من المحتمل أن تشعل عودة النفط الإيراني، حال رفع العقوبات الأميركية، معركة إمدادات إلى السوق الآسيوية، التي كانت تفضل أحد أهم المنتجات النفطية الإيرانية، وهي المكثّفات، أي النفط الخفيف جدا، إذ تعتبر إيران منتجاً رئيسياً لها، فيما تعد كوريا الجنوبية أكبر مُشغل آسيوي للمكثّفات المصممة للتحويل إلى بتروكيماويات تستخدم في صناعة البلاستيك.
وبينما لم تظهر بعد نتائج ملموسة للمباحثات غير المباشرة الجارية منذ نحو شهرين بين واشنطن وطهران حول الاتفاق النووي، ومن ثم رفع العقوبات الأميركية المفروضة منذ مايو/ أيار2018 خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلا أن طهران تتخذ خطوات لاستعادة أسواقها النفطية، لا سيما في آسيا.
وفي السياق، أعلن حسين تنهايي، رئيس الغرفة التجارية المشتركة الإيرانية ـ الكورية، استئناف التجارة بين إيران وكوريا الجنوبية في الأشهر الثلاثة المقبلة، مشيرا إلى أن سیول ستقوم بتسلیم معدات التصنيع والآلات الصناعیة إلى طهران بدلاً من سداد ديونه نقداً.
وأضاف تنهایي، في تصريح خاص لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا"، اليوم الأحد، أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في كوريا الجنوبية تبذل جهوداً كبيرة لاستئناف التجارة مع إيران مع تخفيف الحظر الأميركي، کما أعلنت الشركات الكبرى في هذا البلد عن استعدادها للانضمام إلى القائمة التجارية الإيرانية مرة أخرى.
وتابع: "حجم التجارة بين إيران وكوريا الجنوبية کان یبلغ 4 مليارات دولار قبل الحظر، ويمكننا أن نتوقع استئناف هذا الحجم من التبادلات التجارية مرة أخرى إذا تم تنفيذ الاتفاقيات بين البلدین في غضون الأشهر المقبلة نظراً لاهتمام التجار بالانضمام إلى هذه التبادلات الاقتصادية".
وأكد رئيس الغرفة التجارية المشتركة الإيرانية ـ الكورية أن كوريا الجنوبية غنیة في المجالات التقنية والإلكترونية والبتروكيماوية، ويمكن إقامة علاقات تجارية معها في هذه المجالات.
وكانت كوريا الجنوبية أحد أكبر الأسواق المستوردة للنفط الإيراني قبل العقوبات، وتبلغ قيمة الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الكورية 8 مليارات دولار وفق "إرنا".
وأجرت إیران العديد من المفاوضات مع كوريا الجنوبية لدفع الأموال المجمدة نقدًا إليها أو إرسال الغذاء والدواء لسداد ديونه في العام الماضي، ولكن على الرغم من عقد الاتفاقيات بين البلدین في هذا لمجال لم يتم تنفيذ أي منها، بحسب الوكالة الإيرانية.
لكن مع احتمال إحياء الاتفاق النووي الإيراني بحلول شهر أغسطس/ آب المقبل، ستكون طهران حريصة على استعادة عملائها السابقين في سوق النفط، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالمكثّفات التي تعد منتجاً ثانوياً من حقول الغاز الطبيعي.
واعتادت شركات "إس كيه إنوفيشين" و"هانهوا توتال بتروكيميكال" و"هيونداي أويل بنك" تفضيل المكثّفات الإيرانية بسبب وفرة العرض والأسعار المنخفضة نسبياً، إلا أن العقوبات الأميركية أدت إلى جفاف هذه التدفقات اعتباراً من عام 2019.
وتحوّلت المصافي الكورية الجنوبية بعد ذلك إلى المكثّفات من دول أخرى، منها أستراليا، وكذلك خام غرب تكساس الخفيف والنافثا من أوروبا وأفريقيا.
وقال أرمان أشرف، المحلل في شركة "إف جي إي" للاستشارات الصناعية في سنغافورة، إن "المعركة في سوق المكثّفات ستكون شرسة، وسوف تحتاج إيران إلى عرض إنتاجها بخصم لتحفيز المشترين، وهذا سيحل محل حجم كبير من مكثّفات المراجحة والنافثا في جميع أنحاء آسيا، وسيؤدي أيضاً إلى انخفاض الأسعار".
وسيؤثر الرفع المحتمل للعقوبات على النفط الإيراني على أسواق المكثّفات بشكل أقوى بكثير من النفط الخام، بسبب الأهمية النسبية للإمدادات من إيران. وتم احتجاز أكثر من 100 مليون برميل من إنتاج حقل جنوب فارس على اليابسة في إيران، أو في مخازن عائمة ومترابطة بالخارج، بحسب تقديرات شركة استشارات الطاقة "إف جي إي".
وبعيداً عن كوريا الجنوبية، كانت الإمارات والصين واليابان من بين أكبر المشترين لإنتاج حقل جنوب فارس في إيران قبل العقوبات، إذ كان يُباع النوع بحوالي دولارين للبرميل أو أكثر. وتوجد أكبر قدرة لتقسيم المكثّفات عالمياً بكوريا الجنوبية، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة، وهذا يعني أن هؤلاء المشترين توقفوا عن الشراء من إيران أثناء تطبيق العقوبات. كما لا تعد الصين، التي واصلت شراء كميات محدودة من الخام الإيراني رغم العقوبات، سوقاً رئيسياً للمكثّفات.
ورغم الصعوبات التي تشهدها المباحثات الأميركية ـ الإيرانية حول الاتفاق النووي ورفع العقوبات، فإن هذه المفاوضات بدت أكثر أريحية لقطاع النفط الإيراني، حيث كشف مسؤولون في قطاع النفط الإيراني أنّ شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة تعمل على تهيئة حقول النفط، إلى جانب تعزيز العلاقات مع العملاء، حتى تتمكن طهران من زيادة الصادرات النفطية في حالة التوصل إلى اتفاق مع واشنطن.
ونهاية مايو/ أيار الماضي، قال وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنة، إن إيران يمكنها بسهولة رفع إنتاج النفط إلى 6.5 ملايين برميل يومياً، مضيفا أنه على الحكومة الإيرانية المقبلة التي ستتولى السلطة التنفيذية اعتبارا من 3 أغسطس/ آب المقبل، العمل على ذلك.
واستفادت طهران بالفعل من المناخ الأقل عدائية الذي تبناه الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ انتخابه نهاية العام الماضي، وبدأت إنعاش مبيعات النفط، وإرسال الخام إلى المشترين الصينيين، مما أدى إلى ارتفاع الإنتاج بنسبة 20% تقريباً هذا العام إلى 2.4 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عامين، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبيرغ".
وإذا جرى اتفاق مع الولايات المتحدة، فيمكن لإيران زيادة الإنتاج إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في غضون فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وفقاً لما نقلت "بلومبيرغ" قبل أيام عن إيمان ناصري، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في شركة "إف جي إي" الاستشارية المتخصصة في متابعة الشأن النفطي.
لكنّ البعض الآخر يتوقع عودة أبطأ للإنتاج في فترة تتراوح بين 12 و15 شهراً بعد رفع العقوبات لزيادة الإنتاج إلى 3.8 ملايين برميل يومياً، وفق توقعات رضا باديدار، رئيس لجنة الطاقة في غرفة تجارة طهران، في مقابلة عبر الهاتف مع "بلومبيرغ"، مشيراً إلى أنّ بعض الأعمال المطلوبة لاستعادة القدرة في الحقول، مثل إزالة وصيانة مضخات الآبار المسدودة، يمكن أن تستغرق شهراً واحداً لكلّ بئر.