تمر تونس حاليا بمرحلة حرجة، سياسياً واقتصادياً ومالياً، على المستوى الاقتصادي، هناك حكومة مهددة بالرحيل في ظل شبهة تعارض مصالح تلاحق رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ المتهم بمخالفة القانون والدستور عبر حصول شركات يساهم فيها على صفقات من الدولة، وعدم تخليه عن إدارة ثلاث شركات بعد توليه منصبه الرسمي الرفيع، وإذا ثبًت القضاء تهمة تحقيق الفخفاخ إثراء غير مشروع واستغلاله النفوذ، فإن مستقبله السياسي ومستقبل حكومته بات على كف عفريت.
ليست هذه هي الأزمة الوحيدة التي تواجه الفخفاخ، فهناك وضع اقتصادي واجتماعي مأزوم تمر به تونس، يصاحبه تزايد في تردي الوضع المعيشي للمواطن، وزيادات متواصلة في معدلات أسعار السلع والخدمات والبطالة والفقر.
وهذا الوضع دفع مجلس شورى حركة النهضة قبل أيام إلى تفويض رئيس البرلمان راشد الغنوشي للدخول في مفاوضات من أجل تغيير الحكومة، والبحث عن بديل لها تكون لديه القدرة على إيجاد حلول لهذه الأزمات التي تشهد تعقيداً شديداً لأسباب عدة.
من بين هذه الأسباب تداعيات أزمة كورونا الخطيرة على الاقتصاد، وتوسع رقعة الإضرابات العمالية التي عطلت نصف إنتاج البلاد من النفط، حيث دخل محتجون في محافظات الجنوب (تطاوين) في اعتصامات مفتوحة وإضراب عام منذ أيام ما تسبب في حدوث شلل تام للمؤسسات النفطية، وتوقف الإنتاج في 4 شركات بترولية كبرى توفر نحو 45% من إنتاج تونس من الغاز والنفط.
وكذا تتواصل الاعتصامات في محافظة قفصة التي تسببت في وقف إنتاج الفوسفات، الذي تمثل عائداته 10% من إجمالي إيرادات صادرات البلاد، وهذه الإضرابات تؤثر سلباً على صادرات البلاد، خاصة صادرات الطاقة والفوسفات.
وإلى جانب الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم بسبب التداعيات الحالية، هناك قطاع سياحة يتعرض لانتكاسات من وقت لآخر لأسباب مختلفة آخرها أزمة كورونا، وقبلها حوادث الإرهاب، وحسب أحدث أرقام البنك المركزي التونسي فإن عائدات السياحة تراجعت بنسبة 47% خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية، وهي نسبة كبيرة ومؤثرة، إذ إن إيرادات السياحة هي المصدر الأول لإيرادات تونس من النقد الأجنبي.
سيناريو لبنان الذي توقف عن سداد ديونه الخارجية ويشهد انهيارا في عملته وقفزات في الأسعار يلوح في الأفق داخل تونس
وهناك انكماش متوقع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قدّره سليم العزابي وزير التنمية والتعاون الدولي والاستثمار، بنسبة 6.5% بحلول نهاية 2020؛ وهو الانكماش الثاني منذ 2011، والخامس منذ الاستقلال. كما كشفت وزارة المالية قبل أيام تفاقم عجز الموازنة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2020، بنسبة 88% ليبلغ 2.7 مليار دينار مقابل 14 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. يصاحب ذلك تراجع في إيرادات الدولة بنسبة 10%، وفي الإيرادات الضريبة بنسبة 12.6%.
وبسبب تراجع إيرادات النقد الأجنبي تستعد تونس لإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة، يواكب المفاوضات تطبيق الحكومة خطة إنقاذ اقتصادية مدتها 9 شهور مقبلة، قد يترتب عليها فرض أعباء جديدة على المواطن من زيادة أسعار سلع وخدمات أساسية مثل البنزين والسولار والكهرباء، وخفض الدعم الحكومي، وتثبيت الرواتب وربما خفضها، وتجميد خطة التعيينات الجديدة في الجهاز الإداري للدولة، وهو ما قد يفتح معركة جديدة مع اتحاد الشغل الذي يعد أقوى تكتل سياسي وعمالي في البلاد.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك دول خارجية تتلاعب في سوق الصرف الجنبي في البلاد لتضغط أكثر على العملة التونسية مستغلة تراجع إيرادات تونس من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات رئيسية مثل السياحة وتحويلات المغتربين والصادرات والاستثمارات الأجنبية.
وهناك أزمة تلوح في الأفق وتتعلق بصعوبة سداد تونس أقساط الديون الخارجية، حيث كشف وزير التنمية والتعاون الدولي سليم العزابي يوم الاثنين أن حكومته تفاوض عددا من البلدان من أجل تأجيل أعباء قروض مستحقة يفترض أن تسددها البلاد هذا العام. وقد دخلت الحكومة بالفعل في مفاوضات مع دول دائنة منها قطر وفرنسا وإيطاليا والسعودية لتأجيل القروض المتوقعة لهذا العام.
السيناريوهات الاقتصادية مفتوحة على كل الاحتمالات في تونس كما السيناريوهات السياسية، والمطلوب حدوث استقرار سياسي يساهم في عودة سريعة للسياح الأجانب والاستثمارات الأجنبية، وإعادة تشغيل المرافق الإنتاجية المعطلة، وتدوير عجلة الإنتاج خاصة في قطاعات مهمة كالفوسفات والطاقة، وما لم يتحقق هذا الاستقرار فإن سيناريو لبنان الذي توقف عن سداد ديونه الخارجية ويشهد انهيارا في عملته وقفزات في الأسعار يلوح في الأفق داخل تونس.