فواتير "الغاز السياسي"... أرباح شركات الطاقة تٌغضب البريطانيين

16 فبراير 2023
فواتير الطاقة المرتفعة تزعج البريطانيين (Getty)
+ الخط -

أججت الأرباح الخرافية التي كشفت عنها شركات الطاقة العالمية، ولا سيما الأوروبية خلال الأيام الأخيرة، مخاوف المستهلكين في بريطانيا من استمرار الضغوط المالية التي يعانون منها، في ظل فواتير الطاقة المرتفعة، فضلاً عن تصاعد حدة الاتهامات الموجهة إلى موّردي الغاز "بالتربح" من أزمة الطاقة وارتفاع فواتير الأسر.

ورغم الارتياح المؤقت الذي ساد المملكة المتحدة حيال تأمين إمدادات الغاز الطبيعي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط 2022، إلا أن توجهها نحو بدائل للغاز الروسي، الذي أوقفته تماماً مع حلول يناير/ كانون الثاني من العام الجاري يجعل من مخاوف الأسر والقطاعات الاقتصادية المختلفة بشأن الأثمان التي سيدفعونها مستمرة إلى أجل غير مسمى، ولا سيما في ظل ارتفاع فواتير استيراد الغاز المسال الأميركي، الذي أضحت المملكة المتحدة تعتمد عليه بشكل غير مسبوق، بجانب الإمدادات الآتية من النرويج ومصادر أخرى.

وما يزيد من القلق حيال الإمدادات، ولا سيما في الشتاء الذي يتصاعد فيه الاستهلاك لأغراض التدفئة في المنازل، افتقار بريطانيا إلى منشآت تخزين الغاز، ما يجعلها عرضة لمشاكل في أوقات البرد الشديد. وعلى مدى 12 شهراً حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022، استوردت المملكة المتحدة 9.7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال الأميركي، بما يعادل 42% من إجمالي واردات الغاز المسال.

بينما تُظهر البيانات الواردة من خدمة تتبع السفن "ICIS LNG Edge" أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، استوردت المملكة المتحدة 3.9 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في عام 2021، وهو ما يمثل 26% من إجمالي واردات بريطانيا.

ويزداد القلق في المملكة المتحدة، من أن تظل أسعار الغاز مرتفعة، خاصة مع تطلع العديد من الدول الأوروبية إلى مصادر بديلة للطاقة بعيداً عن الإمدادات الروسية، ما يجعل هناك منافسة على مصادر التوريد المتاحة.

وبما أن الغاز يُستخدم أساساً لتوليد الطاقة والتدفئة المنزلية والعمليات الصناعية، ويعتمد أكثر من 30% من الأسر في الاتحاد الأوروبي على الغاز لتدفئة منازلها، شهدنا ارتفاع أسعار الطاقة بالجملة في المملكة المتحدة، بسرعة من النصف الثاني من عام 2021 فصاعداً، واستمرت في الارتفاع برغم محاولات حماية العديد من المستهلكين في البداية من خلال وضع سقف لأسعار الطاقة.

ففي بريطانيا، أدخل منظم الطاقة "أوفجيم"، سقف أسعار الطاقة، في يناير/ كانون الثاني 2019، لأن الكثير من الناس، ولا سيما أولئك الذين لم يغيروا المورد للعثور على صفقات أرخص، كانوا يدفعون الكثير مقابل طاقتهم.

وكان من المقرر أن يرتفع الحد الأقصى مرة أخرى بنسبة 80% اعتباراً من 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 لنحو 24 مليون شخص في إنكلترا واسكتلندا وويلز.

بيد أن حكومة المملكة المتحدة، قدمت "ضمان أسعار الطاقة"، ما أدى إلى تجميد فواتير الطاقة للأسر التي تستخدم كمية نموذجية من الغاز والكهرباء عند حوالى 2500 جنيه إسترليني حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وهذا يقل بمقدار 1000 جنيه إسترليني تقريباً عن الفواتير النموذجية التي كانت سترتفع إلى ما دون الحد الأقصى الذي كانت مقررة زيادته.

ورغم أن الدعم الحكومي يكبح الضغوط التي تتعرض لها الأسر، إلا أن هذا الدعم قد لا يدوم طويلاً، وخاصة في ظل التراجع الاقتصادي الذي تتعرض له الدولة.

تواصلت "العربي الجديد" مع لوسي من مكتب إعلام "صندوق توفير الطاقة" (منظمة مستقلة في بريطانيا)، للتعرف إلى تأثير الواقع الجديد والفواتير الباهظة للغاز لتدفئة المنازل خاصة في فصل الشتاء، فقالت إن المنظمة نشرت تقارير عدة على موقعها بهذا الشأن.

وأشارت إلى أن المنظمة دعت حكومة المملكة المتحدة، إلى توفير المزيد من التمويل الطارئ للأسر التي هي في أمسّ الحاجة إليها لحماية الناس من ارتفاع تكاليف الطاقة، وإلى إمكانية اعتماد تدابير أخرى مثل خفض ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة التي يمكنها أن تساعد الأسرة المتوسطة على توفير نحو 90 جنيهاً إسترلينياً شهرياً.

أما على المدى الطويل، فاقترحت المنظمة أن "أفضل طريقة للحكومة للمساعدة في خفض الفواتير هي تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري مع تحسين كفاءة الطاقة في منازلنا، ذلك لأن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية سيؤدي إلى تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري مثل الغاز، ما يساعد على تجنب أزمات الطاقة المستقبلية".

بيد أن الاعتماد على مصادر بديلة للوقود الأحفوري لا يبدو قريب التحقق، لاحتياجها إلى تمويلات كبيرة، بينما يجري في المقابل الاعتماد بشكل متنامٍ على إمدادات الطاقة التقليدية.

وفي السياق، وجه نشطاء في بريطانيا اتهامات إلى شركة النفط النرويجية "إكينور" باستغلال أزمة الطاقة وارتفاع الفواتير على الأسر، لكسب المزيد من الأموال، وفق ما نقلت صحيفة "ذا غارديان"، في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري، وذلك بعد أن كشفت الشركة عن أرباح قياسية سنوية بلغت 62 مليار جنيه إسترليني بنهاية 2022. وتزود "إكينور" بريطانيا بنحو ربع احتياجاتها من الغاز.

وتصاعدت حدة الانتقادات مع إعلان شركات أخرى أرباحاً غير مسبوقة. إذ سجلت أكبر شركة نفط وغاز فرنسية "توتال إنرجي" إحدى أكبر المشغلين في بحر الشمال، أرباحاً سنوية قياسية، بلغت نحو 36 مليار دولار.

وتبدو الحكومة البريطانية قلقة من تنامي سخط المواطنين من بقاء أسعار الطاقة عند معدلاتها المرتفعة، بل ومرشحة للصعود في ظل نهم شركات الطاقة إلى تحقيق المزيد من المكاسب في ظل أزمة الإمدادات المستمرة مع تواصل الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو.

ولحماية المستهلكين، أنشأت الحكومة، وزارة جديدة لأمن الطاقة بقيادة الوزير جرانت شابس. وواجهت دعوات متجددة لتشديد ضريبة الأرباح المفاجئة على مشغلي النفط والغاز في بحر الشمال، على خلفية أرباح شركة "بريتيش بتروليوم" القياسية.

وكان لتدخل جرانت الفضل في الحيلولة دون تركيب إجباري لعدادات دفع مسبق في منازل العملاء من جانب شركات الطاقة في الدولة. كذلك، طالب "أوفجيم" بضرورة تحسين إشرافها على هذه الشركات وتشديد الرقابة على الموردين.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية لـ"العربي الجديد": "نعلم أنه وقت عصيب على العائلات. ولهذا السبب يعملون (الحكومة) على تغطية ثلث فاتورة الطاقة المنزلية النموذجية هذا الشتاء، بالإضافة إلى دعم إضافي يغطي ما يقرب من النصف للفئات الأضعف".

وأضاف: "ستشهد كذلك خطة ECO + (مخطط لمساعدة الأسر على وضع عازل لمنازلهم من خلال المنح الحكومية) الجديدة التي تبلغ تكلفتها مليار جنيه إسترليني، حصول مئات الآلاف من المنازل في جميع أنحاء البلاد على عزل جديد، ما يوفر للمستهلكين حوالى 310 جنيهات إسترلينية سنوياً".

وتابع قائلاً إن "المملكة المتحدة تمتلك نظام طاقة آمناً ومتنوعاً. وعلى النقيض من أوروبا، لا تعتمد الدولة على واردات الطاقة الروسية، وتتمتع بميزة استراتيجية من خلال الوصول إلى احتياطيات غاز بحر الشمال الخاصة بنا، والواردات الثابتة من شركاء موثوقين مثل النرويج ثاني أكبر بنية تحتية لميناء الغاز الطبيعي المسال في أوروبا وإمدادات غاز مدعومة بعقود قانونية قوية واستثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة".

بدوره، قال عدي إمسيروفيتش، زميل باحث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة لـ"العربي الجديد" إن هناك إدراكاً متزايداً لأهمية تخزين الغاز والاستثمار في ذلك كحل استراتيجي، مضيفاً أن "تأثير ارتفاع الأسعار كان خطيراً على الأسر، لكنهم أدركوا، بالقدر ذاته، أن الاعتماد المستمر على المستبدين الأجانب ليس خياراً جيداً".

المساهمون