عن خطة إسرائيل تدمير الاقتصاد الفلسطيني

25 نوفمبر 2024
أقارب عمال فلسطينيين طردوا من عملهم في الأراضي الإسرائيلية/معبركرم سالم/3نوفمبر2023(Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشن إسرائيل حروبًا مستمرة مثل حرب غزة، مما يؤدي إلى استشهاد وجرح الآلاف، وتهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وتزييف التاريخ والجغرافيا.
- تفرض إسرائيل قيودًا على حركة العمالة الفلسطينية وتحتجز عائدات الضرائب، مما يرفع البطالة ويؤدي إلى عجز مالي للسلطة الفلسطينية.
- تسعى إسرائيل لعزل الاقتصاد الفلسطيني عن العالم الخارجي، مما يهدد الاستقرار المالي وقد يؤدي إلى انتفاضة جديدة وصراع واسع النطاق.

تعمل حكومة إسرائيل على عدة محاور للقضاء على القضية الفلسطينية وإزالة اسم فلسطين من الوجود، الأول هو شن حروب متواصلة على الشعب الفلسطيني أحدثها حرب الإبادة الجماعية الحالية ضد أهالي غزة التي دخلت شهرها الرابع عشر وأسفرت عن استشهاد ما يقرب من 45 ألفاً وما يزيد عن مائة ألف مصاب أغلبهم من النساء والجرحى، والثاني هو محاولة طمس الهوية الفلسطينية وتزييف التاريخ والجغرافيا والواقع، والثالث هو القضاء نهائياً على أي مقومات للاقتصاد الفلسطيني وتدمير البنية التحتية وشل أنشطة الاقتصاد وتعقيد الحياة أمام الفلسطينيين بحيث يتم تهجيرهم أو السيطرة عليهم وتطويعهم.

وإذا كانت حكومة الاحتلال قد نجحت في القضاء على أي مظاهر للحياة داخل غزة، وإعادة القطاع المحتل إلى ما قبل القرون الوسطى وتسويته بالأرض، فإنه يعمد في الجانب الأخر إلى إحداث انهيار سريع وصادم في الاقتصاد الفلسطيني داخل الضفة الغربية والذي تتحكم إسرائيل في كل مقوماته سواء كان إيرادات نقد أجنبي، أو حصيلة ضرائب ورسوم، وشل أنشطة التجارة الخارجية والتضييق على المعابر وحظر تشغيل العمالة داخل الأراضي المحتلة.

مؤشرات تدمير الاحتلال الاقتصاد الفلسطيني عديدة ويشرف عليها نتنياهو ويقود تنفيذها وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش الذي يتحرك وفق اعتبارات أمنية وأيديولوجية متطرفة ويعمل على تطبيق خطة جهنمية لا تقل تأثيراتها الخطيرة عن مخاطر حرب الإبادة في غزة.

ولم لا، فهو من الداعين منذ سنوات إلى إعادة احتلال الضفة الغربية وفرض سيادة إسرائيل عليها وبناء وتوسيع المستوطنات فيها. بل وأصدر قبل أيام تعليمات للتحضير لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة، قائلاً إنه يأمل تطبيق هذه الخطة العام المقبل. كما تشمل خطة سموتريتش توسيع المستوطنات وبناء المزيد منها ونقل نصف مليون مستوطن جديد إلى الضفة، ليصل العدد إلى مليون مستوطن.

فرض قيود شديدة على حركة العمالة الفلسطينية، إذ أغلقت دولة الاحتلال معابرها وحواجزها مع الضفة بوجه العمالة، ومنعت أكثر من 225 ألف فلسطيني من الوصول لأماكن عملهم

من أبرز ملامح خطة إسرائيل تدمير الاقتصاد الفلسطيني فرض قيود شديدة على حركة العمالة الفلسطينية، إذ أغلقت دولة الاحتلال معابرها وحواجزها العسكرية مع الضفة بوجه العمالة، ومنعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني فيها من الوصول لأماكن عملهم داخل أراضي 48 المحتلة، ومنذ اندلاع الحرب لم يستطع أكثر من 200 ألف عامل إيجاد فرصة عمل بديلة.

ووفق أرقام وزارة الاقتصاد الفلسطينية فإن نحو 300 ألف فلسطيني في الضفة فقدوا وظائفهم خلال العام الماضي، وكان الكثير منهم يعملون في إسرائيل، وأن ما يزيد على 450 ألف عامل فلسطيني فقدوا فرص عملهم داخل فلسطين (الضفة وغزة) خلال الحرب الحالية، ما رفع نسبة البطالة لـ41% بالمجتمع الفلسطيني.

الملمح الثاني هو العمل وفق خطة ممنهجة لحرمان الاقتصاد الفلسطيني من السيولة النقدية سواء بالدولار أو الشيكل، فإسرائيل تستهدف هذا الاقتصاد من خلال احتجاز عائدات وأموال الضرائب "المقاصة" التي تحصلها حكومة الاحتلال وتجمعها نيابةً عن السلطة الفلسطينية وفق اتفاق باريس، ما أدى إلى خفض إيرادات السلطة الفلسطينية بأكثر من 50%، وحدوث عجز مالي مزمن وكبير أدى إلى تأخر السلطة في دفع رواتب موظفيها وتوفير الخدمات لمواطنيها.

ووفق تقديرات دولية فإن العجز المالي المتوقع للسلطة الفلسطينية في عام 2024 سيصل إلى 1.86 مليار دولار، وهو ضعف عجز العام 2023. ومع فقدان ما يزيد عن 200 ألف فلسطيني تصاريح عملهم في إسرائيل، خصوصاً في قطاعات البناء والزراعة والخدمات، وتراجع الأنشطة الاقتصادية في معظم القطاعات، بات من الواضح أن حدوث هزة عنيفة للاقتصاد الفلسطيني أصبح وشيكا، وهو ما حذرت منه مؤسسات دولية منها البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

الملمح الثالث في خطة العمل على دفع الاقتصاد الفلسطيني نحو الانهيار هو عمل حكومة الاحتلال على قطع الصلة بين البنوك الفلسطينية والعالم الخارجي ونظيرتها الدولية، وفصل الاقتصاد الفلسطيني كلية عن القطاع المصرفي الدولي، وقطع روابط الفلسطينيين وتعاملاتهم التجارية بالبنوك الدولية والعربية، وحرمانهم من أي وسائل لتمويل مشاريعهم أو استلام حوالاتهم من الخارج، أو فتح اعتمادات مستندية وإصدار خطابات ضمان ومواصلة تجارتهم الدولية، بل وتتعمد وزارة المالية الإسرائيلية عرقلة نشاط القطاع المصرفي الفلسطيني وإحداث هزات عنيفة به من خلال التهديد المستمر برفض ربط بنوك فلسطين، ما يهدد الاستقرار المالي للسلطة وبنوكها.

تعمل حكومة الاحتلال على قطع الصلة بين البنوك الفلسطينية والخارج، وفصل الاقتصاد الفلسطيني كلية عن القطاع المصرفي الدولي، وقطع روابط الفلسطينيين وتعاملاتهم التجارية بالبنوك الدولية

وهناك ملامح أخرى منها امتناع وزارة المالية الإسرائيلية عن تمويل خدمات أساسية للفلسطينيين في الضفة مثل الكهرباء والمياه، ما زاد من الضغوط المالية على السلطة الفلسطينية.

حملة إسرائيل المنهجية لتدمير الاقتصاد الفلسطيني هي بمثابة لعب بالنار، فهذه الإجراءات العقابية بحق فلسطينيي الضفة قد تشعل فتيل انتفاضة جديدة وتؤدي إلى نشوب صراع واسع النطاق، وهو ما يشكل مخاطر شديدة للاحتلال في ظل وفرة الأسلحة داخل الضفة، وتداخل حياة العرب واليهود في المنطقة، وهو ما سيجعل أحداث السابع من أكتوبر مجرد "نزهة في حديقة" مقارنة باشتعال الضفة، حسب تعبير صحيفة هآرتس العبرية.

المساهمون