استمع إلى الملخص
- نجاح المعارضة المسلحة في دخول دمشق دون إراقة دماء ساهم في استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية، مما منع انهيار الليرة السورية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
- المعارضة المسلحة أحبطت محاولات سرقة مصرف سورية المركزي، مما ساهم في الحفاظ على الاستقرار المالي رغم تهريب الأسد لمئات الملايين إلى موسكو.
لو تأجل هروب بشار الأسد إلى روسيا، الذي جرى يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، عدة أيام قليلة لتغيرت المعادلة الاقتصادية والأوضاع النقدية كثيراً داخل سورية، ونجح الرئيس السوري المخلوع في نهب مزيد من الأموال، والسطو على ما تبقى من ثروة البلاد وحملها معه على الطائرة التي هرب بها على عجل، أو قام بتحويلها بسرعة وعبر مصرف سورية المركزي إلى حساباته المصرفية في الخارج، خاصة في البنوك الروسية، واستفاد من تجارب سابقة ومما جرى في بلدان ثورات الربيع العربي الأخرى، حيث إن الفترة الفاصلة بين اندلاع الثورات الشعبية وسقوط الأنظمة الحاكمة كانت كفيلة بإعطاء رموز تلك الأنظمة فرصة لتهريب أموالهم إلى الخارج، سواء عبر القطاع المصرفي الرسمي، أو المطارات والمنافذ الحدودية، أو عبر حقائب سفر ضخمة، أو من خلال الطائرات الخاصة التي كانوا يمتلكون الكثير منها.
ولو التقط رموز نظام الأسد أنفاسهم عدة أيام ورتبوا حالهم وهندسوا أوضاعهم المالية ومدخراتهم، واستوعبوا صدمة نجاح المعارضة المسلحة في دخول العاصمة دمشق بدون إراقة دماء وبسهولة ويسر، لتغيّرت المعادلة المالية داخل البلاد، وما شاهدنا حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها أسواق سورية والعملة المحلية الليرة مقابل الدولار هذه الأيام.
بل العكس كنا نتوقع حدوث قفزات في سعر العملة الأميركية، وندرة للنقد الأجنبي، وارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع الرئيسية، وعدم توافر السلع الغذائية في الأسواق، وارتباك شديد في القطاع المصرفي وأسواق الصرف، وتدافُع السوريين نحو سحب أموالهم من البنوك خوفاً عليها من النهب أو السرقة أو حالة الضبابية وعدم الاستقرار، وتسابقوا كذلك نحو "الدولرة" وحيازة النقد الأجنبي والتخلص من الليرة، حفاظاً على ما تبقى من مدخرات لديهم.
ما جرى عقب سقوط نظام بشار المفاجئ والصادم صبّ تجاه دعم حالة الاستقرار المالي والاقتصادي داخل سورية الجديدة، فالمعارضة أخذت الأسد على حين غرة
ولشاهدنا أيضا محاولات من رموز نظام الأسد لتهريب أموالهم إلى الخارج على عجل، وجمع مزيد من الدولارات من البنوك وأسواق الصرافة وتجار العملة والسوق السوداء، وبأي ثمن، وتسييل الأصول وتهريب قيمتها أو إخفائها وبيعها بسرعة، عبر التنازل الصوري لآخرين عنها، أو بيعها بتراب الفلوس وثمن بخس.
لكن ما جرى عقب سقوط نظام بشار المفاجئ والصادم للنظام صبّ تجاه دعم حالة الاستقرار المالي والاقتصادي داخل سورية الجديدة، فالمعارضة المسلحة أخذت الأسد على حين غرة، ولم تمهله الوقت والفرصة لإعادة ترتيب أوراقه المالية، ونهب المزيد من أموال الدولة السورية، والسطو على ما تبقى لدى البنك المركزي السوري، فالوقت لم يسعفه لأن يطلب من كبار مستشاريه وقيادات مصرف سورية نقل احتياطي الذهب الذي بحوزة البنك والبالغ 26 طناً إلى القصر الجمهوري، بزعم إعادة استثماره في الخارج بعائد أعلى، أو زعم رهنه مقابل إبرام صفقات استيراد سلاح ومعدات حربية وحبوب وبنزين وسولار وغاز طهي من روسيا أو إيران.
ولم يكن لدى بشار الأسد الوقت الكافي لأن يطلب من مستشاريه الماليين إرسال السيولة النقدية المحدودة لدى المصرف المركزي والبالغة قيمتها 200 مليون دولار، بزعم شراء احتياجات عاجلة من السلع الرئيسية من وقود وقمح وأغذية، أو سداد أعباء ديون خارجية، رغم أن الحقيقة هي أنه كان من الممكن أن يحمل تلك الأموال معه في حقائب على الطائرة التي أقلته من قاعدة عسكرية روسية داخل سورية إلى العاصمة موسكو، حيث هرب على عجل تاركاً خلفه إخوته وأقاربه وكبار معاونيه ومستشاريه، كل يدبّر الطريقة الخاصة التي يهرب بها، على أن تضاف تلك الثروة إلى أرصدته المصرفية في بنوك موسكو، ويشتري بها مزيداً من العقارات والشقق الفاخرة، وربما أصولاً جديدة وأسهماً في شركات روسية تجلب له عوائد ضخمة تضاف إلى ما نهبه من أموال طوال 24 سنة.
كذا تكرر الحال مع رموز نظام الأسد وكبار ناهبي المال العام، الذين كونوا ثروات ضخمة من صفقات السلاح وبيع المخدرات وبزنس الحرب الأهلية وتجارة الأغذية الفاسدة وسرقة الدعم الحكومي، هؤلاء لم يتمكنوا أيضاً من تهريب ثرواتهم وودائعهم الموجودة في البنوك السورية إلى الخارج. ولم يمهلهم الوقت فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم المتعلقة بنقل ثرواتهم وأصولهم الضخمة من داخل سورية للخارج حيث وجهتهم الجديدة.
بشار سرق مئات الملايين من الدولارات من أموال السوريين طوال فترة حكمه، وفي 2018 و2019 نهب 250 مليون دولار وتهريبها نقداً إلى موسكو عبر رحلات جوية
صحيح أنه كانت هناك محاولات لسرقة مصرف سورية المركزي صباح يوم هروب بشار الأسد في 8 ديسمبر، كما قال عصام هزيمة، محافظ البنك، لكن شباب المعارضة المسلحة أحبطوا المحاولة، وتمكنوا من إعادة الأموال المنهوبة.
بشار الأسد سرق مئات الملايين من الدولارات من أموال الشعب السوري طوال فترة حكمه، وفي العامين 2018 و2019 وحدهما نهب نحو 250 مليون دولار وقام بتهريبها نقداً إلى موسكو عبر رحلات جوية، وفق تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نشر يوم 16 ديسمبر الجاري، وأدت عملية النهب تلك إلى انهيار الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي. ولو تأخر سقوط نظامه عدة أيام لنجح في نهب ما تبقى من أموال لدى الدولة السورية.