تكررت في السنوات الأخيرة حوادث تعرض الفلسطينيين في قطاع غزة لعمليات احتيال نتيجة استثمارهم مبالغ مالية عبر مواقع على الإنترنت تقوم على فكرة "الاستثمار الهرمي" أو "الشبكي" وهو ما كبد هؤلاء خسائر مالية كبيرة.
وتعتمد فكرة هذه المواقع على وضع مبالغ مالية غير محددة في مقابل قيام صاحبها بالنقر إما من خلال هاتفه الذكي المحمول أو أجهزة الحواسيب على إعلانات تقوم هذه المواقع بعرضها له وتقديم عوائد مالية تحت ادعاء أنها أرباح في مقابل هذه الخطوات.
وخلال السنوات الماضية وقع مئات الفلسطينيين ضحايا لهذه المواقع ليس بفعل الخسارة، وإنما نتيجة الإغلاقات المفاجئة التي كان يقوم بها القائمون على هذه المواقع وبشكل عشوائي ودون سابق إنذار أو حتى إعادة الأموال للمستثمرين فيها.
ورغم تكرار المشهد عدة مرات، إلا أن الجهات الحكومية في غزة التي تديرها حركة "حماس" لم تقم باتخاذ إجراءات صارمة للحيلولة دون وقوع هذه المشاكل، إذ تعمل مكاتب الصيرفة والشركات المالية على تحويل الأموال لهذه المواقع دون ضوابط أو إجراءات رادعة.
واكتفت الجهات الحكومية، ممثلة في وزارة الاقتصاد، بإصدار تنويهات تحث الفلسطينيين في غزة على عدم الاستثمار في هذه المواقع نظراً لعدم مصداقية هذه المنصات وعدم امتلاكها أي سجلات تجارية في الأراضي الفلسطينية أو حتى منطقة الشرق الأوسط.
وتشكل أزمة البطالة والفقر التي تعصف بنحو 2.2 مليون نسمة في غزة دافعاً للفلسطينيين وتحديداً من المتعطلين عن العمل أو أصحاب الدخل المتدني، للهرولة نحو هذه المواقع أملاً في تحسين واقعهم المعيشي في ظل تدني مستوى الدخل.
يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن ما يجري عبر هذه المنصات هو إهدار للمال دون أي استثمار حقيقي، إذ تعتمد على مبدأ وضع المال مقابل الحصول على مال دون أي جهد أو استثمار أو شراء أو بيع منتجات حقيقية.
ويوضح أبو جياب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك فارقاً كبيراً بين عمل هذه المنصات التي تقوم على فكرة "التسويق الهرمي" أو الشبكي وبين التجارة الإلكترونية التي تقوم على عمليات بيع وشراء لمنتجات وسلع من خلال شركات مسجلة وحقيقية.
وبحسب المختص في الشأن الاقتصادي، فإن رغبة الأفراد السريعة بتحقيق الربح دون بذل مجهود كبير وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية تعتبر الدافع الرئيسي للبحث عن هذه المنصات ووضع الأموال فيها أملاً في تبدل ظروفهم.
ويشير إلى أن ضعف الخبرة والثقافة الاقتصادية تعتبر من بين العوامل التي تساهم في تكرار هذه الظاهرة إلى جانب صعوبة تتبعها من قبل الجهات الحكومية باعتبارها منصات تعمل عبر شبكات الإنترنت ولا توجد لها مقرات أو حسابات رسمية.
ولا توجد إحصائيات أو تقديرات رسمية لدى الجهات الحكومية أو المؤسسات الاقتصادية بحجم الاستثمار عبر شبكات الإنترنت في القطاع، غير أن التقديرات أن هناك نسبة غير بسيطة من الفلسطينيين، منهم فئة كبيرة من الشباب قد اتجهوا لهذا المجال خلال السنوات الأخيرة.
ويؤكد مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد في غزة، أسامة نوفل، أن الوزارة تحركت في عدة اتجاهات لوقف عمل هذه المواقع في القطاع، منها التوعية المجتمعية واتخاذ إجراءات قانونية، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجهات الاقتصادية ستلاحق قانونياً كل من يثبت عمله في هذه المنصات أو الترويج لها خلال الفترة المقبلة عبر النيابة العامة، نتيجة لتكرار هذه الحوادث وتعرض مئات الأشخاص لعمليات نصب وتكبد خسائر مالية كبيرة.
ووفق نوفل، فإن الفترة الأخيرة شهدت إجراءات مماثلة طاولت حتى مراكز التدريب المتعلقة بتجارة العملات الإلكترونية في ظل تكرار الشكاوى بشأن التعرض لخسائر مالية كبيرة نتيجة للعمل في هذه المنصات بعيداً عن التجارة الحقيقية.
ويشير إلى أن هناك فارقاً كبيراً بين التجارة الإلكترونية الحقيقية وبين المنصات التي تستند إلى التسويق "الوهمي" أو حتى العملات الرقمية، إلى جانب أن بعض المنصات تستهدف غزة بشكل مقصود نتيجة لاستشعار رغبة السكان في تحسين مصدر دخلهم.
ويعتمد أكثر من 80% من أهالي قطاع غزة على المساعدات الإنسانية، وفقاً للأمم المتحدة، بعد سنوات من الحصار الإسرائيلي والحروب المتكررة. وحسب بيانات صادرة عن وزارة العمل في غزة، مطلع مايو/ أيار الجاري، بلغت نسبة البطالة في القطاع نحو 47%، وفي صفوف الشباب بلغت 74%، وبلغ مجموع المتعطلين عن العمل نحو 317 ألف شخص.