فضائح الأموال المخفية: زعماء وسياسيون عرب في وثائق "باندورا"

04 أكتوبر 2021
من احتجاج على حجز أموال المودعين في بنوك لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

في واحدة من أكبر تسريبات الوثائق المالية حول العالم، أظهر تحقيق استقصائي دولي، ورود أسماء حوالي 35 من القادة الحاليين والسابقين، وأكثر من 300 مسؤول حكومي، في ملفات أطلق عليها "وثائق باندورا"، التي تكشف النقاب عن الثروات والمعاملات السرية لقادة عالميين وسياسيين ومليارديرات بينهم زعماء وسياسيون عرب، على رأسهم ملك الأردن عبد الله الثاني وسياسيون لبنانيون، فيما توالت ردود الفعل على هذه التسريبات، ليصف الديوان الملكي الأردني المعلومات التي نُشرت بأنها "غير دقيقة" و"مغلوطة".

واستند التحقيق الاستقصائي، الذي ساهم فيه نحو 600 صحافي، بإشراف الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية "ICIJ"، إلى حوالى 11.9 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للخدمات المالية في دول منها قبرص وبيليز والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين. وسلطت الوثائق، الضوء على أكثر من 29 ألف شركة "أوفشور"، حيث حللها الاتحاد في إطار ادعاءات تتراوح بين الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي.

وضجّت السّاحة اللبنانية بما وصفها محللون بفضيحة "باندورا" التي تطاول سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال نافذين وشخصيات عامة كشفت عنها وثائق التحقيق الاستقصائي.

 وثائق "بانادورا" ذكرت أن ملك الأردن، أسس سلسلة من الشركات في الخارج، 30 منها على الأقل في بلدان أو مناطق تعتمد نظاما ضريبياً متساهلاً

وتشير سكرتيرة تحرير موقع "درج" (عمل على مشروع وثائق باندورا) الصحافية ديانا مقلد لـ"العربي الجديد" إلى أن "التحقيق يكشف معلومات خطيرة تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبأة لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة ويكشف صفقات لشخصيات هاربة أو مدانة ويطاول أيضاً مشاهير في شتّى المجالات، وهذه الوثائق هي الأكبر لشركات "أوفشور" بعد تسريبات وثائق "بارادايس" عام 2017 و"بنما" 2016، خصوصاً أنها تمت عبر 14 شركة وليس من مشغل أو شركة واحدة".

وتلفت مقلد إلى أن شركة "Trident Trust" هي من أكبر الشركات المسرب منها وثائق، إذ بلغت نحو 3 ملايين وثيقة من أصل ما يقرب من 12 مليوناً، وقد تصدر لبنان لائحة الـ"أوفشور" من ناحية عدد الشركات التي تأسست عبر "ترايدنت تراست" والتي بلغت 346 شركة لبنانية يليها 151 شركة بريطانية وهذه مفارقة خطيرة في بلدٍ يشهد هذا الكمّ من مراكمة الثروات وهو يعيش أسوأ انهيار اقتصادي ومالي ومصرفي وأكثر من نصف سكانه تحت خطّ الفقر.

وعلى الصعيد اللبناني، تقول مقلد إن من الأسماء المسربة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (المصنف مع شقيقه طه من أكبر أغنياء لبنان والشرق الأوسط وتبلغ قيمة ثروة كل من الأخوين حسب مجلة فوربس 2.9 مليار دولار)، وكذلك رئيس الوزراء الأسبق حسان دياب (موجود في أميركا ومدعى عليه بانفجار مرفأ بيروت)، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والوزير السابق والمصرفي مروان خير الدين، وصاحب قناة الجديد تحسين خياط، كما تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأميركية بتهم غسل أموال لمصلحة حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي.

وكان اسم ميقاتي قد برز في مشاريع استقصائية دولية مبنية على تسريبات، إذ إنه ناشط في مجال تأسيس شركات الـ"أوفشور". ففي وثائق "بارادايس" التي نشرت عام 2017 وكان "درج" شريكاً في نشرها ظهر أنه أسس شركة "كوربوريت جيت" عام 2014.

وبحسب موقع "درج" كشفت الوثائق عن شركات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بأمل أبو زيد (مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية) كما يأخذ الملف إلى تقاطعات المصالح التي يمثلها الرجل بين الشركات الروسية والتيار الوطني الحر (يترأسه صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل) والنظام السوري وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال.

وتتوقف مقلد هنا لتقول لـ"العربي الجديد": "في بلد يعيش أخطر الأزمات منذ سنتين نجد نخبة سياسية وأوليغارشية (فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة) ما تزال تراكم ثرواتها، بينما ترمى الضرائب والمصاريف والمعاناة كلّها على كاهل الطبقة المتوسطة الدخل والفقيرة التي وحدها تدفع الضرائب، فيما يتهرب منها الأغنياء والطبقة السياسية الفاسدة ويعملون على فتح شركات في الخارج، بطريقة تؤثر حتماً على المالية العامة، من دون أن ننسى ماهية ووظيفة الضرائب التي يجب أن تصرف على الخدمات من طرقات واتصالات وغير ذلك، عدا عن خسارة المودعين أموالهم في المصارف، في وقت هرّبها النافذون من سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال".

وتضيف مقلد "بعضهم يقول إن انشاء شركات أوفشور، أمر قانوني، ولكن غالباً يتم اللجوء إليه من قبل سياسي أو مسؤول إما للتهرب من الضرائب أو أحيانا يفتح شركة ومن ثم يقفلها بعد فترة، سواء لإخفاء أسماء المشاركين أو تمرير نوع من الصفقات".

وتقول "هناك فضائح فساد جمّة مرتبطة بالطبقة السياسية في لبنان التي ما تزال تنجح بمراكمة ثرواتها وتلجأ مع المصرفيين ورجال الأعمال إلى تسجيل شركاتها في الجنات الضريبية بعيداً من الأعين والمحاسبة بينما خسر اللبنانيون ودائعهم ولامست الأزمة في لبنان حد المجاعة".

من جهته يقول المحامي كريم ضاهر، وهو أستاذ محاضر في المالية العامة وقانون الضرائب ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين لـ"العربي الجديد" إنه "يجب ملاحقة المسار الطبيعي لهذه التحويلات والأرصدة والأصول الموجودين خارج لبنان عن طريق شركات أوفشور لمعرفة المنبع الأساسي، وما إذا كانت عبارة عن عمليات تجارية عادية أجريت أو مهنية وبالتالي أصلية أم غير أصلية وتخفي تهرباً ضريبياً، خصوصاً أن هناك الكثير من الثغرات الموجودة في القوانين الدولية والمحلية يصار إلى استغلالها في عمليات كهذه وتجعل منها أصولية مائة بالمائة".

ويضيف ضاهر "السؤال هنا يطرح كيف يمكن لدولة أن تطالب دولة أخرى باسترداد هذه الأموال، ما دام المسؤولون فيها هم المشتبهون وموضع الملاحقة والمتحكمون بمراكز الدولة والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ وفي هذه الحالة يمكن أن نسلك المسار الدولي لحجز الأموال وطلب استردادها عندما تظهر الدولة عاجزة أو تحول دون المحاكمة".

ويشدد على أن التهرب الضريبي واسع الانتشار في لبنان، وبأعلى المراتب دولياً، ولا يقتصر فقط على النافذين والمتمولين، بل على كثير من المواطنين، لافتا إلى أن هذا التهرب يكبد الدولة مليارات الدولارات، بلغت كلفتها عام 2019 نحو 4.5 مليارات دولار، بينما كان الناتج المحلي 55 مليار دولار.

وطاولت "وثائق بانادورا" شخصيات عربية وعالمية بارزة، إذ ذكرت أن ملك الأردن عبد الله الثاني، أسس سلسلة من الشركات في الخارج، 30 منها على الأقل في بلدان أو مناطق تعتمد نظاما ضريبياً متساهلاً. ومن خلال هذه الشركات اشترى 14 عقاراً فخماً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار.

 الوثائق تطرقت إلى نجيب ميقاتي، المصنف مع شقيقه طه من أكبر أغنياء لبنان والشرق الأوسط وتبلغ قيمة ثروة الأخوين حسب فوربس 2.9 مليار دولار

لكن الديوان الملكي الأردني، قال في بيان، أمس، إن التقارير الصحافية التي نشرت حول عدد من عقارات الملك في الولايات المتحدة وبريطانيا "احتوى بعضها معلومات غير دقيقة، وتم توظيف بعض آخر من المعلومات بشكل مغلوط، شوه الحقيقة وقدم مبالغات وتفسيرات غير صحيحة لها".

وأضاف أن "ما قامت به بعض وسائل الإعلام من إشهار لعناوين هذه الشقق والبيوت هو خرق أمني صارخ وتهديد لأمن وسلامة جلالة الملك وأفراد أسرته"، مشيرا إلى أن "الملك تحمّل شخصيا كلفة عقاراته في الخارج".

وبين الأسماء الواردة أيضا في التحقيق الاستقصائي، رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، الذي اشترى عقارا في لندن عبر شركة في الخارج، فيما قال وزير المالية البريطاني ريشي سوناك لفضائية "سكاي نيوز" إن مسؤولي الضرائب في البلاد سينظرون في الوثائق التي نشرت.

كما رفضت روسيا "وثائق باندورا"، معتبرة أنها انطوت على "اتهامات لا أساس لها" بعدما سلطت الضوء على ثروات جمعها أشخاص على ارتباط بالكرملين.

المساهمون