عن جدوى خفض قيمة الجنيه المصري

21 مارس 2022
البنك المركزي المصري يخفض قيمة الجنية بأكثر من 15% مقابل الدولار (العربي الجديد)
+ الخط -

تحركت الحكومة المصرية اليوم الاثنين، لاحتواء الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تواجه البلاد، فقد رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 1%، وهناك زيادات أخرى في الطريق لتحقيق عدة أهداف أبرزها مكافحة تضخم الأسعار العالي، وتشجيع المدخرين على الاحتفاظ بالجنيه المصري وعدم الانزلاق نحو حيازة العملات الأجنبية، أو ما يعرف باسم "الدولرة" خاصة مع توجه البنك الفيدرالي الأميركي لرفع الفائدة على الدولار بنحو ما بين 2 و3% خلال العام الجاري.

ومن بين أهداف البنك المركزي من زيادة سعر الفائدة كذلك ضمان إقبال الأجانب على الاكتتاب في أدوات الدين الحكومية، سواء سندات أو أذون خزانة، واستمرار ضخ مليارات الدولارات كأموال ساخنة من الخارج في شرايين السوق المصري وعدم سحب هذه الأموال من قبل الأسواق الغربية مع زيادة الفائدة على الدولار.

من بين أهداف زيادة سعر الفائدة على الجنيه ضمان استمرار ضخ الأجانب مليارات الدولارات كأموال ساخنة في شرايين السوق المصري

علما بأن هذه الأموال الساخنة لعبت دورا مهما في تقوية العملة المصرية وحمايتها من التراجع خلال السنوات الماضية، خاصة وأن قيمتها تجاوز 33 مليار دولار خلال العام المالي 2020-2021، وهو ما يمثل 13% من إجمالي الأوراق المالية المصدرة. 

كذلك أعلنت البنوك الحكومية التابعة للدولة عن طرح أوعية ادخارية جديدة بأسعار فائدة مميزة وصلت إلى 18% سنويا كما حدث في بنك مصر.  

واكب خطوة زيادة الفائدة إجراء تعويم جزئي للجنيه المصري وخفض قيمته بنسبة تزيد عن 15% مقابل الدولار ليقفز إلى أكثر من 18.27 جنيها في بعض البنوك يوم الاثنين مقابل 15.7 جنيها يوم الأحد.

الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليوم الاثنين كانت متوقعة إلى حد كبير حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا والذي كانت له تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري خاصة على مستوى زيادة كلفة الواردات الخارجية بسبب ارتفاع أسعار القمح والحبوب والوقود من بنزين وسولار وغاز وغيره.

فقد شهدت الأيام الماضية عودة السوق السوداء للعملة في مصر قبل رفع الفائدة الأميركية، وهو أمر خطير كان يجب وأده بسرعة، كما قفزت أسعار السلع بشكل جنوني بما فيها سعر الدقيق والرغيف غير المدعوم واللحوم والسلع الغذائية والاستهلاكية ومود البناء من إسمنت وحديد وغيرها.

وشكى ملايين المصريين بمن فيهم الشريحة المتبقية من الطبقة الوسطي من الغلاء الجامح وندرة السيولة رغم توافر معظم السلع في الأسواق.

ورغم أهمية الخطوات التي قام بها البنك المركزي من تعويم جزئي للعملة وزيادة سعر الفائدة إلا أنها ليست كافية بل ويمثل بعضها عبئا على الاقتصاد والمواطن والأسواق، فزيادة سعر الفائدة ليست هي الحل الأمثل لمعالجة مشكلة التضخم، خاصة وأن المشكلة ليست ناتجة من زيادة السيولة الموجودة في حوزة المستهلكين، وبالتالي يتم سحبها من الأسواق عن طريق إغراء البنوك أصحاب المدخرات بعائد أعلى على أموالهم.

زيادة سعر الفائدة ليست هي الحل الأمثل لمعالجة قفزة التضخم، خاصة وأن المشكلة ليست ناتجة من زيادة السيولة الموجودة في حوزة المستهلكين

بل إن معظم أسباب مشكلة التضخم خارجية ومستوردة وناتجة من حدوث قفزات في أسعار السلع التي تستوردها مصر، علما بأن البلاد تستورد نحو 65% من احتياجاتها الغذائية وربما أكثر، وأن فاتورة واردات الأغذية لوحدها تفوق 15 مليار دولار سنويا.

وكلنا شاهدنا القفزات التي شهدتها أسعار الحبوب خلال الفترة الأخيرة خاصة ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف أن سعر القمح قفز بنسبة 60% خلال فترة قصيرة، وكيف أن 13 دولة حظرت تصدير الاغذية.

كما أن روسيا منعت تصدير القمح للجمهوريات السوفييتية السابقة حتى شهر أغسطس/آب القادم، كما أعلنت وزارة الزراعة الروسية أنها تبحث حظر تصدير القمح لكل دول العالم حتى نهاية شهر يونيو/تموز المقبل.

وهناك قفزات أخرى في سعر البنزين والسولار والغاز بسبب زيادات أسعار النفط من 20 دولارا للبرميل في مارس/آذار 2020 إلى نحو 111 دولارا اليوم. 

وخفض قيمة الجنيه المصري ليس هو الحل الناجح لمواجهة الضغوط التي تعاني منها العملة المصرية منذ سنوات، وأبرزها عجز الميزان التجاري، والفجوة التمويلية الضخمة وعجز الموازنة العامة، وأعباء الديون الخارجية الضخمة خاصة مع تفاقم الدين، وتراجع أنشطة مدرة للنقد الأجنبي مثل السياحة، والاعتماد على الأموال الساخنة في تقويه الجنيه.

خفض قيمة الجنيه ليس هو الحل الناجح لمواجهة الضغوط التي تعاني منها العملة المصرية منذ سنوات، وأبرزها عجز الميزان التجاري، والفجوة التمويلية

والتعويم الجزئي للعملة الذي جرى اليوم سيؤدي إلى حدوث قفزات في جميع الأسعار، خاصة وأن فاتورة الواردات تجاوزت 76 مليار دولار في عام 2021، وهو رقم ضخم مقارنة بإيرادات البلاد الدولارية، وأن المواطن سيكتوي بنار تلك الزيادات التي لن تتوقف خاصة مع الضغوط المعيشية التي تعد الحكومة السبب الرئيسي بها.

وبالتالي فإن على صناع القرار في مصر أن يبحثوا عن حلول أخرى لمواجهة الأزمات المعيشية التي يعاني منها ملايين المصريين دون الأرتكان فقط لآليات السياسة النقدية من خفض قيمة الجنيه وزيادة سعر الفائدة.

والبداية تكون بتوقف الحكومة نفسها عن زيادة الأسعار، فلا يعقل أن تلاحق الحكومة المواطن بمزيد من الأعباء المالية وزيادات في الرسوم والضرائب وأسعار الغاز والبنزين والسولار ورغيف الخبز غير المدعوم والسلع التموينية في هذا الوقت الحرج.

وهناك ضرورة لوقف هدر المال العام وبعثرة ثروات اللباد على مشروعات لا تمثل أولوية للمواطن والاقتصاد، كما يجب ترشيد الإنفاق العام خاصة الموجه لإقامة مباني حكومية ضخمة سواء لمجلس الورزاء أو البرلمان أو الوزارات المختلفة، وإعطاء أولوية لقطاعات اقتصادية أهم غير الكباري والجسور، ومنها الأمن الغذائي والتعليم والصحة وتعويم الطبقات الفقيرة وتوفير فرص عمل، والتوقف عن بناء القصور الرئاسية الفارهة، وأكبر مسجد وكنيسة ودار أوبرا في منطقة الشرق الأوسط، فهذه مشروعات لا ضرورة لها حتى في أوقات الرفاهية الاقتصادية.

كما أن على البنك المركزي التحرك بشكل سريع لوأد السوق السوداء للعملة لأنها أصل كل شر، ودليل ذلك ما رأيناه من اضطرابات عنيفة في العام 2016 وقيادة تجار العملة للسوق وتحقيق أرباح ضخمة على حساب الاقتصاد والمواطن. 

المساهمون