عن المصالحة الليبية

15 فبراير 2021
عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الوطنية - ليبيا - تويتر
+ الخط -

خلال الأيام الماضية، شهد المسرح الليبي تطورات إيجابية وأجواء تفاؤل قد تمهد الطريق نحو حل الأزمة السياسية المستعصية في البلاد منذ نحو 10 سنوات، وتضع حدا لحرب أهلية مستعرة منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011.
حرب أكلت الأخضر واليابس، وأدت إلى حدوث انهيار اقتصادي ومالي شامل، وتهاوي قيمة العملة الدينار، وتدهور الأحوال المعيشية للمواطن، وحدوث تدخلات خارجية غذت الصراعات القائمة ونهبت ثروات ليبيا. 
فقبل أيام انتخب أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي في مؤتمر جنيف وبرعاية أممية، رؤساء السلطة المؤقتة لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة المقبلة وحتى إجراء الانتخابات المقبلة.
وحسب مخرجات جنيف تم اختيار رئيس جديد للمجلس الرئاسي الليبي هو محمد المنفي، الذي أعلن أن من الأهداف الأساسية للمجلس المصالحة الوطنية، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وزار مدينتي طبرق وبنغازي الواقعتين شرقي ليبيا.
كما تم اختيار حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة، والذي بدأ بالفعل مشاورات تشكيلها، يعقب تلك الخطوات عمل ترتيبات تتعلق بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل. 
ومن المتوقع أن تشهد مدينة صبراتة الواقعة غرب العاصمة طرابلس، جلسة اليوم الإثنين، بهدف توحيد مجلس النواب الليبي وانتخاب رئيس جديد للمجلس.

والملفت أن هذه الخطوات حظيت بتأييد الفرقاء الليبيين بمن فيهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني، كما حظيت بدعم خارجي حتى من قبل الأطراف الدولية المتحاربة في ليبيا والداعمة للمليشيات والفرق المتصارعة.

وفي حال نجاح تلك الخطوات وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فإن الاستقرار السياسي والأمني قد يعود إلى ليبيا، وهو ما يفتح الباب أمام حدوث استقرار مالي واقتصادي ونقدي، واستعادة جزء من الأموال المنهوبة من قبل نظام معمر القذافي والتي قدرت قيمتها بنحو 200 مليار دولار في العام 2013، والإفراج عن الأموال المجمدة الليبية في الخارج بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن، وتوفير كلفة الصراع الذي يلتهم مئات الملايين من الدولارات سنويا من المواد العامة.
كما أن الاستقرار يمهد الطريق أمام الحكومة لإعادة بناء ليبيا الحديثة، وإصلاح البنية التحتية المتدهورة، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطن من مياه وكهرباء وغيرها، وتوفير السلع الرئيسية مثل الأغذية والوقود، وحل مشكلة السيولة وزيادة الرواتب وتحسين الأجور، والوصول بالإنتاج النفطي الليبي إلى مستويات ما قبل الثورة والبالغ نحو 1.7 مليون برميل يوميا، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الخارجية، وإحياء قطاعات واعدة منها السياحة والخدمات والطاقة والصناعة، وهو ما يساعد الدولة في إعادة بناء احتياطياتها المنهارة من النقد الأجنبي، ودعم الصندوق السيادي الذي تأسس عام 2006 لإدارة واستثمار فوائض العوائد النفطية الليبية وتعرضت أمواله للنهب خلال السنوات الماضية.
استقرار ليبيا أمنيا وسياسيا، ومن ثم اقتصاديا وماليا، لا تقتصر عوائده على المواطن والاقتصاد الليبي فقط، بل تمتد الاستفادة إلى الدول المجاورة خاصة مصر والجزائر وتونس والسودان وتشاد والنيجر.

فليبيا المستقرة يمكن أن توفر فرص عمل لملايين العاطلين داخل هذه الدول، ومتنفس لصادراتها ومنتجاتها، فهي ستكون في حاجة إلى عمالة مدربة تعمل في القطاعات الواعدة مثل إنتاج النفط والغاز والسياحة والاستثمارات الأجنبية والقطاع الإنتاجي.
وليبيا ستكون في حاجة أيضا إلى العمالة غير الماهرة للعمل في قطاعات الزراعة والتجارة والبناء والتشييد والعقارات والبنية التحتية ومد الطرق والإنفاق والكباري وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
ليبيا المنهارة اقتصاديا وماليا يمكن أن تتحول في غضون سنوات من الاستقرار إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، خاصة مع امتلاكها إمكانات فائقة وعدد سكان صغيرا.

فهي بلد غني بالنفط، وتعوم على بحار من الغاز الطبيعي خاصة في مياه البحر المتوسط، وبها آثار قديمة، وشواطئ شاسعة تتجاوز 1777 كم، ولديها فرص ضخمة في جذب الاستثمارات الخارجية خاصة في القطاع السياحي، ومن الممكن أن تكون بوابة الصادرات الأوروبية لأفريقيا والدول العربية.

المساهمون