غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

28 مارس 2024
أوضاع يُرثى لها تكابدها الأسر الغزاوية بسبب العدوان (جهاد الشرافي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأخلاق والحقوق تتجاوز الحدود الجغرافية والهويات، مع تأكيد على موقف جنوب أفريقيا الداعم للحقوق بغض النظر عن المكاسب المادية، في مقابل تجاهل بعض الحكومات العربية للمعاناة الإنسانية بدعمها لحكومة الاحتلال.
- تناقض في السياسة والاقتصاد يظهر من خلال دعم الدول العربية للاقتصاد الإسرائيلي عبر المستوردات، حتى في أوقات الحرب، متغاضية عن الأخلاق والقيم الإنسانية من أجل المصالح الاقتصادية.
- وجود أفراد ودول تدافع عن الحق والعدالة، مثل استقالات في الخارجية الأمريكية ومواقف دول مثل بوليفيا وتشيلي ضد الاحتلال، تؤكد على أهمية الأخلاق وحقوق الإنسان فوق السياسة والاقتصاد.

ليس للأخلاق هوية أو موطن، وإن تغلب كما في جنوب أفريقيا التي برهنت مراراً، أن الأخلاق والحقوق هي مقاييسها بالتعاطي، بصرف النظر عن المكاسب، أو قلت لدرجة الندرة، كما بتعاطي حكومات عربية مع العدوان على غزة، رغم جريان الدم والإبادة، والمتمثل في دعم حكومة الاحتلال بالمال والصفقات والسلاح، إذ لم تتأثر تجارتها رغم مرور 174 يوماً على أبشع إبادة وصمت وتخاذل يشهدها العصر الحديث.

ففي حين يقول وزير اقتصاد الاحتلال، نير بركات، عن شركة "شتراوس غروب" الإسرائيلية للصناعات الغذائية إنها "فقدت خجلها" ويدعو المستهلكين لمقاطعتها، لأنها رفعت الأسعار خلال الحرب على غزة، يرحب الوزير نفسه بمستوردات الدول العربية "الخجلة" لأنها تسد مكان شركات بلاده.

والأنكى تعدد أقنعة الوجوه والتباين الوقح، بين ما نراه ونسمعه على المنابر ومن "زعماء المنطقة" خلال اجتماعات الواجب، وبين المخفي الذي يتكشف تباعاً، عن مساهمة دول عربية وإسلامية، بزيادة قتلى الجوع وطلاب الكرامة والحق، إن عبر الحصار والتآمر، أو إسعاف دولة الاحتلال بما تحتاجه أسواقها وحربها، بعدما انسحب "الشرفاء" على قلتهم، من المشاركة بجريمة الإبادة ومحاولات التهجير وتغيير الجغرافيا بعد تزوير التاريخ.

وربما الأوجع بغياب الأفعال الشعبية، حتى على صعيد التظاهر بمعظم دول المنطقة، أو ندرة المواقف النبيلة، من المسؤولين أو التجار العرب، إن بمصر أو الأردن والإمارات وغيرها، كإلغاء عقد أو نسف اتفاقية أو حتى استقالة احتجاجاً على تمادي الحكومات بالهوان والتآمر لخنق القضية وقتل طلابها.

قصارى القول: بالأمس، وفي الولايات المتحدة التي تقود الحرب على غزة وتمولها، أعلنت مسؤولة في وزارة الخارجية، تعمل في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، استقالتها احتجاجا على دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على غزة.

لتكون استقالة مسؤولة الشؤون الخارجية في "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" أنيل شيلين الثانية لمسؤولين في الخارجية الأميركية احتجاجا على سياسة الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة، بعد استقالة جوش بول الذي كان مسؤولا عن عمليات نقل الأسلحة إلى الحكومات الأجنبية.

وقالت شيلين (38 عاماً): "إني كممثلة لحكومة تعمل بشكل مباشر على تمكين ما قالت محكمة العدل الدولية إنه يمكن أن يكون إبادة جماعية في غزة، فقد أصبح هذا العمل شبه مستحيل، ولعدم قدرتي على خدمة إدارة تسمح بمثل هذه الفظائع، فقد قررت الاستقالة من منصبي في وزارة الخارجية، مضيفة بمقالة نشرتها أمس "المصداقية التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة كمدافعة عن حقوق الإنسان تلاشت بالكامل تقريبًا منذ بدء الحرب".

وربما ما رأيناه من "نبل واحتجاج" الشهر الماضي، من الطيار الأميركي، آرون بوشنل" الذي أحرق نفسه للتنديد بالإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، وهو ينادي أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن "لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية" ويصرخ بعدما أضرم النار بنفسه "الحرية لفلسطين" حتى توقف عن التنفس، دليل آخر على دعاة الحقوق بأوطان اغتصابها.

عدا عن أن 6 دول عربية مطبّعة مع إسرائيل استحوذت على 25% من إجمالي صادرات أسلحتها عام 2022، فهي ترد "المعروف" اليوم لدولة الاحتلال بحيث لا ينقص معروض المنتجات والسلع في أسواقها رغم استمرار العدوان على غزة

ولنزيد التأكيد على عدم تحديد موطن للأخلاق ودعاة الحق، نورد ما قاله رجل الأعمال الإسرائيلي، رون دانيال، الذي غادر دبي المستقر فيها وأعماله منذ عام 2021، بعد السابع من اكتوبر الماضي، خشية أن تلحق به وبشركته "Liquidity Group لإدارة الأصول والتكنولوجيا المالية" الأذى لأنه، حسب وصفه، يجلس على بركان.

لكنه عاد للعمل والربح بدولة الإمارات العربية، بعدما صرح بأن "تلك المخاوف كانت في رأسي بشكل أساسي" وتأتيه الطمأنة لاحقاً، عبر المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش "إن الإمارات ستلتزم بقرارها إقامة علاقات أدفأ مع إسرائيل، بعد قراراتها الاستراتيجية، والقرارات الاستراتيجية طويلة الأجل".

ولا يقتصر مثال الأخلاق على عينة من الإمارات، بل يطاول آخرين، في مصر والأردن وتركيا وغيرها، فعدا أن الدول العربية الست المطبعة مع إسرائيل استحوذت على حوالي 25% من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية في 2022، ترد تلك الدول المعروف اليوم، بحيث لا ينقص معروض المنتجات والسلع بالأسواق الإسرائيلية.

فبحسب وزارة الزراعة الإسرائيلية، واصلت شركات من 24 دولة مدّ إسرائيل بالخضر والفواكه لحل أزمة أمنها الغذائي، لكن شركات من تركيا والأردن صدّرت من الخضار والفواكه لإسرائيل ضعف ما صدّرته شركات بقية الدول الـ22، أي ما نسبته 54.66% من مجموع مستوردات إسرائيل.

في حين لم تزل جنوب أفريقيا تناضل لإحقاق حقوق الفلسطينيين بمحكمة العدل الدولية وتنضم لها دول عدة، آخرها أيرلندا أمس، ودول لا تتاجر بقضية فلسطين ولا بالمقدسات، مثل بوليفيا وتشيلي وكولومبيا وهندوراس، تقطع علاقاتها مع الاحتلال وتوقف الصفقات وتجمّد التجارة، رغم عوزها المالي وضرورة كسب داعمي إسرائيل لمنحها القروض وتصدير الاستثمارات.

نهاية القول: أكيد لا تعمينا أمثلة أخلاقية "شاذة" عن سلوك حكومات دولها بدعم القتل والاستقواء على الشعوب الفقيرة ومد المستبدين بدول العالم الثالث، بكل سبل الديمومة وقهر الشعوب.

بيد أن تلك الأصوات والأفعال النبيلة، غابت عن أهل القضية والمتاجرين بها والحاكمين باسمها. فأن يكون رمي إكسير بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة من الطائرات، آخر بطولات العرب، والوعيد خلال الفتوحات القولية خلال خطب زعماء الدول الإسلامية، آخر مراحل النضال، فتباً لهذا الزمان الرخو وسحقاً لمستقبل يكتبه العملاء بدم المقهورين.

المساهمون