يتوارثها الصغار من الكبار... غلاء الملابس في إدلب يدفع الأسر إلى التمسك بقديمها

10 اغسطس 2024
في أحد أسواق إدلب، 12 إبريل 2023 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تدوير الملابس لتوفير التكاليف:** النساء في إدلب، مثل كريمة القش وسعدية الحاج حامد، يحتفظن بالملابس القديمة ويعدّلنها لتناسب الأطفال الأصغر، مما يوفر تكاليف شراء ملابس جديدة.

- **الابتكار في استخدام الأقمشة:** النساء يبتكرن باستخدام الأقمشة القديمة لصنع مستلزمات منزلية وألعاب للأطفال، مثل الدمى والمفارش، مما يساعد في توفير النفقات.

- **الفقر والبطالة:** ارتفاع معدلات الفقر والجوع والبطالة في شمال غربي سورية يدفع الأسر إلى البحث عن حلول بديلة مثل تدوير الملابس لتقليل النفقات وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

دفع غلاء أسعار أنواع الملابس كافة في إدلب شمال غربي سورية النساء إلى الاحتفاظ بما لديهن من قطع قماشية وملابس راحت تنتقل من الابن الأكبر إلى الأصغر، وأحياناً إلى الأحفاد أيضاً، في ظل انتشار الفقر وقلة فرص العمل. فقد أظهرت الصورة العامة للأسواق في إدلب وجود عجز واضح في القدرة الشرائية للناس، وفشلهم وعجزهم عن مسايرة التغيّرات الدائمة في الأسعار التي تتجاوز قدراتهم على تأمين احتياجاتهم اليومية.

في هذا السياق، تقول النازحة كريمة القش (45 عاماً) المقيمة في مخيمات تل الكرامة شمالي إدلب إنها منذ نزوحها عن ريف حماة الشمالي، قبل سبع سنوات، وهي تحتفظ بملابس أبنائها التي تشتريها لهم في الأعياد من أجل الاستفادة منها في كسوة الأولاد بعد انتقالها من الابن الأكبر إلى الأصغر فالأصغر. وتضيف: "أرقعها من هنا وأزينها من هناك وأحدث تغييرات لبعضها وأصغرها أو أوسعها قليلاً لتناسب الطفل الذي سيرتديها، وهو ما وفر عليّ شراء الكثير من الملابس واختصار النفقات".

وتشير إلى حاجة أبنائها الستة للملابس في الأعياد ومع كل موسم صيفي وشتوي مما لا يقل عن تكلفة تصل إلى 1000 دولار سنوياً هي تكاليف الكسوة عدا عن أعباء الحياة الأخرى، وحين عجز زوجها عن إيجاد عمل دائم وزادت المصاريف كثيراً ارتأت أن تعود إلى عادات الأمهات والجدات. وتقول: "يمكن إعادة تدوير الكثير من الأشياء، كصنع الجوارب والقبعات من أكمام الملابس، أو صنع حقيبة جميلة من بنطال الجينز أو الجلد، واستخدام الملابس القديمة التي لم تعد تصلح لأي شيء في التنظيف المنزلي".

أما سعدية الحاج حامد (35 عاماً)، فتقول بينما تشير بإصبعها إلى أحد القمصان التي يرتديها ابنها البالغ من العمر سبع سنوات، قائلة إنه الولد الرابع من أبنائها الذي يرتديها بعد أن صغرت على إخوته الأكبر، فهي تستهلك قطعة الملابس إلى أقصى حد ممكن، لتجعل منها كسوة لجميع أبنائها، ثم تعيد تدويرها حين ولادة مولود جديد في الأسرة، لتجعل منها قماطاً أو غطاءً أو بدلة صغيرة، ولا سيما من الملابس القطنية أو القماشية الناعمة التي يتأخر اهتراؤها.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ولا يقتصر استخدام الألبسة وتدويرها بالنسبة إلى سعدية فقط على الملابس، بل يتعداها إلى صنع الدمى لأطفالها أيضاً، حيث ارتفعت أسعار الألعاب والدمى كثيراً، فشراء أرخص دمية سيكلفهم ما لا يقل عن أجرة يومية كاملة بالنسبة إلى زوجها العامل في إحدى مناشر الحجر، وهي 100 ليرة تركية، ويحزّ في نفسها حرمان أطفالها الألعاب كسائر الأطفال في العالم، خصوصاً أنهم في منطقة تخلو من وسائل الترفيه، فلا حدائق ولا ملاهي ولا أراجيح، ولا حتى فسحة صغيرة يستطيع الأطفال اللعب فيها.

وتجمع سعدية كل ما لديها من قطع قماشية وملابس قديمة لتخيطها على شكل لعبة جميلة، صانعة لها الشعر من خيوط الصوف، بينما تطرز ملامح الوجه يدوياً باستخدام سنارة الصوف ذي الألوان المتعددة، لتجعل منها دمية يفرح بها أطفالها. وتذهب سعدية لأبعد من مجالات الألبسة، عبر تحويل القمصان القديمة إلى مفارش للنوم وأغطية للوسائد، ما يختصر عليها الكثير من النفقات إن اشترت كل تلك المستزمات التي لا يمكن التخلّي عنها.

وتعتقد حنان البكور، خريجة اقتصاد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تدوير الملابس هو الخيار الأمثل للأسر شمال غربي سورية وسط كل ما يعانونه من فقر وغلاء من جهة، ومن جهة أخرى تعتبر هذه الصناعة اليدوية البسيطة التي تستطيع كل امرأة أن تمارسها في منزلها وفق ما توفر لديها من إمكانات متاحة، إحدى الوسائل الصديقة للبيئة التي يمكن من خلالها التخلص من مزيد من النفايات وتقليص أثرها السلبي والمدمر على البيئة، ويمكن من خلالها توفير ملابس مستدامة للعديد من الأفراد من ذوي الدخل القليل أو المحدود.

وفي الفترة الأخيرة شهدت مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي البلاد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الفقر والجوع والبطالة، وسط ضعف في الاستجابة الإنسانية فاقم معاناة السكان والنازحين في المنطقة المرتبطة في الأصل بعدم وجود حلول تنهي مآسيهم.

ووصل الفقر في مناطق شمال غربي سورية إلى مستويات قياسية، وفق ما كشفه فريق "منسقو استجابة سورية" في تقرير حديث، وهي المناطق التي يعتمد السكان فيها على الليرة التركية بديلاً من العملة السورية التي واجهت عدة انهيارات متتالية دفعتهم إلى التخلي عنها.

وكشف الفريق في تقريره الأخير الذي يحمل عنوان "مؤشرات الحدود الاقتصادية للسكان"، أنّ حدّ الفقر المعترف به في الوقت الحالي بلغ 10 آلاف و378 ليرة تركية (323 دولاراً)، بينما بلغ حد الفقر المدقع قيمة 8 آلاف و984 ليرة (279 دولاراً).

المساهمون