عن الاقتصاد العربي والانتخابات الأميركية

09 أكتوبر 2020
تأثيرات للانتخابات الأميركي على الاقتصاد العربي (Getty)
+ الخط -

أشاد الرئيس والمرشَّح الجمهوري، دونالد ترامب، في المناظرة التاريخية التي أُجريت في ولاية أوهايو يوم 29 سبتمبر/أيلول 2020 بقدراته وإنجازاته التي لا يمكن، حسب رأيه، لمنافسه الديمقراطي جو بايدن أن يجاريها ولا حتى أن يقاربها، بينما انتقد الأخير غريمه الجمهوري في عدّة نقاط، منها المباشرة بإجراءات شغل المنصب الشاغر في المحكمة العليا قبل قدوم موعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الثالث من نوفمبر/تشرين المقبل وفشله الذريع في التعامل مع جائحة كورونا، وتهرُّبه الضريبي، وإشعال فتيل الانقسامات العرقية، وتهديد السلم المجتمعي، وتعميق فجوة اللامساواة في الدخل بين الفقراء والأغنياء في البلاد.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا، ما محل العرب واقتصادهم من الإعراب في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ تغيَّرت النظرة الأميركية للبلدان العربية كافة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية عام 2001، فقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحد أهم قضايا السياسة الخارجية لأميركا ومادة ساخنة للنقاش في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وانتخابات 2020 الرئاسية لا تختلف عن مثيلاتها السابقة من ناحية التمخُّض عن قائد يجهز على ما تبقَّى من هذه المنطقة الموبوءة بالعنف والمشاكل والصراعات والنزاعات.

فبعدما ساهم كل من جورج بوش وباراك أوباما في تدمير الشرق الأوسط جاء دور دونالد ترامب ليتفوَّق على سلفيه في تقليص الخسائر الأميركية في المنطقة وتسيير معظم دولها على الصراط الأميركي.

 إذ تميَّزت ولايته الأولى باستنزاف غير مسبوق للأموال الخليجية، باستخدام فزاعتي التهديد الإيراني، وإنهاء الحماية الأميركية، واغتيال كل من الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" وزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، والاستمرار في سحب القوات الأميركية من العراق، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وآخرها الإشراف على تطبيع العلاقات الرسمية بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية.

على الرغم من الاعتقاد السائد بأنّ أميركا تتمتَّع باستقلالية من ناحية ثروة النفط إلاّ أنّ هناك قناعة راسخة بفكرة أنّ الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط سيُخلي الساحة لمنافستيها روسيا والصين اللتين تتطلَّعان حالياً لملء الفراغ وتوسيع نفوذهما في المنطقة.

لذلك سيتعيَّن على الرئيس الأميركي القادم تقرير مصير وجود بلاده في المنطقة بناءً على العائد على الاستثمار الذي تُحقِّقه الولايات المتحدة من نموذج تدخُّلها الحالي الذي تطلَّب سنوات عديدة من التخطيط وبرامج التدريب والتجهيز المكثَّفة.

وطريقة تعامل الرئيس ترامب مع الدول العربية، ولاسيَّما الخليجية منها، مهَّدت الطريق للرئيس القادم أن يطالب تلك الدول الراغبة بالاحتماء تحت المظلّة الأميركية بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، والتعاون من أجل تبادل المعلومات والاستراتيجيات المتعلقة بالدفاع الصاروخي ومكافحة الإرهاب وأمن الحدود والمساهمة بشكل كبير في دفع أجور الجنود الأميركيين الموجَّهين للعمل بتلك القواعد.

لأنّ أزمة كورونا وانهيار أسعار النفط المزدوجة وكذا الضغوط الشعبية فرضت واقع محدودية الموارد المالية الذي يستحيل فيه على الولايات المتحدة بناء قواعد للقوات البرية والجوية والبحرية في كل دولة عربية في الشرق الأوسط أو حتى الإبقاء على إنفاقها العسكري السابق في هذه المنطقة الذي قُدِّر، وفقاً لمشروع تكاليف الحرب لجامعة براون The Costs of War project at Brown University's Watson Institute، بأكثر من تريليوني دولار في حرب العراق وحدها وبما يفوق 6.4 تريليونات دولار في باقي الحروب المتعلقة بمكافحة الإرهاب بالمنطقة ذاتها منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

تُعدّ إيران وحدها حلقة بالغة الأهمية في معادلة الشرق الأوسط التي تحاول الولايات المتحدة التحكُّم فيها إلى أبعد حدّ، إذ يتعيَّن على أميركا العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة The Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA) قبل إجراء أيّ مفاوضات جديدة، إضافة إلى ضرورة تحلِّي الرئيس الأميركي القادم بالقناعة الكافية بتقديم حوافز جديدة مهمة فيما يتعلق بتخفيف العقوبات الأميركية على طهران التي سبق أن تجرَّعت مرارة العمل بتلك الخطة التي قوَّضت بدورها الثقة في الوعود الأميركية.

فقد انحازت إيران بشكل أكبر إلى الصين وروسيا وجيرانها، وهي أقلّ اعتماداً في الوقت الحالي على صادرات النفط والتجارة مع أوروبا والاستثمارات الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل أربع سنوات، وبالتالي ستكون مهمة تغيير هذه الوقائع في غاية الصعوبة حتى في ظلّ إدارة بايدن.

كما يبقى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أكبر معضلة في الشرق الأوسط لاسيَّما بعد تبخُّر كل الآمال في الإحياء الفوري للمحادثات المحتضرة بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول 2017 عندما اعترف الرئيس ترامب بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل بشكل رسمي، وتمادى بعد ذلك في اتِّخاذ سلسلة من الإجراءات كوقف التبرُّعات الأميركية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والإشراف على إعداد خطة "السلام من أجل الازدهار"، وإطلاق العنان لموجة غير مسبوقة من التطبيع في العلاقات بين إسرائيل وبعض من الممالك الخليجية.

ويمكن لسيرك الانتخابات الأميركية الحالي أن يُحدث تغييراً في هذه المعضلة، حيث يعني فوز ترامب استمرار الضوء الأخضر لصالح إسرائيل وبقاء الضوء الأحمر في وجه التطلُّعات الفلسطينية وشفط أموال الخليج حتى آخر دولار.

وبالمقابل من المرجَّح أن تقوم إدارة بايدن بلعب دور الوسيط في هذا الصراع من خلال إطلاق شرارة استئناف الجهود لإعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مع تحقيق بعض المكاسب الصغيرة للفلسطينيين دون إلغاء التقدُّم الحاصل في كفّة الإسرائيليين بعد عقود من الركود، مع المضي قُدماً في مشوار التطبيع مع الدول العربية ذات المواقع الاستراتيجية الهامة من أجل إحكام القبضة على الممرّات البحرية البالغة الأهمية.

خلاصة القول إنّه سواءً نجح بايدن أو ترامب في انتخابات 2020، فإنّ اقتصاد أغلب الدول العربية سيظلّ عالقاً بين مطرقة المصالح الأميركية وسندان أسعار النفط والقروض والمساعدات الخارجية، إذا يعكس الواقع حقيقة مُرّة واحدة لا غير مفادها أنّ كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة الأميركية، ولاسيَّما منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حرصوا بشكل جديّ على زعزعة استقرار المنطقة العربية والإبقاء على هشاشة اقتصادها ومباركة فساد حكامها من أجل ضمان تعاسة شعوبها ونهب ثرواتها.

المساهمون