جاءوا كاللصوص وغادروا البلاد كاللصوص أيضاً، ولم يراهم سوى الذين التقوا بهم في اجتماع خطير لم يدم سوى ساعات قليلة.
أمس الأحد زار القاهرة وفد من مجموعة "تمار" الإسرائيلية لإنتاج الغاز الطبيعي، والهدف من الزيارة هو توقيع صفقة ضخمة قيمتها 20 مليار دولار مع شركة "دولفينر" المصرية لتجارة الغاز، وإعطاء الضوء الأخضر للتطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال، والمضي قدماً وبشكل سريع في تنفيذ خطة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي ولمدة طويلة تبلغ 15 عاماً.
الملفت في الأمر أن الوفد الإسرائيلي زار العاصمة المصرية بشكل مفاجئ وغير معلن وفي جنح الظلام، حيث لم يتم الإعلان عن زيارة الوفد سوى ظهر اليوم الاثنين وعقب مغادرته القاهرة بنحو 20 ساعة.
أما عن التوقيت، فهناك عشرات الأسئلة التي تدور حول موعد زيارة الوفد الإسرائيلي للقاهرة، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، ولماذا التوقيع على صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر حالياً رغم مرور نحو عامين على الاتفاق المبدئي الذي تم ابرامه بين شركة "دولفينر" ومجموعة "تمار"، بل إن البعض يطرح سؤالاً عن مدي وجود علاقة بين توقيت إبرام الاتفاق والإعلان عن زيارة السيسي لواشنطن بداية شهر إبريل/نيسان القادم.
ليس هذا هو الشيء الوحيد الملفت في الزيارة والصفقة المريبة، فهناك أمور أخرى تتعلق بطبيعة الشركة المصرية التي أبرمت الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي، ومدى قدرتها على سداد قيمة الصفقة البالغة 20 مليار دولار.
فالواقع يقول إن "دولفينر" مجرد ستار للحكومة المصرية التي تخشي تكرار تجربة الأردن واستيراد الغاز مباشرة من إسرائيل، وبالتالي تتفادى الحكومة هنا الدخول في مواجهة عنيفة وربما صدام شرس مع الرأي العام كما حدث في عمّان مؤخراً بسبب إصرارها على التطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال.
ولذا فضلت الحكومة المصرية هنا اللعب من وراء ستار عن طريق تكليف شركات من القطاع الخاص لاستيراد الغاز الإسرائيلي، على أن تتولي هي سداد قيمة الصفقة، وتحديد أوجه الاستفادة من الغاز المستورد، وتوجيه الحصة الأكبر منه لشبكات إنتاج الكهرباء والصناعات كثيفة الطاقة كالإسمنت والحديد والألمونيوم والأسمدة وغيرها.
ليس هذا هو اللغز الوحيد في صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي، فهناك لغز آخر يتعلق بما أعلنته الحكومة المصرية في عام 2005 من اكتشاف أكبر حقل لإنتاج الغاز، ليس فقط في منطقة البحر المتوسط، بل في العالم كله، وهو حقل "ظهر" الواقع قبالة المياه الإقليمية.
وحسب تصريحات لمسؤولين مصريين فإنه سيتم بدء إنتاج الغاز من حقل ظهر خلال العام الجاري 2017، بل إن طارق الملا، وزير البترول، أكد دخول المرحلة الأولى من الحقل حيز الإنتاج في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول القادم، بكميات تصل إلى مليار قدم مكعبة من الغاز.
إذن، ما دام الغاز سيتدفق على مصر من مواقع انتاج محلية وبهذه الكميات الضخمة، وما دام إنتاج حقل "ظهر"، الأكبر في العالم، سيغطي الاستهلاك المحلي وسيتم تصدير كميات ضخمة منه للخارج، لماذا إذن تبرم مصر صفقة استيراد الغاز من دولة الاحتلال ولمدة طويلة تصل إلى 15 سنة؟ وما الذي يرغم الحكومة المصرية على استيراد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي تتوافر هذه السلعة لدى دول عربية كثيرة وبسعر أرخص منها الجزائر وقطر والعراق وليبيا وغيرها؟
بالطبع، لن أتطرق هنا إلى قصة موقف البرلمان من صفقة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي، ونص الدستور المصري على ضرورة حصول الحكومة على موافقة مجلس الشعب قبل ابرام مثل هذه الاتفاقيات الدولية، فلنا عبرة في اتفاق قرض صندوق النقد الدولي الذي تم عرضه على البرلمان بعد ما يقرب من 6 شهور على توقيع اتفاقية القرض.