يوما بعد يوم تتأزم قضية الطاقة حول العالم في ظل مواصلة أسعار النفط والغاز الطبيعي وغيرهما من منتجات الوقود ارتفاعها من دون توقف أو حتى هدنة بسيطة.
الأزمة وضعت الجميع في مأزق، حكومات أو شعوباً، في ظل زيادات قياسية في فواتير الكهرباء وأسعار الغاز وغيرها من المنتجات البترولية مثل البنزين والسولار والمازوت.
كما باتت أزمة الطاقة تمثل تحديا كبيرا لقطاع الصناعة والإنتاج العالمي، خاصة من جهة زيادة التكاليف وضعف الربحية واحتمال التعرض للإفلاس والتعثر.
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية بنسبة 10% مرة واحدة، والسعر هو الأعلى في تاريخ الطاقة
بل إن الأزمة قد تمتد تداعياتها الخطيرة لسوق الحبوب العالمي لتضع الدول المستهلكة للغذاء في مأزق شديد وأمام قفزات غير مسبوقة في الأسعار.
وربما يأتي اليوم الذي يصبح فيه المواطن مخيراً بين الجوع والظلام في حال استمرار أزمة الطاقة، وربما يجمع بين كليهما في حال تخلي الحكومات عنه ورفعها أسعار الوقود وفواتير المياه والكهرباء وأنبوبة غاز الطهي من دون تقديم أي دعم للمستهلك.
اليوم الاثنين ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية بنسبة 10% مرة واحدة، وقبلها بأيام زاد سعر الغاز في الولايات المتحدة بنسبة 7%.
ومنذ بداية العام يشهد الوقود الأزرق ارتفاعات صاروخية في أسعاره، فسعر العقود الآجلة للغاز في أوروبا تجاوز للمرة الأولى في التاريخ، 1300 دولار لكل ألف متر مكعب مقابل نحو 250 دولارا في العام الماضي.
وبعد أن توقعت مؤسسات مالية بلوغ سعر برميل النفط 100 دولار منتصف العام المقبل، بات الحديث الآن يدور حول الوصول لهذا السعر في غضون أسابيع قليلة.
بل إن هناك من يتوقع وصول السعر إلى 200 دولار للبرميل في العام المقبل، وهو توقع، إن حدث، سيسبب شللا تاما لمعظم الاقتصاديات العالمية، وإرباكا للموازنات الحكومية والدين العام، خاصة للدول المستوردة للطاقة، ويرفع تكلفة كل شيء بداية من أسعار السلع ومنها الوقود والسلع الغذائية ونهاية بمدخلات الإنتاج.
هناك توقعات بوصول سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل في 2022، وهو توقع، إن حدث، سيسبب شللا تاما لمعظم الاقتصاديات العالمية
أزمة الوقود تتصاعد يوما بعد يوم، خاصة في الدول كثيفة الاستهلاك للطاقة، فقد عطلت الأزمة صناعات أساسية في الصين والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوربية أخرى، كما أعادت الظلام إلى دول رئيسية حول العالم منها مدن كبرى في الصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة.
في بريطانيا أكبر المتضررين من أزمة الطاقة لاعتمادها بشكل كبير على الغاز الطبيعي ارتفعت فواتير الطاقة بأكثر من 500% خلال الموسم الجاري، وتسببت في زيادة أسعار الكهرباء والغاز بخمسة أضعاف مقارنة مع أسعار العام الماضي.
وأفلست 19 شركة طاقة تزود عملاءها بالغاز، وهناك توقعات بإفلاس المزيد، وتوقفت بعض الشركات الصناعية المستهلكة للطاقة عن الإنتاج ومنها الحديد والصناعات الكيماوية.
وفي الوقت الذي كانت أوروبا تراهن على روسيا، أكبر مزود لها بالغاز بنسبة 41%، في تخفيف حدة الأزمة، باتت موسكو تستخدم الغاز الطبيعي أداة ابتزاز سياسي ضد دول القارة.
بل إن وعود فلاديمير بوتين بتخفيف أزمة المعروض في أوروبا تتبخر في ظل المراوغة وطلبه من شركة "غازبروم" ملء مواقعها للتخزين الأوروبية بعد الانتهاء من حملة التخزين المحلية في روسيا.
وبات الرهان الآن على قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم في التخفيف من حدة أزمة الطاقة واحتواء أعنف مشكلة طاقة واجهت العالم، إذ تسعى من جانبها لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الغاز، خاصة لدول كبرى مستهلكة للغاز مثل بريطانيا، لكن الطلب يتزايد عالميا يوما بعد يوم.
روسيا تراوغ في حل أزمة الغاز الطبيعي داخل أوروبا، ورهان كبير على قطر في احتواء الأزمة العالمية
العالم يتحرك لمحاصرة الأزمة، لكن بدون جدوى في ظل نقص المعروض والمخزون من الغاز الطبيعي، وزيادة الطلب على النفط يوما بعد يوم، خاصة في آسيا.
وبعد أن كان العالم يحلم بعصر النفط الرخيص وتوديع الطاقة الملوثة للبيئة مثل الفحم والنفط الخام، وتعهّد نحو 40 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ كوب 26 في غلاسكو، بالتخلي عن الفحم في العقود المقبلة.
لكن الواقع يشير إلى شيء آخر، وهو أن الطلب على الفحم يُتوقع أن يزيد حتى عام 2030 كما قال وزير الموارد الأسترالي كيث بيت أمس الاثنين، وهناك توقعات بزيادة الطلب على النفط والغاز معا خاصة في حال تراجع حدة تداعيات جائحة كورونا.
العالم ليس مرعوبا فقط من زيادة معدلات التلوث الناتجة عن التوسع في استخدام الفحم والوقود الأحفورى كمصدر رئيسي للطاقة، بل مرعوب أكثر من قفزات معدل التضخم الناتجة عن ارتفاعات أسعار كل منتجات الطاقة، وضعف قدرة الحكومات على مواجهة تلك الأزمة، خاصة مع تآكل مواردها المالية بسبب تكاليف جائحة كورونا الضخمة.
وفي ظل تفاقم أزمة الطاقة تلك، وزيادة حدة تكاليفها المالية، يصبح المواطن لا حول له ولا قوة، وبات مخيراً بين تحمّل أسعار لا طاقة له بها، أو العودة إلى استخدام الفحم أو العيش في ظلام، خاصة خلال شهر الشتاء القارس.