غارات الحديدة: إسرائيل تقصف معيشة اليمنيين

22 يوليو 2024
ميناء الحديدة، 19 مايو 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تداعيات القصف الإسرائيلي على الحديدة:** استهدفت الغارات ميناء الحديدة ومحطة رأس كثيب الكهربائية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وخروج المحطة عن الخدمة، وتسبب في أزمة اقتصادية حادة ونقص الوقود وانقطاع الكهرباء.

- **التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية:** القصف أدى إلى أزمة في المشتقات النفطية وتعطل شبكة الاتصالات "يمن موبايل"، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

- **التوقعات المستقبلية:** المحللون يتوقعون نتائج كارثية على الاقتصاد اليمني، مع أزمات في إمدادات الوقود والسلع الغذائية وارتفاع تكاليف التأمين والشحن التجاري.

تسود مخاوف واسعة في اليمن من تبعات اقتصادية كارثية الناتجة عن غارات الحديدة التي قامت بها إسرائيل واستهدفت منشآت خدمية في محافظة الحديدة، الواقعة في الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، حيث يتصاعد التوتر مع استمرار الحوثيين في استهداف السفن التابعة لإسرائيل والدول الداعمة لها منذ شهر نوفمبر 2023.

وقالت مصادر ملاحية في الحديدة لـ"العربي الجديد"، إن القصف الإسرائيلي لميناء الحديدة استهدف محطتي "كرينات" (رافعات) مخصصة للحاويات كانت تخضع للصيانة لإعادة تشغيلها بعد فترة من توقّفها بسبب القصف الذي تعرضت له سابقاً من قبل قوات التحالف، إضافة إلى قصف محطة رأس كثيب الكهربائية التي تغذي مدينة الحديدة بالطاقة الكهربائية، فخرجت عن الخدمة. يأتي ذلك بينما كانت المحطة تخضع منذ العام الماضي لعمليات صيانة تستهدف وحدات الإنتاج والتبريد، وخزانات المشتقات النفطية، بحسب مهندسين فنيين في المحطة تحدثوا لـ"العربي الجديد".

وأوضحت مصادر ملاحية، ومسؤولون محليون في الحديدة، أن الحريق وألسنة اللهب المتصاعدة التي شوهدت في المكان، ناجمة عن استهداف خزانات الوقود في الميناء، ومحطة رأس كثيب الكهربائية.

الخبير في الشؤون الاستراتيجية والاقتصادية أحمد سنان رأى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قصف الاحتلال الإسرائيلي بالشراكة مع الولايات المتحدة، الحديدة، يؤكد الارتباط السببي بين ما يجري في فلسطين المحتلة والمواجهة في البحر الأحمر، بصرف النظر عن النوايا المحفزة له. هذا الارتباط تحاول بعض الأطراف نفيه واضعة في الواجهة شعار حرية الملاحة، على الرغم من أنه لم يجرِ الحديث عن تهديدات للتجارة والملاحة الدولية خلال سنوات الحرب التسع في اليمن.

تداعيات غارات الحديدة

أضاف أنه "سبق أن تعرضت الحديدة وميناؤها للقصف المتكرر من قبل قوات التحالف، وقد عاش اليمنيون صدمة الأزمة الاقتصادية التي خلّفها القصف، وعاش سكان الحديدة ذلك أكثر من غيرهم، وقد تعرضت كل الخدمات والبنية التحتية إما للتدمير او للأضرار البالغة التي أخرجتها عن الخدمة".

واعتبر سنان أن قصف الاحتلال الإسرائيلي يمثل جريمة حرب وفقاً لكل التصنيفات، لأنه طاول مواقع مدنية خدمية في الأساس، وبالتالي فإن الغرض منه ليس الانتقام من الحوثيين بقدر ما يأتي رداً على الموقف المجتمعي المساند للفلسطينيين، فلو كان الأمر مقتصراً على الانتقام لكان تم توجيهه إلى وجهة أخرى، مشيراً إلى أن الحديدة لن تكون هي الهدف الوحيد لإسرائيل التي ستوسع دائرة استهدافاتها لتشمل مؤسسات وبنى تحتية أخرى.

وأكد أن هذا القصف والعدوان سيزيد الوضع الاقتصادي سوءا في اليمن فوق ما هو سيئ، وسيحاول الناس التكيف، وسيدفعون ثمناً فوق ما دفعوه في سنوات الحرب. وقال مراقبون لـ"العربي الجديد" إن ما حدث في الحديدة كارثة سيتضرر منها المواطنون الذين سيعانون من تبعات نقص الوقود، وانقطاع الكهرباء وتوقف المستشفيات والمرافق الخدمية، وتدمير البنية التحتية.

وأكدت منظمات مدنية وحقوقية يمنية أن الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الحيوية المدنية في مدينة الحديدة، تشكل جريمة حرب، تفاقم الأزمة الإنسانية الحادة لملايين المدنيين، حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية نحو ست هجمات على منشآت النفط وخزانات الوقود ورصيف وكاترينات ميناء الحديدة، وهجمات على المحطة المركزية لتوليد الكهرباء الواقعة في منطقة رأس كثيب بمديرية الصليف، محافظة الحديدة، شمال غربي اليمن، وأخرجت كافة محطات تزويد مدينة الحديدة بالكهرباء عن الخدمة.

ورصدت "العربي الجديد"، التبعات الكارثية للقصف التي وصلت إلى صنعاء التي تشهد أزمة كبيرة في المشتقات النفطية عقب القصف الإسرائيلي لميناء الحديدة، إذ لوحظ اصطفاف طوابير السيارات أمام غالبية محطات الوقود التي تم رصدها، وسط حالة من الهلع تعم المواطنين وسائقي المركبات والشاحنات، في ظل ارتباك محطات التعبئة العاجزة عن التعامل مع الأزمة.

أزمة دفعت شركة النفط اليمنية في صنعاء لإصدار بيان أكدت فيه أن الوضع التمويني، سواء في محافظة الحديدة أو باقي المحافظات، مستقر تماماً ولا يوجد أي مبرر للضغط على محطات الوقود.

كما شددت على أنها اتخذت الإجراءات والاحتياطات اللازمة لأي طارئ، داعية المواطنين إلى التعاون في حال مخالفة أي محطة للقوانين النافذة والمتبعة، كإغلاق المحطة لخلق أزمة أو رفع التكلفة الرسمية او الامتناع عن تعبئة الوقود.

انعكاسات اقتصادية

وفي الوقت الذي لوحظ فيه تعطل شبكة الاتصالات الحكومية "يمن موبايل"، حيث يوجد في الحديدة أكبر وأهم كابل للاتصالات والإنترنت في اليمن؛ يترقب ملاك محطات الكهرباء التجارية في الحديدة وصنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين المزيد من النتائج التي تظهر تباعاً للقصف الإسرائيلي لميناء الحديدة، قبل تحديد أي موقف أو ترتيبات للتعامل مع ما سيطرأ من أزمات في الوقود وغيرها، قد تؤثر على عمل وتشغيل هذه المحطات التي تدرس بعضها، وفق أحاديث ملاكها لـ"العربي الجديد"، تخفيض ساعات التشغيل وفقاً لكمية الوقود المتوفر لديها.

وتوقع المحلل الاقتصادي صادق علي، لـ"العربي الجديد"، نتائج كارثية على الاقتصاد اليمني الذي يعاني بشكل بالغ بسبب الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي، في حين ستشهد مناطق نفوذ الحوثيين أزمات خانقة في إمدادات الوقود والسلع الغذائية، في ظل الصعوبات والتحديات التي كان القطاع التجاري يواجهها خلال الفترة الماضية، نتيجة تراكم البضائع في ميناء الحديدة، بسبب تدهور وضعيته التي تفاقمت الآن بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي للميناء.

واستبعدت مصادر مسؤولة في صنعاء تحدثت لـ"العربي الجديد"، خروج الميناء عن الخدمة، حيث يتم تقييم الأضرار التي أحدثها القصف، مؤكدة أن هناك جهودا واسعة تُبذل للقيام بما يلزم من أعمال الصيانة لاستمرار عمل الميناء أمام حركة الملاحة التجارية. تأثّر الشحن التجاري وتوقّع صادق علي تأثيرات واسعة على الشحن التجاري إلى اليمن، إذ قد تعيد شركات التأمين تقييم تصنيف اليمن، وبالتالي رفع رسوم التأمين إلى مستويات قياسية، الأمر الذي سينعكس على مضاعفة تكاليف الشحن التجاري، لافتاً إلى أن أياماً صعبة تنتظر الاقتصاد الوطني ومعيشة اليمنيين التي ستتفاقم الضغوط عليها بشكل كبير، إذ يخدم ميناء الحديدة الكتلة السكانية الكبرى في البلاد.

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي، لـ"العربي الجديد"، إن أي استهداف للمنشآت الحيوية له تبعات اقتصادية على البلاد بشكل عام، والبنية التحتية، وتدفق العوائد والحركة التجارية، وصولاً إلى معيشة المواطنين. لافتاً إلى أن قصف الميناء ومخازن الوقود ومحطة الكهرباء في الحديدة سيلقي بظلاله على تدفق الاستيراد للسلع الرئيسية، ويترافق مع هذا الضرر كذلك أثر آخر يتمثل في اختلال تموين مقطورات النقل الثقيل من المشتقات النفطية، حيث سترتفع الأسعار أكثر إذا استمرت مخازن الوقود التي تعرضت للاستهداف من دون إصلاح، لفترة يصعب معها تأمين الكميات المطلوبة من الوقود لضمان استقرار قطاع النقل.

وتابع أن "هذه التغيرات سترمي بثقلها على القائمة السعرية للمواد الاستهلاكية في اليمن كله، لكن التأثير الأكبر سيكون من نصيب المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، لأنها تعتمد في الجانب الأكبر من استيراد السلع والمواد الاستهلاكية على ميناء الحديدة، نظراً لأن موانئها مهيأة لاستقبال سفن حاويات السلع السائبة، بما يوازي فقط 20 إلى 25% من احتياجات المحافظات الواقعة في نطاق إدارتها، فيما تتم تغطية بقية النسبة بالاستيراد عبر ميناء الحديدة".

ولذلك يعتقد الشرعبي أن صنعاء ستجعل الأولوية للاستيراد للمحافظات الواقعة تحت سيطرتها، حرصا منها على استتباب الوضع، وذلك مع تراجع الطاقة الاستيعابية لميناء الحديدة.

المساهمون