عودة السوريين من تركيا... حنين تنغصه البطالة والإيجارات

27 اغسطس 2024
سوريون يبنون مخيماً مؤقتاً في منطقة شمال غربي البلاد، 8 فبراير/ شباط 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التحديات الاقتصادية والمعيشية:** يواجه اللاجئون السوريون العائدون من تركيا إلى شمالي سورية ارتفاعاً في الإيجارات وتفاقماً في معدلات البطالة، مما يجعل الأجور غير كافية لتغطية تكاليف المعيشة. تركزت رؤوس الأموال في المشاريع العقارية والتجارية خوفاً من المخاطر الاقتصادية.

- **الكثافة السكانية والفقر:** تعاني مناطق ريفي إدلب وحلب من كثافة سكانية عالية ونسب فقر وبطالة مرتفعة، مما زاد من الضغط على الموارد المحدودة والبنية التحتية الضعيفة.

- **الفرص والتحديات المستقبلية:** رغم التحديات، يمتلك بعض العائدين رؤوس أموال صغيرة أو مهارات مهنية يمكن أن تساهم في تقليل البطالة. ومع ذلك، تظل المنطقة غير مستقرة وتعاني من نقص في الخدمات الأساسية.

حنين وقلق سيطرا على مئات آلاف اللاجئين السوريين العائدين من تركيا طوعاً وقسراً إلى مناطق شمالي سورية، فبينما حمل الكثيرون آمالاً كبيرة في التأقلم مع الواقع، إلا أن الضغوط المعيشية تبدو أكثر تعقيداً، إذ تسبب الطلب المتزايد على السكن في رفع الإيجارات بشكل كبير، وتفاقمت معدلات البطالة في ظل تدني النشاط الاقتصادي، بينما آثرت رؤوس الأموال العائدة الركون إلى المشاريع العقارية والتجارية خوفاً من تبددها.

وتشكو مناطق ريفي إدلب وحلب شمال غربي سورية بالأساس من نسب فقر وبطالة وكثافة سكانية، تكاد تكون من الأعلى عالمياً. وبحسب تقرير في صحيفة يني شفق التركية مطلع الأسبوع الجاري، بلغ عدد السوريين العائدين إلى شمالي سورية منذ مطلع العام الجاري 132 ألف شخص، وبذلك يصل إجمالي عدد العائدين إلى سورية، بحسب المصدر ذاته، إلى 678 ألف شخص منذ عام 2016.

ووسط هذه المعدلات المتزايدة من العودة اتجهت الأنظار إلى انعكاس ذلك على الأنشطة الاقتصادية المختلفة والخدمات، لا سيما في منطقة يقطنها نحو خمسة ملايين نسمة في رقعة لا تزيد مساحتها عن 10.98% من مساحة سورية المقدرة بـ 185 ألف كيلومتر مربع.

يقول العائد قسراً، محمد حاج خلف (54 عاماً) لـ"العربي الجديد": "لم أجد وولدي عملاً، بعد ترحيلنا من إسطنبول من دون ذنب، حينما كنا نصوّب بيانات زوجتي في مديرية الهجرة... المعروض من العمالة في ريف حلب المحرر أضعاف الحاجة، ما يجعل الأجور في حال وجود عمل زراعي أو في قطاع البناء دون تكاليف المعيشة المتقشفة".

ويشير حاج خلف إلى أنه ينتظر تصفية ممتلكاته في تركيا التي يشرف عليها أحد أبنائه "سيارة وموجودات المنزل" عله يقيم عملاً يدر عليه عائداً يكفيه، ولو بالحد الأدنى من أعباء تكاليف المعيشة التي لا تقل عن عشرة آلاف ليرة تركية (294 دولاراً) للأسرة شهرياً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتبدو ظروف المعيشة أكثر صعوبة بالنسبة لمن لا يمتلكون رؤوس أموال تعينهم على البدء في مشروع خاص. لكن هناك من يرى أن بإمكانه استثمار بعض الفرص في ظل الأوضاع الراهنة. ويقول عبد الله إبراهيم (26 عاماً) الذي يعمل في مجال إصلاح السيارات إنه يتحيّن الفرصة للعودة إلى الشمال المحرر، بعد أن أدخل "عبر شركات النقل" ماكينات متطورة عدة لإصلاح السيارات من تركيا إلى محافظة إدلب، ليقيم ورشة، قائلاً "تعبت من الغربة وتنامي العنصرية سأعود طوعاً قبل أن يعيدوني والعمل في قطاع السيارات بالمناطق المحررة فرصه كبيرة ومربح".

وفي السياق، يقول رجل الأعمال السوري المتحدر من إدلب محروس الخطيب لـ"العربي الجديد" إن هناك تأثيرات سلبية وإيجابية بالنسبة للعائدين، فأبرز الإيجابيات تكمن في عودة بعض الرساميل، وإن الصغيرة، التي تؤسس لأعمال تقلل من البطالة وتستثمر المواد الأولية في المنطقة وأبرزها زراعية، فضلاً عن دور بعض النخب، الثقافية أو العلمية والاقتصادية، التي تعود من تركيا، أو غيرها، والتي افتقدها المجتمع المحلي، وهؤلاء يمكن أن ينقلوا خبرات ومهناً تعلموها في تركيا، أو بعضهم ممن لديه ملاءة ورأس مال، يمكن أن يؤسسوا لأعمال واستثمارات "لكنهم قلة قليلة" وهم متريثون لأن المنطقة غير مستقرة وقلما يجازف أصحاب الرساميل بمشروعات ذات دورة رأس مال بطيئة، لذا نرى أعمالاً عقارية وصناعات لمسة أخيرة أو تجارية.

لكن هناك سلبيات وفق الخطيب، تتمثل في أن المنطقة يخيم عليها عدم الاستقرار حتى الآن، وهناك كثافة سكانية كبيرة، والآن بعد الترحيل واضطرار العائد من تركيا لنقل عائلة ارتفعت الكثافة السكانية أكثر، ففضلاً عن خسارة المرحل عمله واستقراره وتعليم أولاده في تركيا، يأتي إلى مناطق غير مجهزة ولا يوجد فيها فرص عمل، ليضاف إلى قوائم البطالة التي لا تقل نسبتها عن 80%، ويرفع بالمقابل إيجار العقارات وربما أسعار بعض المنتجات.

ويلفت إلى أن إقبال السكن أو تأسيس الأعمال يختلف من منطقة إلى أخرى، فهناك مناطق مثل الواقعة شمال منطقة معرة مصرين، الإقبال عليها قليل جداً، في حين أن مناطق إدلب باتجاه تركيا، يشهد الطلب على السكن فيها ارتفاعاً وتتسم بحركة عمرانية متسارعة، بعد أن استقطبت رؤوس أموال، معظمها اشتغل بالعقارات والمراكز التجارية وبعض الصناعات، موضحاً أن "الأمر يبدو وكأن أصحاب الرساميل يخافون من تسليم مناطق إدلب وريفها الشرقي وحتى الجنوبي للنظام". وينسحب هذا وفق الخطيب على ريف حلب أيضاً.

ويشير إلى أن نسبة من يعملون في التجارة والصناعة والحرف لا تتجاوز 15% والباقي نحو 85% يعانون من الفقر، لأن فرص العمل بسيطة وقليلة، بواقع حجم العمل القليل والمتركز في قطاعي العقارات والزراعة الموسمية. ووفق إحصائية مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" يعاني 3.6 ملايين من إجمالي نحو 5.1 ملايين شخص يسكنون مناطق الشمال "المحررة" يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مليونان منهم يعيشون في مخيمات النزوح ومليون طفل خارج المدرسة. وهذه الأرقام أقل مما أوردته منظمة "منسقو استجابة سورية" خلال تقرير أخيراً، حول سكان الشمال السوري المحرر "محافظة إدلب وريفها، درع الفرات، وغصن الزيتون)، تجاوز ستة ملايين نسمة.

وأمام هذه الكثافة الكبيرة والمواد المحدودة، يرى الخبير الاقتصادي محمد حاج بكري أن قدوم اللاجئين من تركيا، سيزيد من "بؤس السكان" إن كانوا طلاب عمل ولا يملكون الأموال أو المهن المكملة للبيئة الاقتصادية، لأن البنية التحية للخدمات محدودة جداً، مشيراً إلى أن المشافي وعدد الأطباء لا يتناسبون مع عدد السكان الكبير، والمشافي الخاصة تفوق أجورها قدرة السكان، والطرق في مناطق ريف حلب المحرر، سيئة جداً، كما ارتفعت أسعار الكهرباء "نحو 4 ليرات للكيلو وات" والماء قليلة، خاصة مياه الشرب.

وحول الآثار التي نتجت عن عودة اللاجئين من تركيا، يضيف حاج بكري المقيم في الداخل، أن العدد بلغ نحو 200 ألف سوري من تركيا، منذ نحو عام، أثروا بالدرجة الأولى على نسبة البطالة التي تزيد بالأساس عن 80% ورفعوا إيجار المنازل من نحو 50 دولاراً قبل عام إلى 125 دولاراً شهرياً حالياً.

ويشير إلى أن العمل ينحصر في الزراعة الموسمية أو البناء، إضافة إلى بعض الفرص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة من صناعات غذائية وجلدية ونسيج، لافتاً إلى أن دخل العامل الشهري يتراوح بين 3 و5 آلاف ليرة تركية، حسب المهارة والفرصة، في حين تكاليف معيشة الأسرة لا تقل، بالحد الأدنى، عن 9 آلاف ليرة تركية، ما يوصل نسبة الفقر إلى أكثر من 90%.

ويقول إن للتحويلات الخارجية الدور الأهم ببقاء السكان على قيد الحياة، خاصة بعد تراجع المساعدات من المنظمات الدولية، فرغم أن الأسعار أقل من تركيا بنحو 50% إلا أن محدودية الدخل تحيل معظم السكان لما دون خط الفقر.

ولكن لوزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المعارضة، عبد الحكيم المصري، رأي آخر، يتمحور أولاً حول "المبالغة في أعداد السوريين العائدين من تركيا"، مؤكداً، بعد تزويد "العربي الجديد" بالبيانات والإحصاءات الخاصة، أن إجمالي العائدين من معابر "السلامة، باب الهوى، جرابلس وتل أبيض" لا يزيدون عن 120 ألف سوري بالحد الأقصى، وليس 200 ألف شخص منذ بداية العام كما تقول بعض وسائل الإعلام. مبرراً تفاوت الأرقام بأن ليس كل سوري يغادر تركيا سيأتي حكماً للمناطق المحررة، فجزء كبير يهاجر بشكل غير نظامي إلى أوروبا وربما جزء يعود لمناطق سيطرة بشار الأسد.

ورأى أن من المبكر الحكم على أثر عودة اللاجئين للداخل المحرر، إذ يمكن أن نرى تأسيس بعض الأعمال كما يمكن للمشروعات الجديدة أن تستفيد من خبرة ومهارة العمالة الوافدة، مضيفاً "لدينا زيادة في استقطاب الأموال... نتمنى أن تزيد الثقة في البيئة الاستثمارية". ويقول إن "أسعار المنتجات والسلع في المناطق المحررة، أقل مما هي عليه في تركيا، ولا يزيد التضخم عن 5%، ولكن هذا لا يعني أن الناس تعيش في بحبوحة، لأن فرص العمل لم تزل قليلة والأجور دون تكاليف المعيشة المرتفعة".

ويضيف: "آثار عودة اللاجئين، لا تظهر اليوم، سلبية أو إيجابية لأن دخول نحو 10 آلاف سوري شهرياً، ليست بالأعداد الكبيرة، رغم أن معظم العائدين من فئة الشباب وقوة العمل ويحتاجون لعمل وسكن، وسيتأثر سوق العمل وأسعار العقارات لا شك، ولكن، ليس كل من يعود عاطلاً عن العمل، بل قد يقيم بعض العائدين أعمالاً، وإن صغيرة، فيعمل ويشغّل غيره بالشمال المحرر، ولنتذكر دائماً اكتساب الخبرة التي كونها العائدون من سوق العمل التركي".

المساهمون