استمع إلى الملخص
- التحديات العالمية والفساد: الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي تكشف عن تحديات في تحقيق التنمية المستدامة والمساواة، حيث يُعتبر الفساد وسوء الإدارة من العوائق الرئيسية.
- أمثلة من السودان وسوريا: السودان وسوريا تُظهران كيف يؤدي الفساد والنزاعات إلى تدمير الموارد وتفاقم الفقر، مما يؤكد أن المشكلة تكمن في الإدارة وليس في نقص الموارد.
حينما نعلم أن اليابان تفتقر إلى الموارد الطبيعية، عدا السمك، والثروات الباطنية، عدا الماء، وجلّ أسرار تطورها يأتي جراء استثمارها في الإنسان والتكنولوجيا والوقت، نعلم أن حسن إدارة الموارد هو مصدر الغنى والتطور، وليست الموارد نفسها. وإلا لوجدنا روسيا الاتحادية أو دول الخليج العربي وإيران ودولاً أفريقية، تمتلك أكبر ثروات العالم النفطية والغازية والمعدنية، في مقدمة الدول تطوراً وقيمة للناتج الإجمالي. و لكانوا أزاحوا اليابان التي تراجعت العام الماضي إلى رابع أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن فككوا طلاسم وصول ناتجها إلى 4.2 تريليونات دولار.
ولكن، وليستوي القول، أليس من استهداف وأقدار بالفعل، تحول دون تطور بعض البلدان وسرقة مقدراتها، أو إلهائها بنزاعات وحروب لتبدد ثرواتها وتركز على العداء والثأرية، بدل التطور والتنمية ورفاهية الشعوب؟ على الأرجح، الإجابة نعم، ولكن إلى ما قبل الغوص بنظرية المؤامرة بقليل، إذ يمكن لحسن الإدارة التي ترشّد وتحسن استثمار الموارد والكفاءات، أن تبتعد عن دائرة الاستهداف أو تتقي شرور الهيمنة وفخاخ الدول الكبيرة أو المؤسسات الدولية المالية، والتي باتت، عبر التاريخ الحديث والأمثلة، أشكالاً استعمارية معاصرة ومرحباً بها.
قصارى القول: بواقع الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لهذا العام، والتي تستضيفها واشنطن غداً الاثنين، يتوثب على الشفاه سؤال.
لماذا لا تفلح اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، بتحقيق الأهداف التي يعلنانها سنوياً، رغم رفعة وتخصص الحضور الدولي، من نخب ممثلي القطاع الحكومي وقطاع الأعمال والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، وإغراء ونبل العناوين والقضايا، والتي ستركز هذا العام، على ديناميكيات الاقتصاد الغذائي، تسريع وتيرة المساواة بين الجنسين، آليات تحقيق التنمية المستدامة، والتعقيدات التي تواجه الأسواق المالية العالمية.
الإجابة عن هذا السؤال الصعب، أو محاولات الإجابة، لن تبتعد عن الفساد وسوء الإدارة، مهما راوغنا وحاولنا التبرير ورمي الاتهامات على الدول الاستعمارية والإمبريالية، والتي (تلك الدول) لا شك شريكة أو متورطة بأسباب التخلف والتفقير، على الأقل من خلال رعايتها ودعمها للمستبدين حول العالم وافتعالها الحروب والتوتير بين الأطراف المتحاربة، إنْ لتسويق السلاح والدواء أو لتحقيق خطط بعيدة لها علاقة بتفتيت الدول أو سلب خيراتها.
وعبر مثال طازج، أظهر تقرير جديد للبنك الدولي، أن أفقر 26 دولة في العالم يعيش فيها نحو 40% من أشد الناس فقراً (على أقل من 2.15 دولار في اليوم)، وأصبحت مثقلة بالديون بأعلى مستوى منذ عام 2006 وصارت عرضة أكثر للتضرر والفقر والصدمات الأخرى. وكان للعرب، بين تلك الدول، حصة وفيرة تزيد عن نسبتهم من سكان ومساحة وثروات العالم، بعد ورود السودان، والصومال، وسورية، واليمن، ضمن تقرير البنك الدولي عن الدول التي يقل دخل الفرد السنوي فيها، عن 1145 دولاراً.
وإن لم نعد إلى المؤامرة، والتي فيها كثير من المنطق، كما أسلفنا، عبر التطرق للاستهداف ودعم الاستبداد، فيكفي أن نشير إلى توريط الدول الفقيرة بقروض البنك الدولي، مصدر التقرير ومعه صندوق النقد، المجتمعان غداً، والتي (القروض) عادة ما تترافق بوصفات وشروط، تزيد فقر الدول المستدينة وبطالتها وتقضي على القطاعات الحكومية الضامنة للفقراء، وتضع الدول بموقع المنفذ المطيع لوصفة الدائن، وربما المثالان العربيّان الفاقعان هنا، والخارجان عن قائمة البنك الدولي، هما مصر ولبنان.
ولكن، أين نحن من تلك الأسباب، وهل مواردنا لا تكفي لنمد اليد للصندوق والبنك، أو حتى لمؤسسات التنمية التابعة لهما، للاستدانة ووصول نسبة الديون لناتجها الإجمالي بالدول لمثال 72%، وهو أعلى مستوى له منذ 18 عاماً. حتى لو كانت القروض بأسعار فائدة منخفضة، لتبلغ ديوننا ما يفوق السداد وتلزمنا على الخصخصة وتأجير الموارد والقرارات، الاقتصادية وحتى السياسية.
نهاية القول: لنأخذ سورية والسودان، مثالين بعد الذي وصلتا إليه من فقر وتجويع وتهجير، لطالما كانتا ضمن عينة البنك الدولي، وستشهدان توصيفاً لمصائبهما وبحثاً لحلول مشاكلهما غداً في العاصمة الأميركية واشنطن.
فالسودان الغنية بالمياه وفيها أراض زراعية تزيد عن 16 مليون هكتار، تكفي، فيما لو استثمرت، لإطعام المنطقة إن لم نقل العالم، أوصلتها الحرب المندلعة منذ إبريل/نيسان العام الماضي، والمنطلقة أساساً من الفساد، إلى تدمير أصول تجاوزت 500 مليار وبات نصف سكان السودان بين نازح ومهاجر، بعد أن تراجعت موارد الدولة إلى الحدود الدنيا 85%، والصادرات أكثر من 60%، وتراجع إنتاج النفط إلى نحو خمسة آلاف برميل، بعد أن تهدم أكثر من ألف منشأة تعمل في مجالات الصناعة والتجارة والغذاء والدواء، وتراجع الإنتاج الزراعي، ليقل العرض وترتفع الأسعار ويزيد التضخم عن 140% العام الماضي، ذلك كله بالتوازي مع عجز الدولة عن منح الأجور بسبب تراجع الموارد وشح السيولة بعد نهب الأموال التي بلغت نسبتها 38% في مصارف العاصمة الخرطوم فقط.
وأما في مثال سورية، فالطامة أكبر والفساد المسبب لتبديد الثروات والجوع والتهجير أكثر وضوحاً ودلالات. فسكان سورية الذين لا يزيدون عن 20 مليوناً، وقت انطلقت الثورة عام 2011، كانوا يتكئون على نحو 380 ألف برميل نفط يومياً، واحتياطي فوسفات يضع البلاد ضمن أهم ثلاثة بلدان في العالم، بنحو ثلاثة مليارات طن ولم يتم استخراج أكثر من 0.17% من "الاحتياطي الهائل"، لأن الإنتاج لم يزد عن 3.5 ملايين طن سنوياً.
كما فيها من الثروات الزراعية، بشقيها النباتي والحيواني، ما يطعم دول الهلال الخصيب مجتمعة، بعد أن زاد إنتاج القمح سابقاً عن أربعة ملايين طن والحمضيات والقطن والزيتون عن مليون طن، وفيها، بحكم التنوع الجغرافي، كل ما تحتاجه الأسواق، من خضر وفاكهة. هذا كله عدا عن عراقة الإنتاج الصناعي والاحتياطي النقدي البالغ 18 مليار دولار.
ولعل نعمة الجغرافية وحدها، والتي لم يكن للبعث أو لحكم آل الأسد يد بها، يمكن أن تنقل الشعب السوري لموضع الرفاهية، فيعيش السوريون حياة كريمة متنعمين، أكثر مما ينعم به سكان الخليج، فتوسط سورية وجوارها لأوروبا وكونها معبر لبنان البري الوحيد والطريق الإلزامي من وإلى تركيا، للمنطقة، يدر عليها، عبر الترانزيت وصناعته وخدماته، دخلاً، على الأقل، يبعدها عن تصنيف البنك الدولي ضمن الدول الأكثر فقراً التي تحتاج المساعدات، ليستمر على قيد العيش شعبها البالغة نسبة الفقر بين أفراده اليوم أكثر من 90%.
إذاً، العلة لم تكن يوماً بالثروات ولا بالموارد، بل بالعقول والإدارات الرشيدة التي تحسن استثمار تلك الطاقات، البشرية والطبيعية، ولأن الاستبداد والديكتاتورية، سمتان بارزتان، إنْ للدول التي أوردها تقرير البنك الدولي، أو للتي لم يوردها من المنطقة العربية، فستبقى الدول العربية مرهونة للفقر والتهجير حيناً، وللتيه واحتمالات التفتيت والتلاشي، بقية الأحايين.