عن سر الحنين إلى أيام مبارك

01 مارس 2020
ليلة تنحية مبارك عن الحكم في فبراير 2011 /AFP
+ الخط -


تعرض القطاع الأكبر من المصريين خلال السنوات الأخيرة إلى ضغوط معيشية وحياتية لا قبل لهم بها، ضغوط تفوق كثيراً قدراتهم المالية ودخولهم المحدودة.

فهناك موجة غلاء وقفزات في أسعار وتكلفة كل شيء، الأغذية بما فيها الأساسيات مثل رغيف الخبز واللحوم والدواجن والخضر والفاكهة، المسكن، المواصلات العامة، مترو الانفاق، القطارات، الكهرباء، المياه، البنزين، السولار، الغاز المنزلي، الرسوم الحكومية، التليفونات والاتصالات، الدروس الخصوصية، مواد البناء، الدخان والتبغ، مصروفات العلاج والتعليم، تكاليف الزواج والطلاق، التأمينات العامة وغيرها.

وصاحب ذلك انهيار في قيمة العملة المحلية عقب قرار تعويم الجنيه المصري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وضعف في القدرة الشرائية للمواطن، وتضخم عالٍ لأسعار السلع والخدمات لم تشهده البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وتآكل في المدخرات المحلية، وثبات في الدخول والرواتب.

كما صاحب قفزات الأسعار، ضعف في فرص العمل، خاصة لخريجي الجامعات، مع استمرار سياسة وقف التعيين في الجهاز الإداري للدولة، وزيادة في الضرائب والجمارك، وقيود على الواردات للحد منها ساهمت في زيادة الأسعار داخل الأسواق، وفرض ضريبة القيمة المضافة على المصانع والمستهلك معاً.

وصاحب كل تلك الارتفاعات والأعباء المعيشية زيادة في تكاليف الحياة بشكل عام خاصة مع استمرار جرائم الفساد والمحسوبية والتهرب الضريبي والرشى ونهب المال العام وغيرها.

ببساطة وجد المصريون أنفسهم مكشوفي الظهر أمام عواصف اقتصادية وأزمات معيشية لم يألفوها بهذا الشكل القاسي، وقفزات في الأسعار لا تنتهي وتطحن عظام الجميع، وديون خارجية ومحلية تزيد أرقامها يوماً بعد يوم، وخفض في الدعم الحكومي المقدم لسلع رئيسية مثل الوقود والكهرباء والمياه، بل وحذف الدعم بالكامل كما حدث مع بعض السلع.


وترجم ذلك حدوث زيادات كبيرة في معدلات الفقر بشهادة الأرقام الحكومية التي تقول إن ثلث المصريين فقراء، وإن الملايين منهم ينتمون إلى دائرة الفقر المدقع الذي يجد المنتمون إليه صعوبة في الحصول على وجبات الغذاء اليومية الكافية.

لو وجد المصريون من يحنو عليهم هذه الأيام ما اشتاقوا إلى فترة حكم مبارك الذي خلعته ثورة شعبية اندلعت في 25 يناير، فترة استمرت ثلاثة عقود عانى خلالها القطاع الأكبر من المواطنين من الفقر والذل والمهانة والبطالة والمتاعب الاقتصادية والفساد والمحسوبية في الوظائف الحكومية وفيروس سي، بل وتدحرج الملايين منهم من الطبقة المتوسطة إلى طبقة الفقر وربما إلى المنتمين إلى الفقر المدقع.

ورغم هذه القسوة المعيشية التي عاشها القطاع الأكبر من المصريين خلال فترة حكم مبارك، إلا أن الملايين منهم تحن هذه الأيام إلى أيامه، لأنها ربما كانت أقل توحشاً مقارنة بما يحدث الآن، أقل غلاظة على الفقراء الذين تدهسهم الأسعار حاليا، أقل تطبيقاً لسياسة "النيوليبرالية" المتوحشة.

إذ حافظ مبارك على الدعم المقدم للسلع الرئيسية، خاصة رغيف الخبز والوقود، وكان يتردد ألف مرة قبل اتخاذ أي قرار بزيادة أسعار السلع التي تمس الشريحة الكبرى من المواطنين، خاصة أسعار البنزين والسولار والمياه والكهرباء.

ورغم تطبيق مبارك سياسة بيع أصول القطاع العام وإطفاء المصانع التي تم بموجبها خروج عشرات الآلاف من العاملين في شركات قطاع الأعمال العام، إلا أنه حافظ على موظفي الجهاز الإداري في الدولة، ولم يقر مبدأ الفصل إلا في أضيق الحدود.

المساهمون