق التفاوض، مشيرة إلى الحاجة إلى وسيط خارجي يتمتع بعلاقات مع اللاعبين الثلاثة لمساعدتهم على إدراك أن أي سيناريو يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي هو وضع يخسر فيه الجميع.