تتصاعد في تونس الدعوات إلى عصيان ضريبي احتجاجا على قانون موازنة العام الحالي، الذي زاد الضغوط الجبائية على القطاعات والأفراد، وسط توقعات حكومية بجمع أكثر من 40 مليار دينار من الضرائب (نحو 13 مليار دولار) هذه السنة.
ويواجه قانون الموازنة الجديدة الذي دخلت أحكامه حيز النفاذ الإثنين الماضي انتقادات واسعة، بسبب ما تضمنه من إجراءات جبائية، من بينها رفع الضرائب على شاغلي عدد من الوظائف، مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين، من 13% إلى 19%. إلى جانب الزيادة في غرامات التأخير على التصاريح الضريبية ورسوم تسجيل أحكام قضائية، فضلا عن فرض ضريبة على ثروة العقار بقيمة 0.5 بالمائة.
والخميس الماضي، نفّذ المحامون الشبان وقفة احتجاجية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة تنديدا بما اعتبروه إجراءات جبائية مجحفة في قانون المالية لسنة 2023، ستؤدي إلى إثقال كاهل المواطنين وتمس قدرتهم الشرائية وتحول دون نفاذهم إلى الحق في العدالة.
ووصف عميد المحامين حاتم مزيو، في كلمة ألقاها، قانون المالية بقانون المجبى، مؤكدا أنه تضمن رفعا للدعم على بعض المواد خلافا لما يؤكده رئيس الجمهورية. كما انتقد مزيو غياب أي اجراءات تحفيزية في قانون المالية لدفع الاقتصاد والاستثمار وتشجيع المبادرة الخاصة في البلاد.
يرى الخبير المالي محسن حسن تصاعد التحركات الرافضة أحكام قانون المالية بالأمر الطبيعي، واصفا قانون المالية بالقانون الجبائي.
وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن حكومة نجلاء بودن أقرت قانون مالية يشجّع على العصيان والتهرّب الضريبي، مؤكدا أن الضغط الجبائي في تونس بلغ مستويات قياسية. وأشار الخبير المالي إلى أن كل القواعد العلمية في المجال الجبائي تؤكد أن الضغط الجبائي العالي يسبب آليا التهرب الضريبي.
وتوقّع أن يؤثر التلويح بالعصيان الضريبي إلى هروب قطاعات واسعة نحو السوق الموازية، ما يؤثر على حجم الموارد الجبائية التي تنوي الحكومة تعبئتها هذا العام. وأكد حسن أن العديد من الحلول كانت متاحة أمام الحكومة من أجل تعبئة موارد جبائية إضافية من دون اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة، ومنها توسعة القاعدة الجبائية وتخفيف الأعباء على الأفراد والمؤسسات الملتزمين بالواجب الجبائي.
وأقرت سلطات تونس نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي موازنة بقيمة 69.6 مليار دينار أي ما يعادل 22.4 مليار دولار، مسجلة بذلك زيادة بـ14.5 بالمائة مقارنة بموازنة سنة 2022 (الدولار = نحو 3.1 دنانير). كذلك قدرت الحكومة المداخيل التي سيتم تعبئتها من الضرائب بنحو 40.5 مليار دينار، ما يعادل 13 مليار دولار، بزيادة 12.5 بالمائة عن المداخيل التي جرت تعبئتها العام الحالي.
وتمثل الضرائب مصدر الدخل الأساسي والمباشر لموازنة البلاد، التي تعاني عجزا بأكثر من 7 بالمائة وتحتاج إلى ما لا يقل عن 4.7 مليارات دولار من القروض الخارجية لتوفير النفقات الأساسية المرسمة بالميزانية.
بدوره، أعرب مجلس رؤساء الاتحادات الجهوية بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) عن رفض القطاع الخاص الإجراءات الواردة في قانون الموازنة. وانتقد المجلس بشدة توظيف أعباء جبائية على المؤسسات والقطاعات، معتبرا أنها لا تشجّع على الاستثمار، ملوحا باتخاذ إجراءات "للدفاع عن المؤسسة وعلى ديمومة القطاعات وعلى النسيج الاقتصادي ككل".
أقرت سلطات تونس نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي موازنة بقيمة 69.6 مليار دينار أي ما يعادل 22.4 مليار دولار
وتواجه تونس وضعا اقتصاديا صعبا، فضلا عن تأزم الوضع السياسي بعد إجراء انتخابات برلمانية لم تتجاوز نسبة المشاركة العامة فيها 11 بالمائة. وتبحث منظمات مدنية، من بينها عمادة المحامين والاتحاد العام التونسي للشغل، مبادرة سياسية جديدة لإخراج البلاد من أزمتها في ظل تمسّك الرئيس قيس سعيّد بمواصلة مسار 25 يوليو/ تموز 2021، الذي انفرد بمقتضاه بكل السلطات في البلاد.
وتستعد تونس لإجراء الدور الثاني من الانتخابات البرلمانية من أجل تنصيب مجلس تشريعي جديد يواجه انتقادات بسبب ضعف المشاركة في الانتخابات.
ويؤكد المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، ظهور بوادر لتشكّل كتلة غضب ضد أحكام قانون الموازنة، مؤكدا أن الضغط الجبائي بات منهكا للأفراد والقطاعات.
وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد": سلطة تونس تكرّس دولة الجباية، مرجحا تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأشهر القادمة.
وبالإضافة إلى الأعباء الضريبية، يواجه الأفراد والمؤسسات في تونس نسبة فائدة بنكية عالية تعيق تطوير الاستثمار في البلاد، حسب المختصين في الشأن الاقتصادي.
ومؤخرا، قرر البنك المركزي التونسي رفع سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة إلى 8 بالمائة، في ثالث زيادة من نوعها خلال سنة 2022.
وقال البنك المركزي التونسي، في بيان صادر عن مجلس إدارته، إن "الهدف من زيادة سعر الفائدة هو مكافحة الضغوط التضخمية وإعادتها إلى مستويات مستدامة على المدى المتوسط، والحفاظ على مخزون الأصول من العملات الأجنبية وتهيئة الظروف لتحقيق انتعاش اقتصادي صحي ومستدام وحماية القدرة الشرائية للمواطنين".