تواصل أجهزة التحقيق الأميركية في قضية اتهام رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي روبرت مينينديز، بالحصول على الرشى من رجل الأعمال المصري الأميركي وائل حنا، مسؤول شركة آي إس إي جي حلال "IS EG Halal"، الكشف عن وقائع اقتصادية جديدة خطيرة.
تظهر التحقيقات حجم الخسائر الهائلة التي تحملها فقراء مصر، نتيجة سعي السيناتور، لدى السلطات الأميركية، إلى منح شركة "آي إس إي جي حلال"، المملوكة لــ"حنا" حق إصدار شهادة "حلال" على جميع منتجات اللحوم والأغذية الواردة لمصر من الخارج.
تلقى المدعون العموميون في الولايات المتحدة شهادات مسؤولين بشركات مصرية وأميركية ومراكز إسلامية بنيويورك وواشنطن، وأخرى من البرازيل، وأعضاء ما يسمى بــ"الكتلة المصرية" بمجلس الشيوخ الأميركي، تظهر حجم الخسائر التي تعرضت لها صناعة اللحوم الحلال، وآثارها على ارتفاع أسعار جميع المنتجات الغذائية "الحلال"، التي تأتي من الأسوق الأميركية وأنحاء العالم، خلال العامين الماضيين.
كشفت مصادر لـ "العربي الجديد" على صلة وثيقة بالكتلة المصرية التي تضم 17 نائبا بالشيوخ، ونوابا بمجلس النواب الأميركيين، أن شركة "حنا" التي أسسها عام 2017، تم تشكيلها، عقب علاقة وثيقة بدأت عام 2014، بالملحق العسكري المصري في نيويورك، بطلب من قيادات عسكرية، لإبعاد الشركات غير الموثوق بولائها لنظام 30 يونيو، ورجال الأعمال المشتبه بدعمهم لجماعة الإخوان المسلمين، ممن لهم صلة بالمراكز الإسلامية المكلفة بالإشراف على الذبح الحلال بالخارج.
أوضحت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن رفض وزارة الزراعة الأميركية منح شركة "حنا" حق احتكار الإشراف على تجارة "الحلال" بالسوق الأميركية، أعقبه إصدار قيادة عسكرية في القاهرة تعليمات بتشكيل لجنة فنية، مطلع عام 2018، تضم أعضاء بهيئة الرقابة على السلع الغذائية، ومدير الطب البيطري بوزارة الزراعة، للسفر إلى واشنطن لإقناع المسؤولين الأميركيين، بأن تمنح شركة "حنا" حق إصدار شهادات الحلال بمفردها، واعتبارها ممثلة للحكومة المصرية، مع حقها الاستعانة بمن تراه من أعضاء بالمراكز الإسلامية وأي من الشخصيات المسلمة، في مباشرة عمليات الذبح بالمسالخ المعتمدة رسميا.
صراع الأجنحة
كشفت مقابلات الشهود التي أجريت الأسبوعين الماضيين، عن صراع الأجنحة داخل الأجهزة السيادية في مصر، حيث ألغت الشركة الوليدة المدعومة من الجيش المصري دور شركات أخرى ظلت تعمل في تجارة اللحوم بعضها وثيق الصلة بالمخابرات العامة، ومنها "ميدي تريد" للحوم والاستيراد، التي عملت لسنوات بالتنسيق مع شركات مصرية وأميركية.
عقب تغيير طاول رئيس المخابرات العامة المصرية منتصف 2018، انفرد الجيش بالدفع بشركة "حنا" وتجميد دور 11 جهة رقابية، تشرف على استيراد اللحوم والأغذية المستوردة، تابعة لوزارات الزراعة والتجارة والصناعة والبيئة والتموين والإفراج الجمركي، وجهاز سلامة الغذاء، وبدأت تبحث عن منفذ قانوني يتيح للشركة احتكار عمليات الاستيراد، من الداخل الأميركي، وتوظيف تلك الشهادة في الهيمنة على باقي الأسواق الدولية.
أوضحت المصادر أن شركة "حنا" لم تتمكن من إزاحة منافسيها إلا بعد حصول "مينينديز" على موافقة رسمية من الحكومة الأميركية، باعتماد شركة "آي إس إي جي حلال" كممثل وحيد للحكومة المصرية، بوساطة قامت بها زوجته نادين أرسلانيان.
واكب ذلك موافقة مجلس الوزراء المصري على الترخيص للهيئة العامة للمواصفات والجودة بالمساهمة في شركة "آي إس جي إي حلال ـ مصر" لتكون الواجهة الجديدة لشركة "حنا" بالقاهرة، تتولى منح شهادة "حلال في مصر" بمشاركة وزارات الأوقاف والزراعة والتجارة والصناعة لمتابعة الصادرات المصرية اللحوم والمنتجات الغذائية الحلال.
ساهمت الحكومة المصرية بنسبة 2% من رأسمال الشركة، وفقا لتصريحات رسمية، وجهت بعدها رسالة للشركات المحلية، تخبرهم، بأنها الجهة الرسمية المشرفة على صادرات الأغذية من مصر والخارج.
بينت المصادر أن شركة "حنا" وظفت السلطة المفوضة منها من قبل الحكومة والقيادات الأمنية، برفع سعر إصدار شهادة "الحلال على منتجات اللحوم من 200 دولار إلى 8 آلاف دولار خلال عامي 2020 و2022 بما مكنها من تحقيق وفورات مالية هائلة، على حساب المستهلكين المصريين".
أشارت المصادر إلى أن احتكار شركة "حنا" للسوق الأميركي، تلاه بسط سطوته على السوق البرازيلي مباشرة عام 2021، وتحكمه بمفرده في باقي الأسواق الموردة لمنتجات الحلال عام 2022، بما رفع سعر طن اللحوم في السوق المصرية من 3600 دولار بالمتوسط عام 2020 إلى 5200 دولار حاليا.
أرباح هائلة
استوردت مصر 862 ألف طن لحوم ومنتجات لحوم شملت الدجاج والكبدة والأحشاء وأجزاء الحيوانات التي تحتاجها المطاعم والفنادق عام 2022، وفقا لبيانات جهاز الإحصاء والتعبئة، في حاويات وزن 27 طنا متريا، بلغت أعدادها 27 ألفا و200 حاوية، بما يحقق دخلا صافيا لشركة "حنا" يبلغ 217 مليون دولار. ودخلت عمليات استيراد وتصدير منتجات الألبان والزبدة والبن البودرة وشرش اللبن ضمن قائمة "الحلال".
أشارت المصادر إلى أن المبالغ الهائلة من احتكار شهادات "الحلال" أغرت وائل حنا لتأسيس شركة من الباطن تعمل لحسابه الخاص، دون علم الأجهزة المصرية، تدير عمليات الوساطة بين المسالخ الأميركية، والموزعين المحللين داخل مصر، بما دفع مسؤوليها إلى تقديم شكاوى ضده لدى الغرفة التجارية الأميركية بالقاهرة، والغرفة العربية البرازيلية في ساو باولو، تتهمه باستغلال معلوماتهم السرية المتعلقة بصفقات الشراء والوكلاء من الطرفين المصري والأجنبي المذكور في عقود الاستيراد، والالتفاف على العملاء بعرض أسعار أقل من شركته الجديدة.
استشهد المبلغون في شكواهم، بأن امتلاك "حنا" لشركتين إحداهما لإصدار شهادة "الحلال" وأخرى لاستيراد المنتجات، منحه سلطة غير مسبوقة مكنته من الإضرار بمصالحهم مع عملائهم، وتوظيف علاقاته بالأجهزة الرقابية، وإدخال لحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات، بهدف تحقيق أقصى ربحية، دون مراعاة خطورة الصفقات على صحة المستهلكين.
شكاوى الشركات المتضررة
أكدت المصادر أن وزارة العدل الأميركية أبلغت السلطات المصرية، بشكاوى الشركات الأميركية المتضررة، حيث طالبت الحكومة بتحديد المعايير التي تعتمدها في عمليات استيراد اللحم الحلال، لتشرف السلطات الأميركية على تنفيذها داخل أسواقها، بما يضمن التنافسية وصلاحية المنتجات، ويحول دون الإساءة للسلع الأميركية.
كما وجهت السلطات البرازيلية، وفقا للمصادر، رسالة مماثلة للسفارة المصرية في ساو باولو تطلب فيها تحديد أسباب طلب الشركة المحتكرة، منتجات أقل جودة ولا تتفق مع مواصفات التوحيد القياسي المتبعة في صفقات اللحوم، منذ سنوات، محذرة من إساءة تلك الصفقات إلى المنتجات البرازيلية، التي أشيع عن دخول دواجن فاسدة منها في الربع الثاني من العام الحالي.
في سياق متصل، قال المدعون الأميركيون إن السيناتور روبرت مينينديز "محتال" وأحد ضحاياه هم شعب مصر الذين يستهلكون اللحوم.
وفي المقابل رفض مينينديز الاتهامات الواردة بالتحقيقات الأسبوع الماضي، التي تتعلق بمخطط لاستغلال النفوذ شمل زوجته نادين أرسلانيان، والمهاجر المصري وائل حنا.
قال ممثلو الادعاء إن الحكومة المصرية، منحت فجأة شركة "حنا" الحق في التصديق على جميع الأغذية الحلال المستوردة إلى مصر، الذي لم يكن لديه كمسيحي خبرة في شهادات الحلال، باعترافه الشخصي، أثناء نظر دعوى أميركية عام 2019، لافتا إلى أن الحكومة المصرية أرادت انتزاع أي سلطة لإصدار شهادات الحلال من جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها الحكومة المصرية جماعة إرهابية لحرمانها من مواردها المالية، لذلك زودته بالأئمة والأطباء البيطريين لتدريبه.
استغلال المسؤولين
تبين التحقيقات في الولايات المتحدة أن السيناتور المتهم بتلقي رشى تدخل لدى السلطات الأميركية لتمرير حماية الوضع الاحتكاري المربح لواردات اللحوم الحلال إلى مصر، لشركة "حنا" وصفه المحققون وفقا لما نشرته جريدة كوارتز الأميركية، الأسبوع الماضي، بأنه "عرض لكيفية استغلال المسؤولين الفاسدين من جميع أنحاء العالم، للقوة الأميركية لحماية مخططاتهم".
وفق موقع جريدة "qz.com" فإن مصر الدولة ذات الأغلبية المسلمة، تشترط ذبح اللحوم ونقلها وفقا للقواعد الغذائية الإسلامية، وظلت تطبق هذه الإجراءات مع العديد من الشركات، المعتمدة حتى عام 2019، إلى أن وافقت على منح شركة "حنا" صكا باعتباره جهة التصديق الوحيدة التي تستورد اللحوم من الولايات المتحدة، ثم من أميركا اللاتينية، فقفزت برسوم التصديق للحاوية سعة 27 طنا، من 200 دولار إلى 5000 دولار بالولايات المتحدة، ومن 250 دولارا إلى 1500 دولار من البرازيل وأوروغواي والأرجنتين، وهو ما أثار انزعاجا لدى مصدري اللحوم، من الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، واحتجاجا علنيا من وزارة الزراعة الأميركية، لدى المسؤولين المصريين، الذين دفعوا تجارة اللحوم إلى جهة احتكارية مخالفة لقواعد السوق أدت إلى زيادة الأسعار للمستهلكين.
قفزة أسعار اللحوم
أشارت الجريدة إلى ما كتبه محللو السوق بوزارة الزراعة الأميركية في حينه، بتهكم شديد، "خلال الفترة التي تشهد انخفاضا بأسعار لحوم البقر الأميركية، يتزايد سعر الأرز الذي يدفعه المستهلكون المصريون مقابل هذه المنتجات"، لافتين إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم بالنسبة للمستهلكين المصريين يرجع إلى الارتفاع الملحوظ في تكاليف شهادات الحلال.
بينت الجريدة أن المواطن الفقير في مصر تحمل زيادة في سعر كيلو اللحم المستورد، قدرها، 0.73 دولار لكل كيلو، عام 2019، أي بما يعادل 20 جنيها وفقا لسعر الدولار في حينه، يرتفع إلى 30 جنيها بالأسعار السائدة منذ فبراير/ شباط 2022، والتي شهدت تضخما إضافيا، بسبب ارتفاع اللحوم عالميا، وتكلفة التوريد وسعر الدولار.
اعتمدت تحليلات الخبراء على تقديرات مستوى المعيشة التي حصرها البنك الدولي لنحو 73% من المواطنين الذين يعيشون على متوسط دخل للفرد بقيمة 6.85 دولارات يوميا، قبل أن تشهد الأسعار موجات غلاء متتالية بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتؤدي إلى تآكل المزيد من دخول الأسر، وتدهور هائل بقيمة الجنيه أفقدته نحو 60% من قيمته.
ارتفع متوسط سعر بيع اللحوم المستوردة في مصر من 60 جنيها عام 2019 إلى 90 جنيها 2020، ما لبث أن ارتفع إلى حدود 160 جنيها 2021 ويصل إلى 240 جنيها 2022، ويتراوح ما بين 280 إلى 320 جنيها حاليا، عدا الأنواع الجيدة للمطاعم والفنادق التي تصل إلى 500 جنيه للحم الجنوب أفريقي و700 جنيه للهولندي.
يتولى مكتب التحقيقات الفيدرالية البحث بدقة عن أسباب قصة "حنا" الملاحق بقضايا احتيال وإصدار شيكات بدون رصيد، قبل 5 سنوات، وصعوده بسرعة الصاروخ ليصبح المسيطر الوحيد على شهادات استيراد جميع الأطعمة الحلال إلى مصر، وكسبه ما يكفي من المال لتقديم الرشوة بمئات الآلاف من الدولارات نقدا وسبائك ذهبية ودفع الرهن العقاري وشراء سيارة مرسيدس لزوجة السيناتور، التي عينها بوظيفة وهمية بشركة اللحوم، وتباهيه بملكيته كميات كبيرة من ساعات "رولكس" والمجوهرات، وشرائه عقارا مقابل 450 ألف دولار، ليصبح مخطط فساد واسع النطاق.
بحلول عام 2020، قال مسؤولون فيدراليون، إن شركة "حنا" أصبحت كيانا حكوميا مصريا فازت باحتكار شامل لإصدار شهادات الأغذية والمشروعات التي تشحن إلى مصر من أي مكان في العالم.
أشار المدعون العامون في التحقيقات الأميركية إلى أن التوسع السريع في أعمال الشركة دفع "حنا" إلى السفر بشكل متكرر ولقائه بسفراء وشخصيات رسمية بالدول المختلفة، لمناقشة قضايا تجارية باسم مصر، وفتح مكاتب في أوروغواي والهند والبرازيل ومصر ونيوزيلندا، مع التخطيط لإنشاء مكاتب بكل من أوكرانيا وفرنسا والصين وأستراليا.
يثير محللون سؤالا بإلحاح: هل كان حنا عميلا للنظام المصري طوال الوقت، أم مجرد انتهازي محظوظ تعثر في موقع نفوذ دولي؟ وفقا لما نشرته صحف أميركية، الأيام الماضية.
اعترف "حنا" في التحقيقات بأنه قبل حصوله على احتكار تصدير اللحوم والأغذية الحلال، امتلك شركة أخرى تقوم بشحن البضائع التي يطلبها مكتب وزارة الدفاع المصرية في واشنطن إلى القاهرة، وتأكيده أنه بصدد إنشاء شركة أخرى تتولى شحن كل ما يبيعه الجيش الأميركي إلى مصر.