قال محللون ومنتجون كبار في صناعة النفط الأميركي إن "العصر الذهبي لإنتاج النفط الصخري شارف على نهايته"، وإن مستويات إنتاج النفط الصخري الذي منح الولايات المتحدة قوة سياسية واقتصادية خلال القرن الماضي تتراجع بسرعة وبمعدلات كبيرة خلال العقد الجاري.
وحسب تقرير لصحيفة " فاينانشيال تايمز"، فإن إنتاج الآبار في مكامن النفط الصخري الرئيسية يتراجع بسرعة. وبعدما بلغ إنتاج النفط الصخري في مكامن "بيكين" و"براميان"، وهي الآبار الرئيسية في ثورة النفط الصخري، أعلى مستوياته في العام 2019، ورفع حجم الإنتاج النفطي الأميركي إلى 13 مليون برميل يومياً يتراجع، وإن احتياطات الآبار التي تملكها الشركات الصغيرة نفدت.
في هذا الصدد، ينسب التقرير إلى كبير مستشاري الطاقة السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما، رئيس شركة "غولدوين غلوبال استراتيجي" بواشنطن ديفيد غولدوين، قوله إن العصر الذهبي للنفط الصخري اقترب من النهاية". وذكر غولدوين أن النفط الصخري أعاد الولايات المتحدة إلى قمة الإنتاج النفطي في العالم ومنحها الكفاية من النفط والغاز الطبيعي، كما منحها حرية أكبر بالتصرف في الشؤون الدولية.
كما أشار إلى أن وفرة إمدادات النفط الصخري التي تم تسليمها على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية حمت الأميركيين من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والوقود التي هزت الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ما أعطى صناعتها ميزة تنافسية ومنح أسرها دخلًا يمكن إنفاقه في إنعاش الاقتصاد الأميركي.
ومن بين العوامل التي يذكرها تقرير "فاينانشيال تايمز" التي ساهمت في نهاية "العصر الذهبي للنفط الصخري": التكاليف المرتفعة للإنتاج، ونقص العمالة، ونقص رقعة الصخر الزيتي المتاحة للشركات، وضغوط مصارف "وول ستريت" على شركات التنقيب. وترغب المصارف الدائنة لشركات النفط الصخري بتوزيع الأرباح التي حققتها شركات النفط على المستثمرين، وليس إعادة استثمارها في منصات حفر جديدة.
ومع ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 80 دولارًا للبرميل، يقول التقرير إنه لا يزال منتجو النفط الصخري يخشون من ضغوط رأس المال، كما أن الآبار الجديدة باتت تنتج نفطًا أقل.
في هذا الصدد، يقول سكوت شيفيلد، وهو الرئيس التنفيذي لشركة "بايونير ناتشورال ريسورسز"، أكبر منتج للنفط الصخري في البلاد: "لقد انتهى عصر النمو القوي للنفط الصخري في الولايات المتحدة"، ويضيف: "بالتأكيد لم يعد النفط الصخري المنتج المرجح في مستويات العرض والطلب العالمي على النفط".
وعلى الرغم من مخاوف تدهور إنتاج النفط الصخري على مستويات النفط المعروض مقارنة بالطلب العالمي، فهنالك سيناريوهات ترى أنه إذا استمر الاقتصاد الصيني في التعثر وظلت صادرات النفط الروسية قوية على الرغم من العقوبات، وإذا انطلقت بدائل الطاقة التقليدية بسرعة، فإن أسواق النفط العالمية ستكون جيدة الإمداد، وقد يتأقلم العالم بدون إمدادات النفط الأميركية. ولكن في حال لم يحدث ذلك فسيواجه العالم أزمة في إمدادات النفط.
ويرى التقرير أنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن المستهلكين في العالم يفقدون تعطشهم للنفط، على الرغم من جهود بعض الحكومات لإزالة الكربون من اقتصاداتها وخفض الانبعاثات.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إن العالم سيحرق 1.7 مليون برميل إضافية يوميًا في عام 2023، ليصل الاستهلاك العالمي للنفط إلى مستوى قياسي يبلغ حوالي 102 مليون برميل في اليوم. ويتوقع بنك "غولدمان ساكس" قفزة في الطلب النفطي هذا العام بمقدار 2.7 مليون برميل في اليوم، وهو ما سيدفع أسعار النفط للارتفاع مرة أخرى فوق 100 دولار للبرميل.
حقبة جديدة من قوة الدول الخليجية
في الشأن ذاته، يحذر المحللون والمسؤولون التنفيذيون من أنه مع تفكك نظام الطاقة العالمي القائم بسرعة، فقد يدخل العالم مرحلة من التقلبات في سوق النفط، وستعاني الدول المستوردة من مشاكل اقتصادية، لكنهم يرون أن أزمة تراجع النفط الصخري ستقود إلى حقبة جديدة من القوة للدول المنتجة للنفط، خاصة السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى التي تشكل مجموعة منتجي أوبك.
وخلال العقد الماضي بات النفط الصخري ينافس إنتاج أوبك، وهو ما أوجد ما أطلق عليه خبراء النفط "طلب النفط الجديد"، كما يقول جيف كوري، كبير خبراء أبحاث السلع الأساسية في "غولدمان ساكس". ويشير كوري إلى أن تراجع إنتاج النفط الصخري سيدفع العالم إلى "النظام النفطي القديم" الذي كان يخضع لـ"هيمنة أوبك".
من جانبه، يقول رئيس شركة "كوانتوم إنيرجي بارتنرز" الأميركية ويل فانلوه، أحد أكبر مستثمري الأسهم الخاصة في النفط الصخري: "لقد هدأ العالم حقًا بنجاح ثورة النفط الصخري"، ويضيف: "سيطرت الولايات المتحدة على الأسعار من هيمنة أوبك، لأننا أصبحنا المصدر الوحيد لنمو إمدادات النفط على مستوى العالم. ولكن فجأة تغير كل ذلك".
وتواجه شركات النفط الصخري الأميركية ارتفاع كلف التشغيل، فبحسب التقرير: "بلغ متوسط كلفة حفر بئر النفط الصخري 7.3 ملايين دولار فقط في عام 2019، لكنها باتت تكلف 9 ملايين دولار هذا العام، وفقًا لبيانات شركة رايستاد النرويجية لأبحاث الطاقة، بينما ارتفع سعر الحفر 100 قدم من 75000 دولار في عام 2020 إلى 100000 دولار. كما ظلت بعض الحفارات والأدوات الأساسية موجودة دون صيانة لأشهر وتحتاج الآن إلى التجديد.
ويرى التقرير أنه حتى لو كانت لدى الشركات الإرادة ورأس المال لحفر المزيد من الآبار، كما يقول بعض المشغلين، فلن يتمكنوا من القيام بذلك بسرعة، نظرًا للحالة السيئة لبعض المعدات وقيود القوى العاملة. ربما تكون أكبر عقبة أمام النمو هي مصارف "وول ستريت".
شهدت سنوات ازدهار الصخر الزيتي إنفاق المشغلين باستمرار التدفقات النقدية، وضخ عشرات المليارات من الدولارات من رأس المال الخارجي لتمويل عمليات الحفر الخاصة بهم.
ويقول رئيس شركة بايونير شيفيلد: "أنتجنا الكثير من النفط وتنافسنا مع أوبك"، مضيفاً: "لقد خفضنا السعر من 30 إلى 20 دولارًا للبرميل على مدار السنوات العشر الماضية على حساب خسارة قاعدة مستثمرينا بالكامل"، لكنه يشير إلى أن التحول كان من صناعة أنفقت 100% من تدفقها النقدي على زيادة الإنتاج، إلى صناعة تعيد استثمار 40 إلى 50% فقط بهدف تحقيق نمو بين صفر و5%.