فاتورة توقف النفط الليبي

03 مايو 2022
تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الخام في أفريقيا (فرانس برس)
+ الخط -
موجة إغلاقات جديدة طاولت العديد من الحقول والموانئ النفطية الليبية خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك بعد إغلاقها من قبل مكونات اجتماعية في الجنوب والوسط والجنوبين الغربي والشرقي، وهو الأمر الذي دعا مؤسسة النفط الوطنية لإعلان حالة القوة القاهرة على ميناءين وحقلين نفطيين توقفا عن العمل والإنتاج.ومنذ أيام توقف الإنتاج في حقلي الشرارة والفيل، بعدما أقفل مسلحون صمامات مؤدية لموانئ التصدير، وهو ما أدى إلى فقدان 330 ألف برميل في اليوم، وخسارة يومية تتجاوز 160 مليون دينار ليبي (حوالي 35 مليون دولار)، وقد أعلن المسلحون أن الإغلاق جاء لعدم امتثال رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، للتحذيرات من تحويل إيرادات النفط لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، والتي أعلنت استلامها 6 مليارات دولار على دفعتين لحساب وزارة المالية في مصرف ليبيا المركزي.
ويأتي هذا التوقف بعد أسابيع قليلة من إعلان صنع الله في يناير/كانون الثاني الماضي تعافي إنتاج ليبيا من الخام، وأن عمليات التشغيل مستمرة لإعادة الإنتاج بشكل تدريجي لمستواه السابق بحوالي 1.4 مليون برميل يومياً.


العالم منزعج

يأتي توقف الإنتاج في ظل محاولات مضنية من الدول الكبرى لخفض أسعار النفط التي تزايدت بصورة كبيرة في أعقاب التعافي العالمي من جائحة فيروس كورونا وازدادت اشتعالاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو الأمر الذي دفع العديد من الدول الصناعية الكبرى للسحب من مخزونات احتياطاتها الاستراتيجية، مما أسهم فعليا في خفض نسبي للأسعار، تزامن مع مخاوف البورصات العالمية من موجة كساد جديدة تجتاح الاقتصاد العالمي، وهو ما ساعد كثيراً في خفض أسعار الخام.
ومن المؤكد أن انخفاض الإنتاج الليبي الناجم عن ذلك التوقف قد يعرقل تحقيق المزيد من الانخفاضات المرجوة للأسعار، خاصة إذا انتقلت الصراعات الليبية الداخلية إلى المزيد من الموانئ والحقول النفطية وبما يعني المزيد من انخفاض الإنتاج.
وقد نشرت سفارة واشنطن لدى ليبيا عبر صفحتها على فيسبوك، قبل أيام، فحوى مباحثات هاتفية دارت ما بين السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند ونائب مساعد وزير الخزانة الأميركية إريك ماير، مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، عبرت فيها الولايات المتحدة عن قلقها بشأن "توقف نصف إنتاج النفط الليبي".
ونقل البيان عن نورلاند قوله إن "الاضطرابات القسرية والممتدة في إنتاج النفط تؤدّي إلى خلق ظروف عصيبة للشعب، بما في ذلك انقطاع الكهرباء ومشاكل إمدادات المياه ونقص الوقود وتدمير البنية التحتية للنفط، ممّا يهدّد مستقبل قطاع الطاقة الليبي وقدرته على الاستمرار في توليد الإيرادات".
ولا شك أن الانزعاج الأميركي والغربي الأكبر لم يكن حيال مصالح الشعب الليبي، ولكنه يكمن في التخوف من الارتفاع مجدداً في الأسعار والذي حدث بالفعل بعد تواتر الأنباء بإغلاق الحقول الليبية، وهو الارتفاع الذي سيتسبب في المزيد من ارتفاع الأسعار على مستهلكي تلك الدول بعد وصولها لأرقام قياسية تسببت في موجة من التظاهرات المنددة بتلك الارتفاعات، خاصة أنها تهدد التكاليف الإنتاجية لكل السلع الأخرى بما يعني تغذيتها لارتفاع جديد في معدلات التضخم التي تتوالى أرقامها القياسية حول العالم.


خسائر فادحة

استبشر الشعب الليبي خيراً بمعاودة الإنتاج العام الماضي وتعويضه بعضاً من خسائره السابقة مع نهاية العام الماضي والذي تجاوزت فيه الإيرادات النفطية حوالي 21 مليار دولار، وانتظر الجميع التفات الحكومة الليبية للمشروعات التنموية المختلفة والمتوقفة منذ عدة سنوات بسبب الحرب، وتزايد ذلك التفاؤل بشدة بعد الارتفاعات القياسية لأسعار النفط والتوقعات بإيرادات تساهم في إحداث نقلة نوعية على مستوى البنية الأساسية والمرافق العامة التي طالت معاناة الليبيين من تراجع مستواها وعدم القدرة على تجديدها.
كما لفت بعض المختصين بالاقتصاد الليبي النظر إلى أهمية استخدام هذه الأموال في دعم ومنح الإعفاءات اللازمة للقطاع الخاص، لتوجيهه للإنتاج بدلاً من استيراد السلع والخدمات ومراقبته وحمايته، وكذلك إعادة تشغيل المصانع التي توقفت بسبب الصراعات والحروب منذ عام 2011، واستكمال المشروعات المتوقفة خاصة في قطاع الإسكان، وهي الإجراءات التي من شأنها العمل على تنويع أنشطة الاقتصاد والهروب من براثن الريعية التي يعاني منها.
ولكن سرعان ما تبخرت تلك التطلعات جراء عودة الخلافات السياسية ومعاودة إغلاق الحقول، وهو الأمر الذي من المؤكد أنه سيتسبب في خسائر كبيرة للشعب الليبي، لن تتوقف فقط عند حدود تأجيل الأحلام حول بنية أساسية محترمة تليق بالشعب وتتناسب مع موارده الضخمة، ولا عند تأجيل المشروعات التنموية المعطلة منذ سنوات، ولكن الخسائر ستمتد بداية إلى ضياع فرصة البيع بأسعار مرتفعة استثماراً للموجة الحالية عالمياً التي ربما لن تستمر طويلاً حال صدْق التوقعات بحدوث أزمة كساد دولية.
كما أنه من المرجح أن تمتد الخسائر كذلك إلى حالة عدم اليقين حول صرف رواتب العاملين في الجهاز الحكومي للدولة في مواعيدها، وهي الأزمة التي طالت المعاناة منها سابقاً، في ظل الصراع بين مؤسسات الدولة ومحاولة تسييس واستغلال حق الموظفين والعاملين في القطاع العام وتوظيف حقوقهم الاقتصادية والقانونية لصالح بعض الفصائل المتصارعة على حساب البعض الآخر، وهو الأمر الذي شكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
وتزداد خطورة احتمال عدم انتظام الرواتب في ظل موجة ارتفاع الأسعار العالمية خاصة أسعار السلع الغذائية الرئيسية جراء الحرب على أوكرانيا، واضطرار الحكومة لدفع المزيد من الأموال لدعم السلع التموينية المقدمة للمواطنين، خاصة الفقراء منهم والذين لا يمتلكون المال الكافي للشراء بالسعر السوقي السائد.

شعب يستحق خدمات راقية

من المؤكد أن الشعب الليبي يستحق الحصول على خدمات أساسية راقية، واستمرار صرف رواتب موظفيه، بالإضافة إلى استمرار الحكومة في تقديم الدعم بشكل منتظم للفئات الضعيفة، علاوة على تحفيز القطاع الخاص ودوره المنتظر في التنويع الاقتصادي، كل ذلك بالإضافة إلى معاودة العمل في المشروعات الحكومية المتوقفة، ولكن كل ذلك يعتمد على النجاح في حل الخلافات السياسية، أو على الأقل الاتفاق على الابتعاد بإنتاج النفط عن تلك الخلافات.
من المرجح أن ورقة النفط باتت صراعاً بين المعسكر الأميركي وحلفائه الأوروبيين من جانب والروس من جانب آخر، وبغض النظر عن مصالح الجانبين، فإنه من المؤكد أن توقف الإنتاج يكبد الإيرادات العامة للدولة الليبية الكثير من الخسائر الذي سيتحملها جميع الليبيين دون استثناء.
المساهمون