"غاز السيارات" ملاذ الجزائريين لكبح فاتورة الغلاء

11 يونيو 2023
غلاء الوقود دفع جزائريين نحو استبداله (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه ورش تركيب قارورات "غاز السيارات" في الجزائر ضغطا كبيرا في الأشهر الأخيرة، بعدما دفع غلاء المعيشة الجزائريين إلى الهجرة نحو استعمال هذه الطاقة كبديلٍ لاقتصاد بعض الدنانير من مصاريف تعبئة الوقود، كنوعٍ من التقشف فرضته الضغوط التي تعيشها القدرة الشرائية لجيوب الجزائريين.

وحسب آخر أرقام شركة "نفطال" (حكومية) لتوزيع الوقود، فقد شهدت عملية تحويل السيارات إلى السير بوقود "الغاز"، إقبالاً كبيراً من طرف الجزائريين، حيث وصل عدد السيارات التي تم تحويلها إلى 20 ألف مركبة خلال الثلاثي الأول.

وفي محطة "خروبة" لتركيب قارورات "غاز السيارات" أو "سيرغاز"، كما يُسمى في الجزائر، طابور طويل من السيارات.

وقال سائقون إن بعضهم يأتي باكرا حتى يضمن شراء قارورة، وإن المحطة تعمل بنظام "الحصة اليومية"، أي تنتج عددا ثابتا يوميا.

وأجمع السائقون الذين التقتهم "العربي الجديد" على أن توجههم إلى استعمال "غاز السيارات" بدل الوقود لم يكن اختياريا، بل فرضته الزيادات التي مست مختلف المواد في الأسواق، وأثرت على جيوب الجزائريين.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يقول سائق أجرة ما بين المحافظات جمال كسوري لـ"العربي الجديد" إن "غلاء المعيشة وارتفاع الإنفاق الأسري حتّم علينا استعمال غاز السيارات عوضا عن البنزين، وحاليا أملأ خزان السيارة في الأسبوع الواحد بقرابة 5500 دينار (50 دولارا)، كل شيء ارتفع إلا تسعيرات نقل المسافرين، بقيت مستقرة، فوزارة النقل رفضت مقترح رفع أسعار النقل، وبالتالي كان الحل في التوجه نحو "سيرغاز".

ويتوقع سائق الأجرة الجزائري أن يوفر أسبوعيا قرابة 2500 دينار (21 دولارا) من مصاريف الوقود، حيث يقول نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إن "ملء قارورة غاز السيارة يكلف من 1000 إلى 1200 دينار للمرة الواحدة، وقد أحتاج إلى خزان ونصف أسبوعيا، لأن استهلاك المحرك لغاز السيارات أقل من استهلاكه للبنزين".

ولم تقتصر هجرة الجزائريين للوقود إلى استعمال غاز السيارات على سائقي الأجرة والناقلين في القطاع الخاص، لتوفير بعض المئات من الدنانير، بل تعدتهم إلى المواطنين الذين باتت جيوبهم المنهكة لا تتحمل مصاريف إضافية "تحرقها" محركات السيارات، وما زاد من إغراء الجزائريين على استعمال "سيرغاز" هو دعم الحكومة لعملية تحويل استهلاك السيارة إلى الغاز المميع من خزينة الدولة.

حيث لا يدفع المواطن إلا 10 آلاف دينار، في حين تدفع الحكومة ما يعادل 300 ألف دينار (222 دولارا)، بالإضافة إلى أن سعر غاز السيارات الذي لا يتعدى 9 دنانير (0.06 دولار) للتر الواحد زاد من استقطاب الجزائريين، بعدما رفعت الحكومة سنوات 2016 و2017 و2018 أسعار الوقود لمواجهة تراجع عائدات النفط، ما قفز بفاتورة الوقود في ميزانية الأسر الجزائرية.

إلى ذلك، كشف موظف في شركة خاصة، حكيم لوكيل، أنه "تردد قبل اتخاذ قرار استعمال غاز السيارات بالنظر للتأثيرات السلبية التي قد يخلفه على محرك السيارة، حسب ما قاله لي البعض، لكن حالة سيارتي القديمة واستهلاكها المفرط للوقود جعلني أختار التحول إلى "غاز السيارات"، خاصة بعدما علمت أن تكلفة وضع القارورة مدعمة وأن سعره جد ضئيل مقارنة بالوقود "بنزين عادي" الذي أستعمله".

يقول سائق أجرة ما بين المحافظات جمال كسوري لـ"العربي الجديد" إن "غلاء المعيشة وارتفاع الإنفاق الأسري حتّم علينا استعمال غاز السيارات


وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "يستهلك الكثير من الوقود بالنظر إلى استعماله اليومي للسيارة مثل الذهاب للعمل وإيصال الأولاد إلى المدرسة. وكل هذا في ظل الزحام المروري الذي تشهده العاصمة يوميا".

وتراهن الحكومة الجزائرية على رقم "مليون سيارة" تستعمل غاز السيارات، وذلك في إطار خطة وضعتها لكبح فاتورة دعم الوقود، بالإضافة إلى حماية البيئة من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، تماشيا مع مخرجات قمة المناخ المنعقد بباريس سنة 2015.

وحسب الخبير في مجال الطاقة مبارك شلوش، فإن "تحول الجزائريين من استعمال الوقود إلى استعمال غاز السيارات يعتبر أمرا منطقيا فرضته الظروف العسيرة التي يمر بها المواطن"، ويبقى الإشكال، حسب شلوش، في "ضعف أو غياب التسويق الحكومي لهذه الطاقة، بالرغم من أن الحكومة تراهن مستقبلا عليها كبديل عن الوقود العادي الذي بات يكلف الخزينة العمومية فاتورة كبيرة، لأن كلفة الإنتاج تساوي 3 مرات سعر البيع".

وحول ما يستفيد منه المواطن من استعمال غاز السيارات، فيقول شلوش لـ "العربي الجديد" إن "السائق سيربح قرابة 110 آلاف دينار (900 دولار) عند قطع مسافة 100 ألف كيلومتر إذا استعمل الغاز بدل البنزين، دون احتساب ما سيوفره من مصارف تغيير بعض قطع الغيار كمصفيات البنزين ".

يذكر أن الجزائر كانت تستورد سنويا ما يقارب 3 ملايين طن من وقود السيارات بفاتورة تعدت مليار دولار، قبل أن توقف الاستيراد وتعتمد على الإنتاج المحلي بدء من 2021.

المساهمون